خاص: إعداد- سماح عادل
هناك طرح هام يخص التفاوت في مساحات الحرية التي تتمتع بها الكاتبات في مجتمعاتنا الشرقية، أو ما يطلق عليها البلدان العربية، فالكاتبة في لبنان والمغرب مثلا تتاح لها مساحات من الحرية لا تحلم أن تقترب منها الكاتبة في اليمن وبلدان الخليج مثلا، حتى أن هناك موضوعات إذا تناولتها الكاتبة اليمنية قد يؤثر ذلك عليها بشكل مباشر ويمثل تهديدا اجتماعيا لها.
لكن يبقى السؤال، حين تقرر الكاتبة في تلك المجتمعات الأكثر انغلاقا تحدى العادات والقيود وتكتب بحرية وجرأة، وتكشف ما يحدث من تمييز وعنصرية ضدها، علام تستند، على قوة داخلية وتمرد أم على وضع اجتماعي يدعمها؟، وقد حدث بالفعل أن تخطت بعض الكاتبات في منطقة الخليج تلك القيود والتضييقات التي يفرضها المجتمع.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
التطور التكنولوجي ساعد الكاتبة على التفرغ والتواجد..
يقول الكاتب العراق “حيدر الشماع”: “قد يظن أنه من السخف أن نطرح سؤالا، هل يمكن للمرأة التعبير وحرية الرأي وطرح الأسئلة والتفاعل مع الحياة؟ وما هي مكانة المرأة أو الأنثى بصورة أدق؟، وهل يمكنها تجاوز طبيعة جنسها بايولوجيا وفكريا ونفسيا وعمليا؟، في الولوج في عالم الرجل بكل ثقلها ومزاولة مهام كانت حصرا على الرجال. وقد أجمع رجال الفكر والفلسفة والاجتماع على عدم أهليتها، وقد نتفاجأ إن علمنا أن أرسطو جعلها كائنا استثنائيا أنجبته الطبيعة ولا تصلح إلا للإنجاب. وكذلك أفلاطون يأسف لأنه ولدته أنثى، وروسو صاحب العقد الاجتماعي يراها خلقت لإشباع غرائز الرجل، وايمانويل كانط وشوبنهاور اعتبروها عيبا من عيوب المجتمع وأنها ترجمة لحياة البؤس.
كذلك نيتشه يقول: “حين تذهب إلى المرأة لاتنس السوط”، ستظن المرأة حين تقرأ خطاباتهم أنهم يحثونها على التحرر من الثقل الاجتماعي والتاريخي لموروثات بالية، ولكن مقولاتهم تعد شأنا مناقضا تماما.
هذه المقدمة دفعتنا لها مجموعة من التساؤلات وجهت لنا سنحاول إلقاء الضوء فيها على واقع المرأة الفكري والأدبي بالرغم ضيق المجال، تختلف النساء عن الرجال في الدرجة لا في الطباع ، وهن أهل لفعل جميع ما يفعله الرجل على درجة، وربما يفوقنه في بعض الحالات حسب الغاية والحاجة والاحتمال الجسدي والبايولوجي، ولكنها معرضة على الدوام للتحيز الجنسي، ولكنها تتخطى الشعور الزائف بالضعف وأنها دائما وأبدا لم تكن وحدها، وتحاول إيجاد وسائل مساعدة تدفعها للإيمان بوجودها وكينونتها وإثباتها للاندماج بالمجتمع”.
ويواصل: “إن التطور الديالكتيكي للمجتمع المعاصر وعوامل التكنولوجيا الحديثة كانت معينا للمرأة على أداء مهامها الحياتية وواجباتها المنزلية بطرق أيسر وأسرع، مما مكنها من خلق فراغات لتأسيس مشاريع حياتية لبناء ذاتها فكريا ومعنويا، من خلال إكمال دراستها ونيل درجات رفيعة على المستوى العلمي. كذلك وجود وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي وشبكات المعلوماتية التي تعتبر معين لا ينضب للبحث والاستقصاء والتعمق على المستوى الفكري والأدبي، من خلال مكتبات (pdf) التي يمكنها تحميل ما تشاء من الكتب والمصادر.
وهذا كان حلم للرجل والمرأة على السواء، فنحن نرى أن المرأة أصبح لديها وقت كاف للاسترخاء والقراءة والبحث والكتابة إذا ما نظمت وقتها، من خلال متابعتنا شبه المستمرة لما ينشر على الصفحات الأدبية سواء الورقية والالكترونية نلاحظ الكم الهائل من النصوص الأدبية النسائية، وطاقات مشجعة لرائدات شبابية واعدة جنب إلى جنب، في منافسة رائعة بمعية أدباء لهم شأنهم يستقبلون بالثناء والترحاب والإشادة، ونحن كان لنا مساهمات فاعلة في مد يد العون والإرشاد من خلال نقود توجيهية معرفية.
أما مسألة التفرغ فالمرأة والرجل عليهما أعباء ومسؤوليات جسام يضطلعون بها، كل في مجاله بسبب واقع اقتصادي بائس وصعب والذي يلقي بثقله على الواقع الاجتماعي للإنسانية، يجعلها في صراع دائم”.
ويضيف: “وفي سؤال هل يمكن للمرأة أن تجد مكانا وهل ينصفها النقاد؟، من خلال تعاملنا المستمر مع مدارس النقد وقراءاتنا للإضاءات للنصوص الأدبية لم نبحث عن الكاتب امرأة أو رجل، بل بالعكس حاولنا النهوض بالواقع الأدبي النسوي، وقد وجدنا نصوصا عالية الفكر محكمة الصياغة سردا، نسقا، سياقا، تحمل سيمائيات إيحائية ودلالية وتعبيرية، قمنا بإلقاء الضوء عليها ونشرت في مواقع رصينة، نتوسم فيها إشراقات لجيل يحمل فكرا تنويريا حداثيا”.
وعن تحطيم التابوهات والكتابة الايروتيكية يقول: “هذا ليس في المجتمعات الشرقية ولكن حتى في المجتمعات الغربية التي تكشفت فيها المعاطف المزيفة والآراء المقنعة بين الحياء والقبول والرفض، ولكن هنالك أساليب يشتغل عليها الكثير من الأدباء والأديبات في مواربة وانزياحات وإيحاءات ذكية وأساليب لصياغة ألفاظ غير مباشرة ومقززة للذوق العام الذي يثير الفتنة، هي اشتغالات بتلميحات متعففة بالغة الإتقان لغة وفكرة وتصويرية، ولكنها تحمل جرأة في الطرح في بث العواطف والمشاعر المكبوتة بذكاء فطري محبب”.
وعن وجود اختلافات مابين المرأة والرجل يقول: “نعم في أسلوبية الكتابة وجزالة اللفظ وقوة الطرح، ولكن الكتابات النسائية اعتمدت النقد النسوي للمجتمع الذكوري وعوامل القهر والحرمان والهجر واليأس والكبت، وهذه تحدها زاوية ضيقة لتعلقها بجوانب أوسع، نعم مازالت هناك بقايا من مخلفات تاريخية موروثة ومؤثرة في مجتمعات لا يمكنها تجاوز قبليتها وواقعها بحكم واقعها الزراعي وبيئتها الخشنة. لا ولن تقبل للانصياع للانفتاح والتصالح مع الحياة وإقامة ميزان للعلاقات الإنسانية على أسس إلغاء عبودية الحياة وخلق فجوات تبقى غائرة في نهر الأجيال”.
تفاوت مساحات الحرية داخل مجتمعاتنا الشرقية..
ويقول الكاتب والروائي اليمني “سامي الشاطبي”: “بالتأكيد المهام الملقاة على الكاتبة، وخاصة الكاتبة العربية تحد من انتشارها بل وتضّيق من قدرتها على الحركة في المشهد الثقافي. ومن تجربة امتدت لربع قرن ظهر في مشهدنا السردي في اليمن خلال العام 1997 زهاء 48 كاتبة قصة الآن بعد ربع قرن كم تبقى منهن في المشهد. لا يزيد عن ثلاث هن “هدى ابلان ونبيلة الزبير وابتسام المتوكل”. حجم الصعوبات كبير جدا لكن ذلك لا يمنع من ظهور المئات من الكاتبات واختفائهن مع مرور الوقت وبقاء القلة.!”.
وعن مقارنة نصوص الكاتبات من النساء رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر يقول: “المرأة الكاتبة تحمل هموما ذاتية بدرجة أساسية وبدرجة ثانية هموم مجتمعها ونادرا ما تصل إلى الدرجة الثانية. إن همومها الذاتية كامرأة شرقية كثيرة بحيث لا يتسع العمر لسردها في نصوص أدبية، أما انتقالها إلى الدرجة الثانية فهي تحصرها في هموم مجتمعها المرتبطة بمحيطها الاجتماعي. اعتقد بأن وجود المرأة في هكذا وضع إبداعي وسقف إنتاجي سد فراغا كبيرا في الأدب وخاصة أدب المرأة وذاتياتها”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “تحطيم التابوهات كلمة كبيرة تحمل دلالات تعتمد على حسب وضع المرأة الكاتبة وبلدها، فلا يمكن مقارنة كاتبة في لبنان بكاتبة من اليمن وكاتبة من البحرين بكاتبة من المغرب العربي. فما تراه الكاتبة اليمنية قيودا وتابوهات في بلدها لا تراه اللبنانية لأن الوضع الاجتماعي مختلف. إن خروج الكاتبة اليمنية وتحطيمها للتابوهات سيبدو أمرا مضحكا بالنسبة للكاتبة المغربية، ماتراه بعينك غير ما تعيشه!”.
وعن تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “تمعني في الآتي الإنتاج الأدبي في وسطنا الثقافي، وخاصة في الجزيرة العربية مكسو بالحذر ومقيّد بالعادات والتقاليد المحافظة، ودائما ما ينتهي بخيبات الأمل.
إن نشر غادة السمان للرسائل العاطفية لغسان الكنفاني، وهو المناضل الكبير بقدر ما شكل صدمة للأوساط الثقافية التي رأت فيه المناضل بقدر ما تقبله الشارع اللبناني باعتباره موضوعا رومانسيا يدور ما بين كاتبين. ونشر كاتبة يمنية لرسائل من نوع “غادة السمان” أمر سيستقبله المجتمع بكثير من الدهشة وسيكون رده فعله المجتمعي داميا”.