29 نوفمبر، 2024 5:55 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-3): الأيروسية النسوية محاولات لاكتشاف اللذة والحب بواسطة الفكر النسوي من دون وصايا ذكورية

(النساء والكتابة 2-3): الأيروسية النسوية محاولات لاكتشاف اللذة والحب بواسطة الفكر النسوي من دون وصايا ذكورية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك منظور لبعض الكتاب يرى بوضوح كيف عانت المرأة الكاتبة وتعاني، ليس فقط على مستوى الوقت الحاضر، وإنما منذ أقدم العصور، لكنه أيضا يقدر ويثمن تجارب النساء في الكتابة، سواء شعرا أو نثرا، وكيف كانت لها قيمتها، ويحتفي هؤلاء الكتاب بخصوصية وتميز الكتابة النسائية، عارفين أنها تصدر عن موقف اجتماعي خاص تعرضت له المرأة منذ زمن بتسيد الرجل عليها، وبالتالي يظهر في نصوصها موقفها تجاه هذا التسيد، ومحاولتها لفهم ذاتها وسط كل تلك التشابكات الاجتماعية التي تحيط بها.

في حين أن هناك كتاب آخرون ينظرون على ما حققته الكاتبات من ظهور على الساحة الثقافية، ومن تواجد قوي دعمته جودة وبراعة الكتابة لديهن، ويعتبرن أن ذلك شيئا إيجابيا، كون الكاتبة تستطيع الوصول في النهاية إذا أجادت في مجال الكتابة.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

تبني الكاتبة عالمها الخاص ولغتها الفريدة..

يقول “د. عمّار إبراهيم الياسريّ” ناقد وأكاديميّ عراقي: “منذ الصيرورة الأولى ابتليت المرأة بالعبودية والرق والتبعية حتى غدت سلعة تباع وتشترى، ولم تلغ الأديان هذا المفهوم، بل قعدت للإماء والحرائر وما ملكت اليمين، ولكن مع هذه القيود أشرق نور الإبداع النسوي، ف”الخنساء” برغم فجيعتها كتبت أجود نصوص الرثاء و”قتيلة بنت الحارث” كتبت قصيدة عاتبت فيها النبي محمد (ص) حتى بكى وقال لو وصلتني قصيدة “قتيلة” هذا لما قطعت رأس شقيقها، فالخطاب النسوي ولد من رحم المعاناة حتى كتبت أبلغ الشعر وأجود النثر”.

وعن مقارنة نصوص الكاتبات من النساء رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “بين شفاهية (سجاح التميمية) وتدوينية (فرجينيا وولف) الروائية الإنكليزية ثمة مفارقة، الأولى حاولت تقويض السرديات الكبرى المهيمنة على النسق اللاهوتي شفاهيًا، والثانية حاولت تقويض بطرياركية الفحولة تدوينيًا، خطابية (سجاح) المسجوعة “أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب” قوضت المفهوم لكنها لم تخلخل الفحولة بعد زيجتها من (مسيلمة) ثم توبتها ثم موتها.

في حين ترى (فرجينيا) أن المرايا التي تحيط بالذكورة هي من تضخم صورتها المستبدة وتقترح تهشيمها حسب قولها لو حَرَمنا الرّجل منها لربَّما مات مثلما يموت مدمن الكوكايين عند حرمانه منه، وبقيت تنظر لمفهومها حتى رحيلها منتحرة، إذن نحن قبالة مفهومين نسويين مفترقين مفاهيميًا لكنهما نقطتا شروع ووصول ربما عُدتا من مهادات الخطاب النسوي الراديكالي.

والمفارقة تكمن في خطاب الأولى لمريديها من الرجال والثانية لمريداتها من النساء، فالأولى أرادت إعادة تشكيل النسق السياسي الذي يحيط بها، والثانية أرادت تقويض خطاب الذكورة ثم الانفصال عنهـا، مما تقدم نلحظ أن النص النسوي ليس متفردًا في لغته فحسب، بل يقوض خطاب الذكورة أيضا”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “إن الحديث عن الخطاب النسوي الراديكالي لا يتم بمعزل عن قراءة الجسد نسوياً، فالجسد هو الذي يستنطق المتغيرات الفكرية للخطاب المغاير، والوعي النسوي بحقيقة مكونات الجسد (البايولوجية) ومتغيراته النفسية هو مفتاح البنية النصوصية للنص الجديد، وهذا ما أتضح جليا في مقالة الناقدة النسوية الفرنسية (هيلين سيسكوس) “ضحكة ميدوزا” التي حثت فيها النساء على اكتشاف الجسد ومتغيراته وانثيالاته وإظهار ما حاول الخطاب الذكوري التشدق به ثم صوغه في نصوصهن التي لا تشبه إلا نفسها.

فالوعي بالجسد هو الوعي بالذات الأنثوية التي غيّبت من المركزية الذكورية، والمعرفة بالجسد تتطلب معرفة بالصياغات اللغوية أو الصورية التي تستطيع أن تستنطق خباياه المليئة بالأسرار، فالأيروسية النسوية ليست لهاثًا محمومًا تجاه الجنس بل محاولات لاكتشاف اللذة والخصب والحب بوساطة الفكر النسوي من دون وصايا ذكورية”.

وعن تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية يقول: “أمام العنف الذكوري المتجسد عبر سيل من السلطات القبلية والسياسية والدينية، حاولت المرأة الحضور في المشهد الثقافي ونجحت، بل حازت على العديد من الجوائز، لا أتحدث هنا عن الحضور العالمي بل عن العربي والعراقي، فمكانها بات في الصدارة في المشهدين، والأسماء كثيرة، وإلا ما معنى أن تكون “نازك الملائكة” من رواد القصيدة العربية الحديثة وسط حشد من الكبار مثل “السياب والبياتي”.

في حين محافظة كربلاء العراقية نشوء المنتدى النسوي الأدبي ضمن تشكيلات اتحاد أدباء كربلاء المقدسة ضم أسماء شعرية مهمة مثل “مسار الياسري وشيماء العلي” وسردية لا تقل أهمية مثل “إيمان كاظم وسلوى أحمد وزينب الأسدي”، لهن خطابهن الجمالي المتفرد الموازي للخطاب الذكوري.

أما النقد العربي الذي لم يخل من الأخوانيات، تخلص من المحاباة وتوجه نحو الخطاب النسوي وبين جمالياته بعيدًا عن الرغبات المحمومة في الفترة الأخيرة على أقل تقدير”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “بالتأكيد فالميل الغريزي الفطري للمرأة يتجه نحو بنية لغوية محددة، وهذه البنية الخطابية لا تنفك من عالمهن الجسدي والاجتماعي الذي تعرض إلى تعليب ذكوري أفقده كينونته، ومن تمثلاته السردية صورة الطائر السجين في العديد من السرديات النسوية التي تضمنت طروحات تتهم (البطرياركية) الأبوية فيها بسرقة اللغة من الأدبيات النسوية كما يرد ذلك في سفر التكوين.

ولابد من استعادة هذا الخطاب المسروق وإعادة تشذيبه بعد أن شوهته الذكورة، وقد تبين ذلك جليا في نصوص عديدة مثل كتاب “الجنس الثاني” للفرنسية (سيمون دي بوفوار) وصولاً إلى روايات المصرية (نوال السعداوي) “سقوط الإمام” و”الحب في زمن النفط” و”موت الرجل الوحيد على الأرض”، وبصريا من فيلم “سافرجيت” للانكليزية (سارة غافرون) وصولاً إلى “سكر بنات” للبنانية (نادين لبكي)، إذ تستطيع المرأة بناء عوالمها الخاصة ولغتها المتفردة التي تتمرد على السلطات الذكورية سواء كانت دينية أم سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية إلخ”.

المرأة تتصدر المشهد الثقافي..

ويقول المسرحي المغربي “أحمد جواد”:”بطبيعة الحال الكاتبة التي تعمل خارج البيت كموظفة وداخل البيت كزوجة وكأم أعتبرها شخصيا كاتبة هاوية، لأن وقت الكتابة لديها يبقى مرهونا بأيام العطل. وهي ليست مثل الكاتبة المتفرغة أو المحترفة من أمثال الصحفيات اللواتي يشتغلن بالجرائد والمجلات فعملهن هو الكتابة، فالكاتبة الموظفة والمتزوجة ولها أبناء وقت الكتابة لديها محدودا إن لم يكن منعدما والكتابة تتطلب الوقت الكافي،  والكتابة توازيها القراءة فلا كتابة بدون قراءة، لهذا فهذه الكاتبة الموظفة المتزوجة ولها أبناء تعاني كثيرا، والله يكون في عونها”.

ويقول عن مقارنة النصوص: “لا يمكن أن نقارن إلا في حالة مجتمع تسود فيه المناصفة، فنحن نعيش في مجتمع الكاتب توفر له الزوجة كل شروط الكتابة والتأمل،  فهل الرجل يقوم بنفس الشيء مع زوجته الكاتبة، هنا مربط الفرس كما يقول القدماء، ولكن مع ذلك فكثير من كاتباتنا تفوقن على الكتاب نظما/ الشعر وسردا/ وفي القصة والرواية، الكاتبة تحتاج للوقت الكافي لتختلي بنفسها من أجل الكتابة في حالة اطمئنان تام”.

وعن تحطيم التابوهات في كتابات النساء يقول: “الموضوع المتناول في القصيدة أو في القصة والرواية هو وحده من يجعل الكاتبة تتفاعل معه لدرجة التماهي فهي داخل النص/ الإبداع. وهناك من يعتبره جرأة وجسارة، لكن إذا كانت هذه الجرأة تخدم النص فمرحب بها. وهنا أستحضر مقطع شعري للشاعرة “وفاء العمراني”: “التيه خطوي/ العري لغتي/ ومن شائني فليفتق سجف الأشياء”.

داخل النص الشعري هذا المقطع مقبول. لا أعترف بالكتابة الأيروتكية، الكتابة كتابة في مجالها أن تكتبي نصا شعريا أن تكون هناك شاعرية أن تكتبي قصة أو رواية وجب التمكن من الحرفة والمهارة والحبكة في السرد والتمكن من اللغة حتى تطاوعك”.

وعن تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية يقول: “في المغرب حاليا المرأة تتصدر المشهد الثقافي أولا من خلال الإصدارات الأدبية شعرا ونثرا المرأة حاضرة بقوة، وأصبح لدينا في المغرب كاتبات ماهرات. ثم، وهذا هو الأهم، أغلبهن حاملات لشهادات عليا ويشتغلن كأستاذات في التعليم العالي علما. ولمعلوماتكم أن الأدب المغربي الحديث: “شعرا، قصة، رواية، نقد، دراسات،  بحوث” كتبه نساء ورجال التعليم، أي أن الأدب المغربي أدب عالم.

أما بخصوص سؤال هل ينصف النقاد كتابات النساء؟، فمن خلال تجربتي في التنشيط الثقافي جل الكاتبات اللواتي استضفتهن  بنادي الأسرة لتوقيع كتبهن، وهن كثر في الشعر والقصة والرواية وحتى السيرة الذاتية، قرأهن وقدمهن نقاد رجال ونادرا ما نجد كاتبة تقدمها ناقدة في مشهدنا الثقافي المغربي”.

وعن وجود اختلافات بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “لم تعد هناك اختلافات بالنسبة لمجتمع منفتح مثل المجتمع المغربي حاليا، فمثلا هناك إصدارات أدبية لو حذفنا اسم الكاتبة أو الكاتب لن تجد أي اختلاف،  أستحضر هنا ما كتبه أحد نقاد عن بعض قصائد الشاعرة “وفاء العمراني” التي كانت تنشر في بعض الجرائد قائلا من هذا الشاعر الذي يوقع باسم امرأة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة