17 نوفمبر، 2024 4:42 م
Search
Close this search box.

جاسوس في بيتي

الحياة الحديثة تجعلنا نغرق من رأسنا حتى أخمص قدمينا في موجات من الواي فاي؛ ففي كل لحظة يتم بث موجات من الواي فاي لتخترق الأبنية والدور والمشروعات والشركات والمحلات والمنازل حتى تغذي الأجهزة اللاسلكية العديدة المتداخلة المهام مثل الموبايل واللابتوب والتابلت وباقي الأجهزة الأخرى التي تلامس جسد الإنسان أو تحيط به والتي صار العالم يعتمد عليها بشكل أساسي ويعتقد أنه ليس فقط لا غنى عنها، بل أن أيضًا قيام المعاملات اليومية حتى ولو كانت ترفيهية مستحيلة بدونها.
وبينما تكون تلك الأجهزة في حالة صمت وموت تام لتحاكي طبيعتها كجسم جامد صلب، عندما يتم توصيلها بإشارات الواي فاي التي يبثها الراوتر، تدب فيها الروح وتبدأ في تحسس جميع الظروف التي تحيطها؛ ومن ثمَّ، تشرع في إرسال طلبات استفسار للجهات المعنية للحصول على معلومات دقيقة تفيدها عند القيام بمهامها؛ فتستفسر عن الطقس وتوقعاتِه، وعن أحدث الأخبار الرياضية والسياسية والأخبار الجارية على الساحات العالمية. وكما تبث تلك الاستفسارات عن طريق الهواء، يأتيها أيضًا الرد عن طريق الهواء. وعمل تلك الأجهزة الذي يعتمد على شبكات الواي فاي يجعلها تتصل بأجهزة وهيئات أخرى لجمع معلومات عن قوة الموجات على شبكات الواي فاي، وكيف تتنقل من جهاز لآخر ومدى قوتها، وما هي الأجسام التي تعترض تلك الشبكات وهي تبث موجاتها، والغرض من كل هذا هو البدء في عمل تعديلات في الشبكات الداخلية بالجهاز حتى يقوم بمهامه على أفضل وجه.
والمفاجأة الكبرى هي معرفة أنه من خلال جهاز الراوتر الذي يغذي تلك الأجهزة بأي منزل أو شركة يمكن مراقبة الأشخاص وبطريقة مفصلة. فموجات الواي فاي التي تخترق الجدران عند اصتدامها بالأجسام يتم امتصاص البعض من موجاتها وينعكس البعض الآخر منها. ولقد عكفت فرق بحثية على دراسة ذاك الأمر، إلى أن توصل الباحثون لطريقة تمكنهم من رؤية ما يحدث بداخل غرفة مغلقة من خلال تتبع موجات الراوتر؛ حيث أن طريقة انعكاس وامتصاص الموجات تمكنهم من تحديد هوية الأشخاص وعددهم ومعرفة جميع تحركاتهم وإيماءاتهم، بل وأيضًا قراءة شفاههم عند تحريكها للتلفُّظ بالكلام بدقة متناهية، حتى ولو كان الراوتر لا يتواجد بنفس الغرفة المراد التجسس على روادها. وتعكف الدراسات الحديثة على التوصل لطريقة لتحديد هوية الأشخاص عن طريق موجات الواي فاي عند معرفة طريقة حركتهم. إلا أن فريق من العلماء الصينيين قد نشر عام 2016 على شبكة الإنترنت بحثًا قديمًا يشرح فيه كيفية تحديد هوية الأشخاص بدقة تصل إلى تسعين في المائة. ولو كان هذا بحثًا قديمًا تم الإفصاح عنه، فما بالك بما توصل إليه الباحثون في الوقت الحالي.
ومن أجل هذا الغرض، طوَّر العلماء جهاز أطلقوا عليه اسم “الإحساس الحر” FreeSense، والذي يتم تدريبه على تتبع الطريقة التي يتحرك بها أحد الأشخاص. ومع تجريبه، تم اكتشاف أن دقة الجهاز في التعرف على شخص ما تصل إلى 95% عندما يختار فيما بين فردين، وتنخفض كفاءته إلى 89% إذا زاد عددهم إلى ستة.
وفيما يبدو أن المستقبل سوف يمحي ميزة الخصوصية، وخاصة عند اختيارهم تحويل منازلهم إلى منازل ذكية؛ وذلك بتركيب أجهزة استشعار تتعرف على الأفراد عند دخولهم الحجرات، فتضيء لهم الأنوار، أو تعمل على تشغيل الآلات بمجرد الصوت. ومع زيادة عدد البيوت الذكية حاليًا بشكل متسارع، دون العلم أن اتصال الأجهزة ببعضها البعض لتهيئة الغرفة أو المنزل ليكون طيِّع لأهواء صاحبه، تسهِّل التجسس على الأفراد، وتزيد من كفاءة التعرف على هويتهم.
ومنذ عام 2016، يعمل الباحثون على تطوير كفاءة جهاز “الإحساس الحر” FreeSense، لدرجة أنهم أضافوا خاصية إطلاق صافرة إنذار عند دخول شخص غريب للمكان الذي يتم مراقبته بخلاف الأشخاص مرتادي المكان. لكن الغريب أن فريقًا آخر من باحثي أكبر وأشهر المعاقل التكنولوجية بالعالم، وهو معهد ماستشوستس للتكنولوجياMIT ، قد أفصحوا أنهم في عام 2013 توصلوا لطريقة يستخدمون فيها موجات الراوتر لتحديد عدد الأفراد في مكان ما بل وتحديد حركات أيديهم، بغض النظر إذا كان الراوتر بداخل الغرفة نفسها أو يفصله عنها جدران خشبية أو حتى من الخرسانة السميكة. أضف إلى ذلك تم تطوير جهاز يعتمد على موجات الواي فاي لتقفي نبضات قلب الأشخاص المراد مراقبتها، وأطلق على هذا الجهاز اسم “زمرد” Emerald، والذي قام الباحثون بعرضه على الرئيس أوباما عام 1916 في البيت الأبيض في عرض توضيحي استخدم فيه الجهاز بغرض حماية كبار السن من السقوط وذلك بتتبع حركة القلب.
أما الأخطر من كل هذا وذاك هو الجهاز الذي أفصح عنه الباحثون في مؤتمر عام 2015 وأطلقو عليه اسم “واي كي” WiKey، والذي يحدد حركة أصابع أحد الأفراد على أي لوحة مفاتيح، ومعرفة أي أزرَّة قد تم الضغط عليها. وخطورة هذا الجهاز تكمن في أنه يتم تحديد أي النصوص قد تم كتابتها على اللابتوب أو الهاتف، ومنها يتم معرفة الأرقام السرية لحسابات البنوك وخلافه. وقد تستخدم أجهزة المخابرات المعادية تلك التقنية للسطو على أبحاث العلماء، وفتح أجهزة اللابتوب الخاصة بهم وسرقة ما يشتهونه من أبحاث وأسرار قد يستخدمونها كورقة ضغط ضد العلماء، أو الساسة وكبار رجال الدول.
ومن الواضح أن تلك التكنولوجيات يتم تطويرها لتصيرأكثر دقة يومًا تلو الآخر. فلو كانت هذه هي الأبحاث حتى عام 2016، فما بالك بما توصَّل إليه العلماء في الوقت الحالي. وأكبر مشكلة أن مثل تلك التقنيات التي تسهل التجسس لن يقتصر وجودها على الأجهزة المعنية التابعة للدول لمحاربة الجريمة والإرهاب، أو حتى لاستخدامها في أغراض طبية وهندسية. فكما حدث مع التكنولوجيات السابقة، أموال رجال المافيا وأباطرة الجريمة تسهلت حصولهم على أحدث التقنيات. وعلاوة على ذلك، فإن التقنيات التي تعد قديمًا معقدة وباهظة السعر، مع الوقت تصير في متناول الجميع، ومثال على ذلك جهاز الجوَّال الذي يمتلكه الجميع، والذي كان قديمًا امتلاك ولو جزء من المائة من خواصه قاصرًا على أرفع أجهزة الدول.
قد تكون أجهزة الراوتر المزودة ببرامج تتيح لصاحبها الوصول لأدق تفاصيل ما يحدث داخل منزله أو وسيلة فاعلة لحماية الأطفال وكبار السن تجعل المنازل الذكية أكثر راحة وأمان. لكن أيضًا أي مجرم يتاح له فعل المثل مع أي فرد أو أسرة يرغب إلحاق الضرر بها.

أحدث المقالات