خاص : كتبت – نشوى الحفني :
للخروج من أزمة دبلوماسية تؤثر على الاقتصاد بشكل مباشر، تراجعت “تركيا”، أمس الأول، عن قرارها بطرد: 10 دبلوماسيين، وفي الوقت ذاته قالت السفارات الغربية إنها تلتزم بمعاهدة دبلوماسية تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة، وهو ما أدى إلى تجنب طرد السفراء.
وقال الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، في مؤتمر صحافي؛ إن السفراء تراجعوا وإنهم سيكونون أكثر حذرًا، وجاء ذلك بعد أن قال في مطلع الأسبوع؛ إنه أصدر تعليمات باعتبار سفراء 10 دول غربية: “أشخاصًا غير مرغوب فيهم”؛ لمطالبتهم بالإفراج عن رجل الأعمال، “عثمان كافالا”.
وقال “إردوغان”، في كلمة بثها التلفزيون بعد أن رأس اجتماعًا لمجلس الوزراء: “لم يكن هدفنا في أي وقت إفتعال أزمات. إن ذلك لحماية حقوق وقوانين وكرامة وسيادة بلادنا”.
ومضى قائلاً: “بصدور بيان جديد من نفس السفارات اليوم، تم الرجوع خطوة إلى الوراء عن هذا الذم لبلادنا وأمتنا. أثق بأن هؤلاء السفراء سيكونون أكثر حذرًا في بياناتهم فيما يتعلق بحقوق تركيا السيادية”.
دعوات للإفراج عن “كافالا”..
ودعا السفراء العشرة، ومن بينهم سفير “الولايات المتحدة”، في بيان إلى الإفراج عن “كافالا”، الذي يُسهم في تمويل الكثير من منظمات المجتمع المدني والمحبوس، منذ 04 سنوات؛ بتهمة تمويل احتجاجات في أنحاء البلاد، في عام 2013، والضلوع في انقلاب فاشل، في عام 2016، فيما ينفي “كافالا” الاتهامات.
وأثار بيان السفراء غضب “تركيا”؛ التي قالت إن سفراء: “ألمانيا وفرنسا وكندا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والدنمارك وفنلندا”، بجانب السفير الأميركي تدخلوا بذلك في الشؤون الداخلية التركية.
تراجع السفارات عن تدخلها في الشؤون التركية..
وبينما عقد “إردوغان” اجتماعًا لحكومته، بعد ظهر الإثنين؛ وكان ممكنًا التأكيد فيه على طرد السفراء العشرة وحدوث أكبر خلاف بين “تركيا” والغرب، منذ بداية حكم “إردوغان”، المستمر منذ 19 عامًا، أصدرت عدة سفارات بيانًا قصيرًا.
وقالت “السفارة الأميركية”؛ على (تويتر): “تُشير الولايات المتحدة إلى أنها مستمرة في الإلتزام بالمادة (41) من معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية”، ونشرت السفارات الأخرى بيانات مماثلة أو أعادت نشر محتوى البيان الأميركي.
وفي صيغة تركية من البيان الأميركي، قال إن السفارة “تؤكد” إلتزامها بالمعاهدة، وهي صيغة قال بعض المراقبين إن من الممكن قراءتها بما يُشير إلى أن السفارات ستلتزم بالمعاهدة في المستقبل.
تحول سلطوي للحكومة التركية..
وكان رئيس البرلمان الأوروبي، “ديفيد ساسولي”، قد وصف قرار “تركيا” باعتبار عشرة سفراء: “غير مرغوب فيهم”؛ بأنه مؤشر على التحول السلطوي للحكومة التركية.
وقال “ساسولي”، عبر (تويتر)، يوم السبت، إن القرار: “لن يُرهبنا”.
وجدد رئيس “البرلمان الأوروبي” الدعوة للإفراج عن الناشط الحقوقي التركي، “عثمان كافالا”.
والأسبوع الماضي، رفض القضاء التركي مجددًا الإفراج عن “كافالا”، رجل الأعمال المعروف بأنشطته الخيرية، والذي يحظى بشعبيةٍ كبيرة في أوساط المجتمع المدني.
وكان من شأن تطورات، الإثنين، زيادة قيمة “الليرة” التركية؛ بعد أن انخفضت إلى مستوى غير مسبوق في وقت سابق؛ وبلغت: 9.85 ليرة للدولار، بعد أن كانت: 9.6075 ليرة للدولار، حيث فقدت “الليرة” قرابة ربع قيمتها هذا العام.
تجنب المزيد من تدهور العلاقات..
وفي وقت سابق؛ نقلت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية؛ عن مصادر مطلعة؛ أن كبار المستشارين أطلعوا الرئاسة التركية على التداعيات المحتملة على الاقتصاد التركي وسعر صرف “الليرة” وأوصوا الحكومة بعدم اتخاذ خطوة ستعني فعليًا طرد السفراء.
وأبلغ المسؤولون مكتب “إردوغان” أن عدم إصدار قرار رسمي بهذا الشأن يعني تجنب المزيد من التدهور في العلاقات مع “الولايات المتحدة” و”ألمانيا”، أكبر شريك تجاري لـ”تركيا”.
وقالت مصادر (بلومبيرغ)؛ إن هذه المداولات هي التي منعت “وزارة الخارجية” من إصدار إعلان رسمي بشأن السفراء حتى الآن.
وكان متوقعًا أن يتراجع “إردوغان” عن قراره بطرد السفراء العشرة، لكن بشكل يحفظ ماء وجهه؛ بعد أن ارتكب خطأ دبلوماسيًا كان سيُلحق أضرارًا جسيمة بـ”تركيا”، التي تئن تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية.
يتعلق بصرف الأنظار عن الوضع الاقتصادي الصعب..
وقال معارضون سياسيون لـ”إردوغان”؛ إن قراره له علاقة بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تُعاني منه البلاد مؤخرًا، بحسب (رويترز).
وأشارت (رويترز) إلى أن هذه الخطوة في حال تنفيذها؛ ستتسبب في أعمق خلاف مع الغرب خلال حكم “إردوغان” المستمر، منذ 19 عامًا.
ومن جانبه؛ قال “كمال كيليغدار أوغلو”، زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، وهو حزب المعارضة الرئيس، إن “إردوغان”: “يجر البلاد بسرعة إلى الهاوية”، وأوضح بأن: “السبب في هذه التحركات ليس حماية المصالح الوطنية؛ بل إيجاد أسباب مصطنعة لتخريب الاقتصاد”.
وكذلك قال “يافوز أجير علي أوغلو”، نائب زعيم “حزب الخير”، المعارض: “شاهدنا هذا الفيلم من قبل. عد في الحال إلى أجندتنا الحقيقية ومشكلة هذا البلد الأساسية؛ وهي الأزمة الاقتصادية”.
محاولة لإعادة أمجاد السلطة العثمانية..
فيما قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور “سعدون حسين الساعدي”: “لو بحثنا في الأسباب الحقيقية التي دفعت بالرئيس التركي لاتخاذ هذا القرار المفاجيء، لوجدنا أن تركيا تُعد من الدول العظمى في الإقليم؛ ولها دور فاعل وكبير في السياستين الإقليمية والدولية، ونفوذها يمتد إلى عدة دول، ولديها قوة عسكرية جبارة، كما لديها مشكلة مع الاتحاد الأوروبي، كذلك لديها رئيس يحُاول إعادة أمجاد السلطة العثمانية، لذا تصرف مع تدخل السفراء كتصرف رئيس دولة لها ثُقل في المجتمعين الإقليمي والدولي”.
وتابع “الساعدي”؛ بالقول: “هناك رسائل عديدة بعثها الرئيس التركي بقراره، فهو يُريد القول للاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة، إن تركيا ليست دولة من دول العالم الثالث، كما بعث برسالة تحالف جديد مع روسيا والصين وإيران، بأن تركيا جزء من السياسة الإقليمية الجديدة، فالرئيس التركي ثعلب بالسياستين الدولية والإقليمية ويتمتع بقرارات ناجحة”.
وأضاف “الساعدي” قائلاً: “هناك فرق بين الاتحاد الأوروبي وحلف الـ (ناتو)، إذ لا تستطيع تركيا فك إرتباطها بالـ (ناتو)، كما لا يستطيع الأخير التخلي عن تركيا، ذلك أن تركيا نقطة مفصلية بحلف الـ (ناتو) وتتحكم بالمضايق والبحار الدولية، لكن خلاف إردوغان كان مع الاتحاد الأوروبي، بسبب رفضه المستمر لإنضمام تركيا إليه، ورفضه للهوية التركية داخل أوروبا، على اعتبار أنها تُمثل العالم الإسلامي”.
وسيلة ضغط للتقليل من علاقاته..
بدوره؛ يقول الخبير في الشأن التركي، “د. محمد نورالدين”؛ أنه لا يمكن فصل العلاقات “التركية-الغربية”، بما فيها “الأوروبية-الأميركية” عن التطورات السياسية والبُعد السياسي من هذه العلاقات، أعتقد أن الدول الغربية تُحاول الضغط على سلطة “رجب طيب إردوغان”، من أجل تقليل أو التحلل من علاقاته التي أصبحت تزداد وثوقًا مع “روسيا”، وخاصة في مسألة صواريخ (إس-400)، وكذلك التعاون مع “روسيا” في أكثر من قضية.
ويرى “نورالدين”؛ أن هذه الأمور كانت وراء تقدم السفراء الغربيون بمثل هذا البيان، لكن ما هو غير متوقع تمامًا، كان ردة فعل “إردوغان” على ذلك، واعتبار هذا الأمر تدخلاً في الشؤون الداخلية لـ”تركيا”، واتخاذه قرار إبعاد هؤلاء السفراء، لكن في الواقع الطلب الغربي من “تركيا” لا يستحق كل ردة الفعل هذه من “إردوغان”.
تدخل في السيادة ورد فعل مبالغ فيه..
بدوره؛ يقول المحلل السياسي التركي، “مصطفى أوزجان”؛ أن يجتمع عشر سفراء غربيين ويطالبون، في داخل “تركيا”، بالإفراج عن رجل الأعمال، “عثمان كافالا”، هو بحد ذاته تُعد على سيادة “تركيا”، لكن ردة الفعل التركية مُبالغ فيها، ويجب أن تكون متناسبة مع الأوضاع الحالية في “تركيا”.