لقاء جديد مع الدكتور حسين إسماعيل الأعظمي في حضرة كتابه الحديث
(اعترافات الأمم المتحدة بالمقام العراقي)
غالبا ما يتواشج الزمن مع الاعتلال الصحي ليكوّنا العائق الرئيسي في إيقاف النشاط الثقافي والفكري بكل اجناسه، سيما متابعة القراءات العاشقة لآخر الإصدارات التي تقع بين يديك، وليكن هذا العامل القاهر سببا في استماحة العذر للباحث سفير المقام العراقي بامتياز الدكتور حسين الاعظمي، وللأعزة القراء كذلك، حيث كان من المفروض لهذه القراءة أن ترى النور قبل هذا الوقت بكثير، ولكن وكما أسلفت في ذكر العامل الذي حال دون ذلك، وهذا أمر حز في نفسي كثيرا، لأن كتابا كهذا وبهذه الأهمية الكبيرة ينبغي أن يوليه القارئ المتابع أقصى حدود العناية والاهتمام، لكونه يشكّل انتقالة مهمة للغاية في تسليط الضوء محليا وعربيا ودوليا على أهمية المقام العراقية، بعد أن أحاله الباحث الرصين الى مصدر اهتمام كبير لدى المتابع العربي من ذوي العلاقة بالإبداع الموسيقي والمحبين لفن المقام العراقي الخالد.
بصدور الكتاب الجديد لسفير المقام العراقي والباحث الرصين الدكتور حسين الأعظمي، والذي يعتبر إضافة جديدة للجهد المتواصل والحثيث والذي ما انفك حرصه وعشقه وتعلقه بالمقام العراقي الذي يعتبر بحق صاحب المبادرات العلمية في البحث والتقصي والنبش في تاريخ هذا الفن الخالد المتجذر في الوجدان العراقي الذي يعتبر رافدا من روافد الوعي العراقي بشتى صنوفه الحضارية والفكرية والثقافية والفنية، هذا الفن الملازم للوجدان العراقي والذي يعتبر بحق مفخرة لكل عراقي يتباهى بإنجازات باحثي ومفكري ومتابعي بلده، ليجعل الدكتور الأعظمي من خلال دراساته وكتبه العديدة التي تناولت المقام العراقي، فنا وتاريخا وحضارة وابداعا ومؤدين وقرّاء مقام وعازفين خالدين، لبنة حقيقية يعتز بها العراقي بتنوع مشاربه وانتماءاته لعشقه واعتزازه بهذا الفن الخالد.
وبما أننا بصدد الإصدار الجديد للباحث المتميز الدكتور الأعظمي، وما بذله من جهود مضنية وحثيثة لهذا الإنجاز الذي يعتبر بحق موقفا وطنيا والتزاما نبيلا، إيمانا منه، بأن هذا السلاح الوطني هو الأداة المعبرة عن روح الوطنية والتعلق بالتراب العراقي الذي ما ترك حيزا على الأرض العراقية إلا وأضفى عليه سمة تعتبر تواصلا لآلاف السنين من العطاء الحضاري العراقي المشهود له في أرجاء المعمورة، وهذا لعمري فخر كبير لكل من يسعى لجعل النسيج الوطني بوصلته في العطاء والتجدد والإضافات التي تخلده حقا.
وهذا ما وجدناه في المؤلَف الجديد، الذي يعتبر وبامتياز مرآة حقيقية لفن المقام العراقي، لا باعتباره فنا موسيقيا بعبقرية رواده وكل من له علاقة به، بل صفحة مشرقة في تاريخ العراق الحديث عبر مراحل عديدة مر بها هذا البلد، رغم نكباته وعواثره وما مر به من مراحل كارثية مزلزلة، ليبقى فن المقام صخرة صلدة وبصمود نادر بوجه المتغيرات التي طرأت على حياة العراقي ووطنه الممتحن بالكوارث. والتي غيّرت بوصلة العراق الذي كان من المفروض أن يحقق إنجازات حضارية بقفزات نوعية تبهر المراقب حيث يكون، حدث العكس وحصل تراجع خطير في كل مناحي الحياة العراقية المأسوف على غياب وهجها الذي كان مثار اعجاب القاصي والداني، بسبب السياسات الهوجاء لحكامه والمتسلطين على رقاب العراقيين، بعد أن خنقوا كل محاولات الإبداع من أي نوع كان، ذلك الإبداع الذي كان يتسم به العراقي عبر حقب وأزمنة ظلت شاخصة في تاريخه قبل أن يأتي مغول السياسة الجدد ليوقفوا كل جميل وخيّر في هذا البلد المعطاء وتعتمل الحسرات في نفوس العراقيين الطامحين للتطور والاشعاع الفكري والعلمي والفني والثقافي، ويحدث التحول الخطير وتتغير البوصلة ويبدأ الانحدار بشكل خطير.
وهنا يطفوا على السطح الجهد العراقي الاصيل من لدن مبدعين أحرار، لم ينساقوا الى الخراب المخيف الذي سببته السياسة بلعناتها المتلاحقة وما أقترفه السياسيون عبر عقود المحن والويلات. لتصبح هذه الجهود الخيّرة وسيلة انقاذ للإبداع العراقي الذي حاول المراؤون وأنصاف الجهلة مسخه وتعطيله.
لتبقى العلامة المميزة للعراقي الأصيل تحفر في المستحيل لتحييد الغبش الراهن وإزالة العوالق التي سببتها الأفعال المشينة لساسة العراق، وما ينجزه العراقي من ابداعات تعتبر وطنية بحق لترميم الخراب الذي انتشر في كل مفاصل الحياة العراقية.
وهذا ما فعله ويفعله الدكتور حسين إسماعيل الأعظمي من خلال مؤلفاته وبحوثه وجهوده النبيلة لئلا يطال الخراب فن المقام العراقي من خلال سلسلة من الكتب التي تناولت وبتوثيق علمي رصين فن المقام العراقي، بدراساته العلمية وتقريبه من القارئ العراقي وتعريفه بفنه الخالد بتناول رواده وقارئيه وأعمدته الفنية التي سعى الباحث على ذكرهم جميعا، دون أن ينسى أيا منهم، وهذا بحق هو الوفاء الإنساني للدكتور الأعظمي الذي يستحق عليه كل ثناء وتقدير واجلال.
عنوان الكتاب الجديد هو (اعتراف الأمم المتحدة بالمقام العراقي)، حكاية البحث والغناء الحائز على جائزة الماستر بيس “Masterpiece” العالمية.
الأمم المتحدة/ منظمة اليونسكو
United Nations Educational scientific and cultural Organization/ UNESCO
Iraqi Maqam
The masterpiece of the Oral and intangible of heritage and humanity
بقلم الدكتور حسين إسماعيل الأعظمي
هذا ما جاء في واجهة غلاف الكتاب معززا بصورة للفنان الباحث حسين الأعظمي وهو يحمل وسام الاستحقاق الرفيع.
إن هذا الجهد الكبير، لم يأت من فراغ وليس من باب الترف أو البحث عن الشهرة، وكل هذا النزوع لا يتصف به الدكتور الأعظمي، بل وكما أسلفنا بسبب إيمانه بالفن الذي يعشقه وبوطنيته الصادقة والنبيلة من خلال خلق حاضنة حقيقية لفن المقام العراقي لحمايته من النسيان والتلف والإهمال، مثلما أبتلت الحياة العراقية وتفاصيل عيش العراقيين بمثل هكذا مثالب.
فتحية اجلال وتقدير لهذا الباحث الرصين.
الكتاب صادر عن دار الذاكرة للنشر والتوزيع لعام 2020 وتتصدر عتبة الكتاب صورة لجلالة الملك عبد الله الثاني، عاهل المملكة الأردنية، اعترافا من المؤلف بما قدمه الأردن من مواقف نبيلة للعراقيين الهاربين من لفحات الوضع السياسي في العراق.
ودون أن يغفل الباحث شخصيات تركت لمسات في مسيرته الغنائية والبحثية، يقدم في إهدائه للكتاب، الشكر لأساتذته الأفاضل، كلا من:
المرحوم الدكتور فهد سالم الشكرة، والدكتور علي محمد حسين المشّاط، والمرحوم الدكتور مازن عبد الحميد السامرائي وغيرهم الكثير.
ثم إلى شقيقه الحبيب على قلبه، محمد واثق إسماعيل العبيدي
ويسترسل في ثنائه لأعضاء اللجنة الوطنية العراقية للتربية والثقافة والعلوم متمثلة برئيسها الشهيد كمال رفيق الجراح، وموظفي دائرته العامة بوزارة التربية.
والى الإعلامي حسن عبد المجيد القيسي.
ثم يتواصل الإهداء لزملائه من مغنين وعازفين ونقاد وباحثين في غناء المقام العراقي ومن أبرزهم: الحاج هاشم الرجب، أحمد شاكر سلمان، عبد الجبار العباسي، سامي عبد اللطيف، فاروق الأعظمي، عبد المجيد العاني، محمود السمّاك، محمود حسين، إبراهيم العزاوي، محمد زكي، داخل أحمد، سامي عبد الأحد.
وإلى روح المخرج التلفزيوني المرحوم جاسم الذهب.
إليهم وإليكم أعزائي القراء أهدي هذا الكتاب. يضيف المؤلف.
آلينا أن نستشهد في تغطيتنا للكتاب بهذا الإهداء ليتبين القارئ الكريم مدى الوفاء الذي يكنّه الباحث لكل من عمل وتعامل معه، كعربون وفاء ومحبة، وهذه من خصال الانسان الأصيل، فتحية إكبار له.
يقع الكتاب في 376 صفحة من الحجم الكبير ومحتوياته عديدة للغاية تتخللها صور توثيقية كثيرة لشخصيات لها علاقة من قريب أو بعيد بفن المقام العراقي، مما يضفي قيمة معرفية واطلاع واسع بأهم الشخصيات التي قد لا يعرفها القارئ. والحقيقة أن هذه الصور التوثيقية المرفقة تشكل متعة كبيرة للقارئ والمتابع على حد سواء، لثرائها وقيمتها التاريخية والمعرفية والفنية وسواها من التوصيفات الرائعة والتي نثمّن من خلالها جهد الباحث وحرصه في الاحتفاظ بها وتوثيقها باعتبارها محطات توثيقية في غاية الأهمية.
في تصوري أن الكتاب يعتبر سِفر حقيقي يعرّج بالقارئ الى مديات عليا ويتماهى مع تأريخ وحيثيات هذا الفن الخالد، تلك المحطات التي تعتبر غذاء روحيا ورحلة فائقة المتعة من خلال حضور مديات من بواطن هذا الفن وتأريخه وفرسانه بعلاقة وطيدة مع موروث بلاد الرافدين دائمة العطاء والرفد في كل مناحيه الفكرية والثقافية والعلمية وغيرها من ابداعات ما أنفك العراقي يمدها للباحث عن شغف المعرفة وبواطن الثقافة وما أفرزته من نتاجات أبهرت العالم. والباحث الأعظمي بجهوده ومثابرته وبحثه المتواصل عبر مجموعة من الكتب والبحوث والدراسات والمقالات المتواصلة، يضيف لبنات جديدة وغير مألوفة للقارئ العراقي والعربي، بل والعالمي. وما كتابه هذا إلا دليل يستحق كل الثناء والتنويه والتقدير، وهذه دعوة للباحث عن بواطن هذا الفن أن يسافر بفرح غامر مع هذا السِفر الخالد.
لم يترك الباحث الأعظمي لا شادّة ولا فادّة إلا وأقتنصها بموضوعية واقتدار رصين، ليضعها هبة غالية ونبيلة أمام القارئ ليقترب أكثر ويقلّب في متون الكتاب عن أسماء وأحداث وتواريخ ومعلومات قيّمة وما سواها، ليشعر بتواصله ولو مع مداد هذا الجهد النبيل والأصيل، ليقدم شكره لهذا الجهد الخيّر والرصين. إن هذا الكتاب وما سبقه من كتب للباحث الأعظمي، جميعا تعتبر موسوعة مهمة للباحث عن فن المقام وحيثياته وجذوره وكل تفاصيله.
واعتبارا وتذكرا لشعراء مروا في مسيرة الباحث الغنائية، باعتباره سفير بحق للمقام العراقي، يستشهد بالعديد من الأسماء من الشعراء الخالدين والذين تركوا أثرا بارزا في مسيرة قارئ المقام العراقي بامتياز الفنان الدكتور حسين الأعظمي، نذكر من هؤلاء الشعراء: الشاعر عبد الغفار الأخرس، الشاعرة عاتكة وهبي الخزرجي، الشاعر أحمد محمود اليزدي، الشاعر أحمد الصافي النجفي، الشاعر أبو مظفر الأبيوري، شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، الشاعر حفظ جميل، وغيرهم الكثير.
وهنا ينبغي أن نؤكد بشكل لا يقبل التردد والتماهل، بأن هذا الكتاب وما يتضمنه من توثيق علمي مدروس ومؤرشف، أن يتحول الى متحف خاص بالمقام العراقي، وهذا مطمح كل من يعشق هذ الفن الخالد، متحف يليق بهذا بالمقام العراقي وما قدمه من إنجازات خالدة بقرائه وعازفيه وباحثيه ورواده وكل من له صلة به من قريب أو بعيد. وإن تحقق هذا المطلب الوطني سيكون إنجازا وطنيا خالصا واعترافا ووفاء لما قدمه هذا الفن بكل فرسانه الخالدين، الأحياء منهم والأموات، ويقينا يكون معززا بالصور التوثيقية والتسجيلات الصوتية وتماثيل أهم الرواد وسواها من التأثيث والتأطير والتجهيز، وغيرها، ليتحول الى مزار وطني شأن ما يلاقيه المتحف الوطني العراقي من اقبال من لدن العراقيين وغيرهم، وسيخلّد حقا من يبادر الى الاسهام بهذا المنجز أسمه ويضيف لبنة جديدة للترات العراقي الذي يعتبر قبلة للجميع، عراقيين وغير عراقيين.
يتوزع الكتاب على بابين وكل باب يحتوي على عدة فصول بشروح واضاءات وتحاليل وقراءات متعددة الجوانب والاهتمامات بتغطية وافية للعناوين التي تحملها الفصول، بحيث أن الباحث لم يترك لا شاردة ولا واردة إلا واقتنصها وأشبعها بالشرح والإفاضة الممتعة، ليشعر القارئ بأنه في حضرة محراب الباحث، يشاركه ذات الهموم وذات لحظات الانتشاء وهو يغترف من مخزون فن المقام الخالد الكثير من تفاصيله ومكوناته وأصوله ومناحيه وما يتعلق به من شخوص وذكريات ومحطات هامة معززا بالعديد من الصور لشخصيات لها علاقة بالمقام، بما فيها شخصيات سياسية ومسؤولة مرت على العراق، منها من ودّع الدنيا ومنها من لا زال على قيد الحياة، دون أن يستميل لهذا الشخص دون ذاك، لا من حيث الانتماء الطائفي أو العرقي أو السياسي أو الديني أو المذهبي. فالكتاب هنا جامع لكل العراقيين بشتى مشاربهم وانتماءاتهم، مما اضفى على الكتاب مصداقية كبيرة وحرص في الحفاظ اللحمة العراقية، ليصيح الكتاب ملك لكل العراقيين دون استثناء ولا تمييز.
وهنا لا يسعنا كقراء قريبين للكتاب والباحث على السواء، إلا أن نباركه الجهد الوطني بتكريمه من لدن الأمم المتحدة الذي يعتبر تكريما لكل العراقيين ولا يقتصر على المؤلف وحسب، إنما لا ينبغي أن ننكر الجهد الوطني والفني والإنساني الحريص على السعي الحثيث لرفعة العراق والمواطن العراقي، من خلال الجهد الكبير والمتميز للباحث الرصين والمجّد للدكتور حسين الأعظمي الذي أتوجه أنا شخصيا كوني قريب من كتبه وأبحاثه وقبل كل شيء شخصيته المتميزة والمحبوبة وهو يوزع من خلالها الكم الهائل من الحب والود والتقدير والعرفان بالجميل لكل من يعرفه ويتعامل معه ويتفاعل مع منجزه الباهر، وبالتالي لا أغالي إذا ما قلت، أنه يحظى بالاحترام من كافة العراقيين، رغم التباعد الجغرافي بينه وبين أبناء وطنه، بسبب المحن التي ما فتئت تعانيها بلاد الرافدين الجريحة، ليأتي الدكتور الأعظمي بجهده المتواصل في البحث والتقصي والنبش في الفن الذي نعشقه جميعا كأيقونة عراقية مباركة ويجعله بوصلة لكل من يبحث عن الأصالة والجمال والجذور الحقيقية للفن العراقي الخالد.
والى مزيد من العطاء والجهد المثابر من لدن فناننا الكبير وباحثنا المتميز الدكتور حسين إسماعيل الأعظمي.