من أشد أنواع العقاب الذي ينزله الله بالشعوب والجماعات هو التشتت أو التيه وصنفه الكثير من العلماء بأنه أسوء عقاب أنزل سبحانه بالأقوام السالفة بسبب ظلم الحكام وانحرافات المجتمعات، وكم من نفس استسلمت راضية بالقليل من فتات الأحلام دون يختل عندها قيم الانسانية ، لم تنجرف نحو الظلال ، لم تتأسف على ما كتبته عليها الأيام من الهون والحرمان ولم تخضع للجبروت وكم من محروم فى هذه الدنيا يريد أن يعيش معنى الحياة ويطأ بقدميه موطن الأمان ليعيش فى مهجعه آمناً هانئاً سعيداً بلا اذلال او ارعاب او معاناه ،لقد كان من أحكام عقاب الله على بعض البشر الذين أصابهم التفرق والخلاف والعداوة والبغضاء بين بعضهم لأسباب ذاتية ومصالح شخصية ، وعدم اجتماع كلمتهم، وتشتتهم في الأرض وعاقبهم البارئ عز وجل بطرق مختلفة هي ليست من صلب موضوعنا الذي نحن نود الحديث عنه إنما للتذكر و الموعظة وهذه حالة اليوم نشاهدها بين السياسيين في العراق حالياً بدواعي المكاسب بسبب الخلافات النفعية والقضايا والتوترات في مجتمع قسم إلى طبقات، كل طبقة تقاوم من أجل وضعها الاجتماعي والاقتصادي لتحافظ عليها وعلى مكاسبها وسيادتها دون الآخرين المحقين .
لا يُعدُّ مصطلح التشتت محايدًا على الصعيدين السياسي والمَعرفي ، ولا يُعنى بشكل مباشر بسياسات الاستِعمارلوحدها ، بل كان تحليلُ التشتت الذي يغلب على العمليات السياسية المعاصرة و المتشعبة ، والديناميّات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المحرِّكة لها ، ولئن كان مفهوم التشتت غيرَ كاف وحدَه لتفسير العملية السياسية العراقية العليلية بأسرها، إلّا أنّه من المفيد العودة الى المعايير التي تقودُ إلى إعادة صياغة العلاقات بين “الداخل- الداخل ” و “الخارج”، وتكييف تلك العلاقات الى وحدة المصير المشترك.
الشارع العراقي المبتلى بالصراعات السياسية والعنف والعنف المضاد هو الذي يدفع ضريبة الدم لضعف الأمن، ويعتقد كثير من العراقيين أن الصراع بين القوى السياسية على مواقع القوة والنفوذ لا تجعل احد يستطيع الحفاظ على مواقعه ومكتسباته وتطلعاته، ويحاول الجميع الدخول في عملية مراهنات وتطورات غاية في الدقة والخطورة يصعب تحديد اتجاهاتها و المسارات التي تسلكها وكذلك أزمات المنطقة المتمثلة بالنزاعات الداخلية والإقليمية المتفجرة والمتقابلات الدولية الملتبسة، مع ما تحمله هذه التحولات من مخاطر كبيرة تتغير معها وبسببها السياسات و الاصطفافات والمنطلقات والأهداف والأولويات العراقية حتماً وتقف في الغالب وراء التوترات التي تبدو غير مفهومة الأهداف التي يعيشها الشعب . وهناك بعض الجهات قد تكون مسؤولة عن بعض أعمال العنف، إلا أنه من غير الممكن اعتبار الصراع السياسي داخل العراق مسؤولا بشكل مطلق عن جرائم القتل العشوائية لوحدها بل هناك اجندات عميلة ، انما هناك جهات خارجية لها الدور الرئيسي لإضعاف العملية السياسية حتى لا تنتقل اليها في المنطقة تقودها مخابرات دولية فاعلة صهيونية -امريكية. أن الكثير من عمليات القتل تُمارس من قبل جهات تقف خلف الحدود وتحمل فكرا ينكر الآخر ويكفّره ويبيح قتله، كما أن الذين يقومون بذلك لا يخفون نشاطهم بل أن فضائياتهم المسمومة ومواقع الكترونية عديدة تروج لنشاطهم وتبثه بعناوين مختلفة وسبق اعلامي وتبشر بها انتصارات وهمية لزرع الفتن.ان المشاركة السياسية تمثل أساس الديمقراطية وتعبر عن سيادة الشعب . وهناك من يقصد بالمشاركة يعني بالنشاط الاختياري الذي يهدف إلى التأثير في اختيار السياسات العامة أو إختيار القادة السياسيين على المستوى المحلي وعلى مستواً اعلى ، على ان يكون ذلك النشاط ناجحاً ، منظماً فعالاً، مستمراً . هذه المشاركة قيمة في حد ذاتها وشرط لعمل الديمقراطية . و تعد المشاركة السياسية مساهمة المواطنين في أنشطة سياسية متدرجة ومتنوعة ما بين التصويت إلي توجيه وصياغة سياسة الحكومة.
وفي الحال لا يمكن تصور نجاح العملية السياسية التي لا بد ان تقوم على الحقوق المتساوية للجماعات سواء الرجال أو النساء آو مختلف الأعراق والأديان ، وضرورة الاعتراف بالمساواة بين جميع هذه الفئات في الحقوق والواجبات الأساسية ، واحترام إرادتهم بما يمكنهم من التعبير عن آرائهم على أكمل وجه ولا يمكن ان تقوم من دون استنادها على معارضة سياسية قوية نفتقر لها حالياً في مواجهة السلطة المهيمنة، وليست معارضة شكلية تتلقى التعليمات في الكواليس وحيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها والعمل من داخل المطبخ السياسي. في حين أن المواطن هو صاحب الحق و ذو حقوق مدنية واجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية التي يعترف بها المجتمع للجميع بحكم العقد الإجتماعي، ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد، في المشاركة السياسية التي تمثل أساس الديمقراطية وتعبراً عن سيادة الشعب ، ما دام أداؤها ينحصر في التعبير عن مصالح حزبية ضيقة. وقبول المعارضة التي لا يمكن القيام بأي دور بناء من دونها مما يفتح الأبواب على مصراعيها أمام القوى الشعبية خارج البرلمان والأحزاب الحاكمة او المتصدرة للمشهد على مراقبة المؤسسات . إن المعارضة البناءة والنقدية تعكس حقائق السياسة الممارسة، وغيابها لا يعني سوى غياب السياسة. فهل يمكن اعتبار ما يجري حاليا بعد الانتخابات العراقية، شيء من السياسة؟ إن وعن استعمال المال للتزييف والتزوير والتهديد والتصفية والقتل، أمر يبعث على القلق والتخوف من المستقبل حقاً في مثل هذه الاجواء مما يعني انعدام وضعف واضح في مشاركة الأفراد بمختلف جوانب الحياة السياسية بسبب البيئة الغير المستقرة والغير المناسبة للعمل الفعال.