18 ديسمبر، 2024 10:53 م

تداعيات الهجرة المعاكسة…!

تداعيات الهجرة المعاكسة…!

لقد تضررالقطاع الزراعي في السنوات القليلة الماضية كثيراً في المناطق الجنوبية من العراق , مما ادى الى انحسار وتدهور وهجرة متوقعة بسبب ذلك التصحر والجفاف نتيجة ندرة المياه وشحتها والتي كانت تتدفق بانسيابية كبيرة في إرواء مزراع الفلاحين آنذاك , مما تسبب في عدم قدرة تلك الشريحة الفلاحية الكبيرة من مزاولة اعمالها في السقي والزراعة والصيد في المناطق الريفية التي تتبع محافظات الجنوب والوسط , ان معيشة وارزاق تلك الشريحة هي الاعتماد الرئيسي على الصيد والزراعة الموسمية للخضراوات , حيث تبدو ان القوى العاملة بدأت تبحث عن مصادر اخرى لاستدامة عيشها وراحت تفضل الهجرة الى مراكز المدن والمحافظات الاخرى ولا سيما العاصمة بغداد, وللهجرة المعاكسة اضرار بيئية كبيرة الى جانب الاضرار المادية والمعنوية للقوى العاملة من الفلاحين التي لا تستطيع ان تعمل في مسارات صناعية او حرفية غير مهنتها الاصلية التي تتمثل بالصيد والرعي والزراعة.

الفلاح العراقي تحديداً “ابن الجنوب ” لا يستطيع ان ينجح أو يندمج في اعمال بيئات حضرية هشة بسبب المناخ او بسبب الحاضنة المغايرة للعادات والتقاليد الريفية في المجتمع الجنوبي وخاصة محافظات “البصرة والناصرية والعمارة ” التي يعيش اكثر سكانها على الاهوار والمياه في حياتهم اليومية بين القصب والبردي والاحراش ويمتهنون الصيد وتربية المواشي والابقار وزراعة بعض المنتجات من الخضراوات والحنطة والشعير والرز, يقابلها في نفس الوقت عجز الحكومات العراقية عن ايقاف الهجرة المعاكسة ودعم الفلاح العراقي ومعالجة شحة المياه بصورة دبلوماسية مع دول الجوار العراقي.

الهجرة من الريف الى المدينة تلاحقها مشاكل وسلبيات كثيرة حيث ان اغلب المهاجرين يستوطنون في المناطق الشعبية الكبيرة في مراكز المحافظات وخاصة بغداد وعادة ما تكون تلك الاحياء قد تعاني من مشاكل اجتماعية متعددة نتيجة الاختلاط الغير متكافيء من النواحي الثقافية او المهنية والحرفية التي لا تتوفر بيئتها ومناخها المناسبين مع تلك الشريحة الفلاحية الخاصة والتي قد يلجأ البعض منهم الى العمل باجور يومية وعقود منخفضة غير دائمة في القطاعات الاهلية الغير رسمية او الحكومية ,وهم بحد ذاتهم لا يستطيعون الدخول الى الوظائف العسكرية في الجيش او الشرطة او الوظائف المدنية المهمة الاخرى وقد يتحملون العبيء الاكبر في تكاليف المعيشة والمصروفات الباهظة داخل تلك المدن على عكسه في الريف , يقابل كل ذلك ان سكان تلك المناطق الحضرية يتمتعون بشيء من الرفاه لانهم يحصلون على رواتب نظامية كل شهر ولهم القدرة على تحمل تلك التكاليف والمصروفات التي توصلهم الى شبكات الأمان المالي المرجوة, لقد اصبحت الهجرة بسبب المناخ والبيئة والمياه هجرة دائمية وليست موسمية كما عهدناها في السابق بل انها أزمة مزمنة غير مؤقتة, وينبغي الضغط على الحكومة العراقية بضرورة اتباع نهج ذي شقين أوله : تعزيز قدرة المناطق التي تشهد تدفقا سكانيا على التكيف , وثانيهما : تقديم الدعم الى النواحي والاقضية الريفية التي تهاجر منها الأسر بسبب التدهور البيئي الشديد وانعدام الفرص الاقتصادية المتنوعة.