خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يشهد “السودان” تطورات متسارعة بسبب التوترات السياسية الخطيرة بين المكونين: العسكري والمدني، التي وضعت البلد أمام أخطر أزمة سياسية وأمنية، منذ سقوط نظام الرئيس السابق، “عمر البشير”، وهو ما وضع الكثير من السيناريوهات المتفاوتة التي تفرض نفسها لتحليل الوضع القائم وطبيعة التطورات المحتملة في المرحلة المقبلة.
وتراقب الأطراف الإقليمية والدولية التطورات القائمة وتفاعلات الصراع بين المكونين في “السودان”، بقلق واسع، على اعتبار أن تلك التطورات لا تتعلق بـ”السودان” وحده، بل إن تداعياتها تنتقل لتُشكل تهديدًا وتحديات متنامية خارج “السودان” بشكل مباشر وغير مباشر.
وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم الإثنين، ضرب زلزال سياسي، “السودان”، ما قد يعصف بالديمقراطية الهشة التي يعيش فيها البلد الإفريقي عقب الثورة على نظام الرئيس السابق، “عمر البشير”.
ونقلت وسائل إعلام أن قوة عسكرية سودانية مجهولة؛ ألقت القبض على أربعة وزراء بالحكومة وعضو مدني في “مجلس السيادة”، على رأسهم المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السوداني، “فيصل محمد صالح”، ووزير الصناعة السوداني، “إبراهيم الشيخ”، ووزير شؤون مجلس الوزراء، “خالد عمر يوسف”.
كما اعتقلت القوة الأمنية أيضًا العضو المدني في مجلس السيادة، “محمد الفكي سليمان”، والمستشار السياسي لرئيس الوزراء، “ياسر عرمان”.
ولم يسلم رئيس الوزراء نفسه من الأمر، حيث ذكرت وسائل إعلام أن، “عبدالله حمدوك”، وضع رهن الإقامة الجبرية؛ بعد أن حاصرت قوة أمنية منزله.
جاء ذلك في بيان لمكتب “حمدوك”، اليوم الإثنين، نشرته “وزارة الإعلام” السودانية على حسابها الرسمي بموقع (فيس بوك)، عقب أحداث عاصفة شهدها “السودان”.
وقال بيان لمكتب “حمدوك”؛ أنه: “تم اختطاف رئيس الوزراء، د. عبدالله حمدوك، وزوجته، فجر اليوم الإثنين، من مقر إقامتهما بالخرطوم، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية. كما اعتقلت القوات الأمنية، بالتزامن؛ عددًا من أعضاء مجلس السيادة والوزراء وقيادات سياسية”.
تمزيق للوثيقة الدستورية وانقلاب على مكتسبات الثورة..
واعتبر البيان أن ما حدث يُمثل: “تمزيقًا للوثيقة الدستورية؛ وانقلابًا مكتملاً على مكتسبات الثورة، التي مهرها شعبنا بالدماء بحثًا عن الحرية والسلام والعدالة”.
وتحدد الوثيقة الدستورية، التي تم توقيعها في آب/أغسطس 2019، الأسس التي ستسير عليها المرحلة الانتقالية بناء على الاتفاق التاريخي لتقاسم السلطة بين “المجلس العسكري” و”قوى إعلان الحرية والتغيير”، قائد الحراك الشعبي؛ الذي أدى إلى إسقاط نظام الرئيس السابق، “عمر البشير”.
وحمَّل البيان: “القيادات العسكرية في الدولة السودانية؛ المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة رئيس الوزراء، د. عبدالله حمدوك، وأسرته”، مضيفًا: “كما تتحمل هذه القيادات التبعات الجنائية والقانونية والسياسية للقرارات الأحادية التي اتخذتها”.
وشدد على أن “حمدوك”: “الذي قدمته الثورة السودانية على رأس الجهاز التنفيذي لحكومة الثورة، أهون عليه أن يُضحي بحياته، على أن يضحي بالثورة وبثقة الشعب السوداني في قدرته على الوصول بها إلى غاياتها”.
مطالب بتظاهر الشعب لاستعادة ثورته..
وتقود التطورات الأخيرة؛ الوضع في “السودان”؛ إلى مشهد مُعقد، في خط متوازٍ مع التحديات المفصلية التي يواجهها البلد، الذي لم يُدم فيه اتفاق الضرورة بين المكونين العسكري والمدني طويلاً، حيث حملت ردود الفعل المحلية على التطورات الأخيرة، دعوات للتصعيد، وسط مخاوف من تداعيات ذلك على المشهد العام في البلد.
فقد دعا البيان، الشعب السوداني؛ إلى الخروج والتظاهر: و”استخدام كل الوسائل السلمية المعلومة، والتي خبرها وجربها، لاستعادة ثورته من أي مختطف”.
وختم البيان بالقول إن: “الشعب السوداني بإرادته الجبارة، هو الحارس لمكتسباته؛ وهو القادر على حماية ثورته”.
في سياق متصل؛ أعلنت “وزارة الإعلام” السودانية، إصابة عدد من المتظاهرين أمام القيادة العامة للجيش، بعد وصولهم إلى مقر القيادة ومحاولة اقتحامه.
وطالب “تجمع المهنيين السودانيين”: “جماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، بالخروج للشوارع واحتلالها تمامًا، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري؛ بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه”.
كما دعا “الحزب الشيوعي السوداني”؛ إلى: “إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني”، كما دعا “تجمع المهنيين السودانيين”، المواطنين؛ إلى: “الخروج إلى الشارع” لمقاومة ما اعتبره: “انقلاب”، في الوقت الذي دعا فيه المكتب السياسي لـ”حزب المؤتمر”، جماهير الشعب السوداني؛ إلى: “الخروج إلى الشوارع فورًا” أيضًا.
ووصف “حزب الأمة القومي” ما يحدث؛ بأنه يُمثل: “انتهاكًا للوثيقة الدستورية؛ وعملاً غير شرعي”، كما دعا “حزب التجمع الاتحادي”، الجماهير؛ للتوجه إلى الشوارع: لـ”حماية الثورة”.
تطورات تُعيد السودان إلة المربع الأول..
ويصف السفير المصري في السودان سابقًا، “محمد الشاذلي”؛ ما يحدث من تطورات في “السودان”: بـ”الوضع المؤسف”، موضحًا أن إلغاء الاتفاق الدستوري ووضع رئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية؛ مع اعتقال عدد من المسؤولين والوزراء، والسيطرة على مبنى التلفزيون، وإغلاق “مطار الخرطوم”، وتعليق الرحلات الجوية وقطع الاتصالات والإنترنت، وغيرها من التطورات المتتالية، خلال الساعات الماضية، هي تحركات: “تضرب التسوية السلمية في السودان، وتُعيد البلد إلى المربع الأول من جديد”.
متوقعًا أن تلك التطورات تقود إلى: “عودة الفوضى للسودان، وعودة العقوبات والإدانات الدولية”، فيما لم يستبعد تكرار سيناريوهات: “خطيرة” على أرض “السودان”، مثل السيناريو السوري أو الليبي، مستدلاً على ذلك بأن هناك حالة تمرد مسلح في مناطق بعينها، ومؤخرًا أزمة الشرق؛ وكلها دلالات: “لا تُبشر بالخير”.
كما يتحدث المسؤول السابق عن تداعيات تلك التطورات على دول الجوار، بالإشارة إلى أن أي اضطراب وعدم استقرار؛ دائمًا ما ينعكس على البلاد المحيطة، سواء لجهة توافد المهاجرين، وكذا التأثير على العلاقات التجارية والاقتصادية.
وأوضح أنه كانت هناك: “مشروعات مُبشرة بالخير مع مصر، من المُرجح أن تتأثر بحالة عدم الاستقرار داخل السودان”.
توقعات بتكرار السيناريو السوري أو الليبي..
فيما أوضح الكاتب الصحافي المتخصص في العلاقات الدولية، “أسامة الدليل”، عدم إعتقاده أن المشهد في “السودان” مُرشح لتكرار سيناريوهات مماثلة للسيناريو السوري أو الليبي؛ لعدة اعتبارات مختلفة، من بينها أن أصحاب المصالح في استقرار “السودان” وهدوء الأوضاع به أكثر من أصحاب المصالح في تفكيكه.
ويُدلل بالإشارة إلى أن الأطراف الإقليمية والدولية، ذات الصلة بالملف السوداني: “صاحبة مصلحة في استقراره”، من بينها “روسيا” و”الولايات المتحدة”، وهو ما عبرت عنه الاتصالات والتحركات الأميركية الأخيرة؛ فيما يخص الوضع في “السودان”.
ويضيف أن: “مصر أيضًا يهمها أمن واستقرار السودان، لا سيما وأن أي تطورات هناك تؤثر على مصر باعتبارها دولة جوار، ويُمثل السودان عمقًا إستراتيجيًا لمصر، وبالتالي يُشكل تحديًا على بيئة الأمن القومي”.
لافتًا إلى أنه: “بينما الأحداث تتابع في السودان، وبينما التطورات المستقبلية من الصعب التكهن بها، إلا أن هناك دلائل وشواهد مؤكدة على أن الوضع لن يتطور ليُشبه الوضع السوري أو الليبي، فبخلاف المواقف الإقليمية والدولية، لا توجد تدفقات مالية وسلاح من شأنها تأزيم الوضع الداخلي ليصل إلى ما وصل إليه المشهد الليبي على سبيل المثال، مع تعدد اللاعبين وأصحاب المصالح فيه”.
تطورها الإرادات الدولية المعاكسة لها..
ويُحذر الكاتب الصحافي المتخصص في العلاقات الدولية، من تبعات ذلك على أزمة: “شرق السودان”، قائلاً إنها: “تُهدد البلد بشكل كبير، ويتم استغلالها لإذكاء الفتنة”.
ويُشير إلى أن تحركات المكون العسكري، خلال الساعات الأخيرة – بعد ارتفاع وتيرة التوترات السياسية والخلافات مع المكون المدني – يمكن أن تمر ما لم تكن هناك إرادات دولية معاكسة لها، معلقًا في الوقت نفسه على ردود الأفعال المحلية، وإمكانية أن يسقط معها البلد في أجواء من الفوضى الممتدة.
ويوضح: “الحركات النشطة في الشارع؛ هي بالتأكيد لا تُمثل كل أطياف الشارع السوداني، ولا يوجد برلمان يُمثل صوت الشعب. إن مشكلة السودانيين الأساسية هي مشكلة اقتصادية معيشية بالمقام الأول”.
انزلاق وراء بعض الجهات السودانية..
ويتحدث الأمين العام الأسبق لـ”منظمة الوحدة الإفريقية”، السفير “أحمد حجاج”، عن سيناريوهات التهدئة وتغليب المصلحة العامة، قائلاً إن: “الجهات السودانية المختلفة والمتناحرة انزلقت إلى ما سعى إليه أنصار النظام السابق؛ بإثارة فصيل ضد آخر، وبالتالي وصل السودان إلى هذا المشهد الحالي”.
وتابع أنه: “على الشعب السوداني ألا يواصل السقوط في هذا الشرك، وأن يضع المصلحة العليا للبلاد نصب أعينه”.
ويلفت “حجاج”، في معرض تحليله للتطورات الأخيرة، إلى أن “السودان”: “مُقبل على تحديات كبيرة، ولا يجب أن ننسى أن هناك من يتربص بالسودان، والملفات المنشغل بها، من بينها ما يتعلق بالمشكلات مع الجانب الإثيوبي، والمناوشات والاشتباكات الحدودية”.
ويوضح أن الشعب السوداني: “مدعو للتآلف وإدراك طبيعة تلك التحديات، (الداخلية والخارجية)، وعدم الانزلاق وراء سيناريوهات الفوضى، ليتمكن بعد ذلك من إجراء انتخابات تشريعية تمهيدًا لانتقال السلطة بشكل سياسي سلمي”.