الشيعة باللغة: هي الفرقة, أو الجماعة الموالية لشخص ما, المقصود بالشيعة هم الذين شايعوا الإمام علي بن أبي طالب (ع) وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية إما جليا وإما خفيا, وأن الإمامة لا تخرج عن أولاده, وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، وقد بدا هذا الأمر واضحا وعلنيا عندما تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) خلافة المسلمين ، واتخاذه من الكوفة عاصمة للدولة الإسلامية ,وتواجد أنصاره حوله من سكان العراق ومن الذين قدموا معه من الحجاز.
وقد عُرِفَ العراق مشايعاً لعلي بن أبي طالب(ع) , بعد معركة الجمل التي دارت رحاها على أرض البصرة بين جيش الإمام علي بن أبي طالب(ع)..(خليفة المسلمين الراشد الرابع بإجماع الأمّة الإسلامية) المكون أساسا من أهالي البصرة والكوفة وبين الجيش القادم من مكة بقيادة طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر، وهذه هي النقطة الحرجة في التاريخ الإسلامي ، من أنَّ بعض عناصر الأمّة (الرعية) يخرجون على (الخليفة) .. (إمام الزمان) ..( المنتخب بشورى الأمّة) إن لم يكن منصبّاً بنص (بيعة الغدير) !!!؟
بدأ التشيع أساسا في البصرة والكوفة ومن ثم انتشر إلى مناطق العراق الأخرى وبقية البقاع المجاورة, وكان لشيعة العراق الدور الهام في نشر التشيع في مكة والمدينة وبغداد والري وبخارى وخراسان واليمن والبحرين .
( ومن الجدير بالذكر؛ إنه إذا كان التشيّع يعني تأييد الإمام علي بن أبي طالب كخليفة لأمة الإسلام بعد رسول الله (ص) ، فيصح القول أن التشيع بدأ يوم الغدير ولم يبدأ يوم وفاة الرسول (ص) ، ويصح القول أيضاً؛ بأنَّ النبي الأكرم محمد رسول الله(ص) هو أول مسلم شيعي في تاريخ الإسلام ، لأنه أول من أعلن ولاءه لعلي يوم الغدير(( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه وعادي من عاده )) صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
والحالة هذه ؛
فلقد لعبت الحكومات المتتابعة على العراق منذ دخول الإسلام دورا كبيراً في تشويه ومحاربة التشيع ومنع انتشاره ومحاولة اقتصار التشيع على الكوفة فقط, ولهذا فلم تكن العلاقة بين الشيعة وأغلب الحكومات المتعاقبة جيدة إطلاقا .
يذكر العلامة المظفر(رحمه الله) قائلا: مهما اجتهدوا في جعل العراق أمويّاً كانت تلك الجهود فاشلة، وكانت الروح السائدة عليه هاشمية وعلوية خالصة ، إلا في البصرة في عهود قليلة .
ولم تمض السنون حتى تغلب حُبُّ أهل البيت (ع) في البصرة على المشايعة لبني أمية ، فعادت علوية شيعية, فهي اليوم ومن قبل اليوم بقرون شيعة.
واستمر التشيع بعد استشهاد الإمام علي(ع)، وتمت مبايعة الإمام الحسن بن علي(ع)، وكانت شيعة البصرة موالية إلى الإمام الحسن(ع), فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان خبر شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع), وبيعة الناس لابنه الحسن(ع), دس معاوية رجلا من بني القين إلى البصرة ليكتب إليه بالأخبار ويفسد على الإمام الحسن(ع)الأمور، فعرف الإمام الحسن(ع) بذلك فكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج وضُربت عنقه ، ومن خلال هذه الظروف المشحونة يمكن تصوّر الحرب الإعلامية ضد التشيع ، خصوصا بعد أن آلت السلطة لبني أمية وبني العباس.
عانى الشيعة في زمن الأمويين معاناة كبيرة منذ الخلافة الراشدة بزمن علي بن أبي طالب (ع) والحروب مع الشام وفي زمن الإمام الحسن علي ابن أبي طالب(ع) ومنافسة معاوية لخلافته(ع)،والتسلط عليها، تمكنت السلطة الأموية على الكوفة والبصرة بزمن معاوية من إرسال ولاة ظالمين لهاتين الولايتين ، واستمر فرض الضرائب العالية وقتل وسجن المولاين لعلي ابن أبي طالب(ع) دون أسباب سوى لأنهم مولين لعلي ابن أبي طالب(ع)، وكانت الكوفة والعراق ندّي النظام الأموي على مر العصور ، وخاصة زمن يزيد بن معاوية الذي تسلم مقاليد الأمّة المغلوبة على أمرها بظلم معاوية المتجبر ابن المتجبرين ، عندا خلا الجو لهذا الابن المقرف بمسم واستشهاد الإمام الحسن (ع) الذي كان الاتفاق الذي هدأ ضراوة التنافس على الخلافة هو الاتفاق على أن يؤول أمر الخلافة بعد معاوية إلى الإمام الحسن بن علي (ع)، وكان ذلك السكوت من قبل الإمام الحسن (ع) بخلافة معاوية ناتج عن نيّة معاوية الاتفاق مع الروم كي يعيدوا سلطانهم السليب على الأمّة ، وكان منهم بقيّة في الشام ، وهو كان والي على الشام منذ خلافة عثمان بن عفان . وقد لطخ ابنه الفاجر الكافر شارب الخمر ملاعب القرود يزيد بن معاوية بن سفيان ..جدته هند التي أكلت كبد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رض)، فقتل الحسين بن علي في كربلاء في العاشر من شهر محرم الحرام (الذي كان فيه القتل حرام حتى في الجاهلية) عام61هج مع أخوانه وأبنائه وأصحابه الميامين وسبى عياله آل بيت الرسول(ع) ، وشُنت حملة أموية كبرى لأجل تهجير وقتل وسجن الآلاف من الكوفيين بسبب مولاتهم لعلي (ع) على مر العصور الأموية .
كذلك عانى الشيعة من اضطهاد مستمر على مدى عقود وقرون طويلة، أدى هذا الاضطهاد إلى إخفاء الكثير ممن تشيعوا لتشيعهم ، وكذلك أدى الوضع السياسي القائم إلى حدوث العديد من الثورات – ففي العصر العباسي قامت ثورة في البصرة بقيادة محمد وإبراهيم حفيدا الحسن بن علي بن أبي طالب(ع), وقد قرر المنصور أن يلقن أهالي البصرة درسا قاسيا بسبب إسنادهم لإبراهيم(رض) فأرسل إلى عاصمة العراق الجنوبية المدعو سلم بن قتيبة وفوّض إليه أن يعاقب بلا رحمة جميع من اشترك في الانتفاضة من السكان, وعندما تباطأ العامل في تنفيذ هذا الأمر القاسي استدعي على الفور واستبدل بمحمد من سليمان ، وقد نفذ هذا تعليمات الخليفة بدقة ، فقد هدم ما يقارب ثلاثين ألف داراً، ودمر أكثر من عشرين ألف نخلة يملكها أنصار إبراهيم(رض)، كما أنه اعدم خمسة وخمسين شخصا من الوجهاء المحليين، وأرسل ما لا يقل عن خمسمائة آخرين مكبلين بالأغلال إلى بغداد لكي يقتص منهم الخليفة بنفسه.
وخلال الحكم العثماني للعراق كان الشيعة متضررين أيضاً ، بسبب عدم توافقهم المذهبي مع الحكم العثماني المعتقد بالمذهب الحنفي الذي يجيز الخلافة لغير العربي القرشي ، بينما فقه الشيعة يحرم ولاية غير القرشي العربي على مقاليد الخلافة في الأمّة الإسلامية ، وتزامن هذا الظرف مع تشيّع إيران أيام الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان على تنافس شديد وتخوّف من المد العثماني على الأمّة الإسلامية وإيران خاصة ، فتدرّع بالمذهب الجعفري الشيعي الذي لا يجيز ولاية الخلافة لغير العربي القرشي المسلم ، كي يقطع الطريق إليه أمام العثمانيين وتوسيع إمبراطوريتهم باسم الإسلام ، وهذا بطبيعة الحال سوف يسبب مشكلة عثمانية ـ شيعية في العراق الخاضع تحت السلطان العثماني ، فكيف بحال شيعة هكذا يرزحون تحت سلطان الدولة العثمانية التي حكمت العالم الإسلامي خمسمائة عام ؟!!
وخلال الاحتلال البريطاني للعراق واجه شيعة العراق ـ علماء وجماهير .. عشائر ومدن ـ المحتل البريطاني أشرس مواجهة شهدها جهاد الشعب العراقي عبر التاريخ ، رغم أسلحة المقاومين البدائية مقارنة بالسلاح البريطاني المنتصر في الحرب العالمية الأولى، فماذا يتوقع ذو اللب اللبيب أن تكون العلاقة المستقبلية بين شيعة العراق والمحتل !!؟
وخلال الحكم البعثي عام 1963 عانى شيعة العراق من الجرائم القاسية ضدهم ، ومنها انتهاك حرمات العوائل الشيعية الغنية بتهمة البرجوازية أو الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي ، ثم عاد البعثيون إلى السلطة عام 1968ومارسوا أبشع الوسائل الظالمة لحق شيعة العراق ، ومن أبرز الوسائل التدمير الاقتصادي والعسكري لهذه الطائفة في العراق ، وإعدامات بعض الشخصيات الإيجابية في البصرة بتهمة العمالة لأمريكا وشيوخ العشائر الموالين للمرجعيات الشيعية في الفرات الأوسط ، وما تلاها من تجفيف الأهوار وتجريف البساتين وإعدام العلماء الروحانيين ، وتسفير الجاليات الشيعية والعراقيين الشيعة تحت أسباب وادعاءات واهية أفقدتهم كافة حقوقهم الوطنية دون وجه حق ، إلا لكونهم شيعة، كما تم إعدام الشباب الشيعي بتهم مختلفة .. فالمقلدين للسيد الشيرازي(رض) أعدموا بتهمة الانتماء لمنظمة العمل الإسلامي ، والمقلدين للسيد الصدر الأول(رض) اعدموا بتهمة الانتماء إلى تنظيم حزب الدعوة الإسلامية وهكذا، كما تم تسفير التجّار الكبار في الشورجة ببغداد(وهي من أكبر المراكز التجارية في العراق) وسلبوهم كافة أموالهم وعماراتهم ومحالهم التجارية وأسواقهم بمصادرة شاملة وتهجير قسري عاجل جداً، ورموهم خارج الحدود العراقية الإيرانية، فمات بعضهم في العراق أو بسبب الضغوط النفسية وجرح الكرامات وعاش من عاش ممزقا .
وما أن أسقط الله صدام الدكتاتور في 9/نيسان/2003 ( وهو ذات اليوم الذي أعدم فيه آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (رض) ، وهذه من المعجزات الربانية التي يمكن أن نفهم بها كرامات مراجعنا العظام ، ولماذا يوصفون بآيات الله ،وذلك لما لهم من أسرار إلهية ، منها هذا اليوم التاريخي العجيب على العراقيين عامة وعلى شيعة العراق خاصة ، أنه في ذات تاريخ اليوم الذي أعدم فيه الشهيد السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية الطاهرة بنت الهدى يسقط سلطان صدام حسين إلى الأبد !!!؟) حتى تنفس شيعة العراق الصعداء ، فأصبح لهم حق العودة إلى أرض الوطن ، وحق المشاركة السياسية في الحكم ، وأعيدت لهم ولذويهم كافة الحقوق والممتلكات التي صادرها النظام البائد في عهد صدام حسين .
وما أن حكموا أنفسهم بأنفسهم .. مشاركين لا متسلطين .. متفائلين لا قانطين ، حتى تحرّك أفعوان الإرهاب الظالم من خارج الحدود الوطنية ، وبمعونة وتخطيط ودعم لوجستي ومالي من بعض دول المنظومة الإقليمية الطائفية المنسقة مع أربابها الشيطانية ، التي لم تسرها عملية التغيير السياسي في العراق ، فعانى ما عانى الشيعة من جرائم وويلات الإرهاب ، بتعاون الجهلاء المرتزقة من عراقيي الداخل الذين أعماهم الطمع والجهل الشيطاني ذكر ربهم وحب شعبهم العراقي، فراحت تسوّل لهم نفوسهم قتل إخوانهم الشيعة والسنة معاً ، بأساليب وذرائع واهية ما أنزل الله بها من سلطان ، علماً بأن شيعة العراق ليسوا وحدهم الذين يحكمون العراق ، فالعراق اليوم تقوده حكومة الأطياف والمحاصصات السياسية والمذهبية والقومية والدينية تحت عناوين تنظيمية سياسية متعددة ، والحالة هكذا ؛ فكيف لو حكم شيعة ُ العراق ِ العراقَ لوحدهم دون إشراك غيرهم في الحكم؟!!!
الرسالة التي أراد الإرهاب وأعداء العملية السياسية في عراق ما بعد2003 أن يوصلها هي ؛ إنكم أيها الشيعة هيهات تهنأون في حكمكم للعراق ، وهي رسالة إلى سنة العراق أيضاً ، بأنكم يا سنة العراق هيهات تهنأون بحكومة الشراكة الوطنية (الشيعية ـ السنية)، ومهما يكن من أمر ؛ فإن على هؤلاء أن يفهموا بأن الانتخابات تفرض نفسها على الشارع السياسي العراقي ، من خلال الواقع الديمغرافي للشعب العراقي ، وسوف لن يكون عراقاً سنياً فقط ، ولن يكون عراقاً شيعياً فقط ، بل؛ سيستمر هذا العراق .. عراقاً عراقياً حسب الاستحقاق الذي تحدده صناديق الاقتراع الصادقة لا سيارات الإرهاب الحارقة !