لعلك سمعت بالعبارة الشائعة التي تقول “تمسكن حتى تمكن!” والتي تطلق عادة على الشخص المنافق الذي يصطنع الطيبة والبراءة حتى يصل الى هدفه ثم يظهر على وجهه الحقيقي! هذا بالضبط ما فعلته الأحزاب الطائفية العراقية التي تولت زمام الامور بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 مع المكونين الرئيسين في البلاد الكرد والسُنة ، وذلك من اجل التفرد بالحكم وإعادة البلد الى الدكتاتورية باقبح اشكالها .
ولكي يخدعوا العالم بديمقراطيتهم الزائفة ، كتبوا ارقى أنواع الدستور وادرجوا فيه مواد مهمة ولكن مع وقف التنفيذ ، فقط للديكور! لم ينفذوا أي مادة “براسها خير” حتى الان! وخاصة المادة 119 التي تقضي بٲقامة اقليم في حال اتفقت ثلاث محافظات علی تشكيلها كون نظام السياسي العراقي اتحادي فيدرالي! ولكنها ظلت لحد الان حبرا على الورق! وعندما طالب السُنّة في مجلس محافظة صلاح الدين بإقامة إقليم لهم اسوة بإقليم كردستان ضمن اطار الدولة العراقية ، تصدى لهم رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي” بشدة وقمع احتجاجاتهم وتظاهراتهم المؤيدة للمجلس متذرعا بانه دعوة لتقسيم البلاد!
ومازالت الحكومات العراقية المتعاقبة ومن ورائها ميليشيا الحشد الشعبي تسيرعلى خطى المالكي لمحاربة إقليم كردستان العقبة الكأداء التي تتحدى مشروعهم التوسعي وتعيق محاولاتهم المستمرة لإعادة المركزية الحديدية الى الحكم ، رغم انه أي إقليم كردستان “الإقليم الوحيد في البلاد”قد اكسب العراق صفة الفدرالية الاتحادية دستوريا وادخله نادي الدول الديمقراطية المعاصرة من أوسع أبوابها وبدونه سيتحول الی دولة ميليشياوية ولائية طائفية تحرق الأخضر واليابس في المنطقة!
وقد حاولوا بكل الطرق ازاحة هذه العقبة “الكردية”عن طريقهم ونزع الصفة الدستورية عن الاقليم ولكن اخفقوا ، لان الإقليم الشبه المستقل تحول الى امر واقع منذ انسحاب قوات البعث منه عام 1992 واصبح لديه برلمان وحكومة ، ولكنهم عطلوا المادة 140 الدستورية التي تعالج ازمة الأراضي المتنازع عليها في كركوك وغيرها وتضع حدا لعمليات التعريب والتهجير القائمة لحد الان ، وحاصروا الشعب الكردي وقطعوا عنه الميزانية وغزوا مدنه وضربوها بالصواريخ والدرونات ، وعندما أراد الانفصال والابتعاد عن “ٌقرفهم!” وتشكيل دولته المستقلة هاجوا وماجوا واقاموا الدنيا عليه ولم يقعدوها..
ولكي يبرروا للعالم الإسلامي والعربي عدوانهم الغاشم على هذا الشعب المظلوم وصموه بصديق الشعب اليهودي واطلقوا على اقليمه “إسرائيل الثانية!”
ورغم ما عانى الكرد من ويلات على يدهم منذ 2014 بالتحديد ، فانهم بادروا الى ارسال عشرات الوفود الى بغداد العاصمة لاحلال السلام وحل الإشكالات القائمة على ضوء الدستور ولكن العلاقة بين أربيل وبغداد مازالت متوترة يشوبها الصراع والمخاصمة لاتفه الأسباب!
وكثيرا ما ابدى رئيس الإقليم “نيجيرفان بارزاني” استعداده للذهاب الى ابعد حدود المرونة لتحقيق المصالحة الوطنية ويتنازل عن الكثير من الثوابت لتذليل العقبات وتحسين العلاقة مع بغداد ومن اجل هذا الهدف زار بغداد مرات عدة والتقى بالمسؤولين وطرح مبادرات لتسوية الخلافات ، ولم يدع فرصة تفوت الا واغتنمها للتوصل الى سلام دائم ، ورغم ان الرئيس “بارزاني” يعتبر من الشخصيات السياسية البارزة في العراق والمنطقة و”يمتلك مرونة سياسية وشخصية مقبولة لدى جيمع قيادات الداخل والرؤساء على المستوى الخارجي” على حد قول رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور”احسان الشمري” لاحدى وسائل الاعلام ، فان التعنت والإصرار على الموقف المعادي ضد الإقليم مازال سائدا لدى أصحاب السلطة في بغداد لحد الان!.