ليست شهوة ؛ أن أسرد ما حَـدث البارحة ، بعْـدما استحضرني حنين خاص لزيارة حمام بلدي ؛ بدون تخطيط مسبق وبدون تحريض من جسدي الذي نسي أجواء وطقوس الحمام؛ أي نعم ! حمام بلدي للاستحمام ، لمعانقة حرارته وممارسة الشغب الخاص الذي لا يتوفر في الحمام المنزلي ؛ سيدة المنزل جمعت لي لوازمه وأدواته ؛ وهي تـَتردَّد: ربما ستجد الحمام مغلقا ؟ لأن قولها تأكيد على تردُّدها. لكن خرجت دون اهتمام لقولها ؛ لأننا تعودنا على الإغلاق !والقرارات المفاجئة في منتصف الليل ! وإبان الفجر ! دخلته رغـْم انتهاء زمنية الاستقبال ؛ لأن عادة هذا الحمام ؛ قبْـل الفيروس يتوقف نشاطه، قـُبيل سدول شعيرات الليل. اقتنيت ورقة الاستحمام التي زاد سعرها !؟ وبعْـدما استقبلني بعض الكياسين الذين أعرفهم قبل اجتياح ذاك اللعين ؛ لكن استقبالهم يوحي ما يوحي ، بما سأجود به من دريهمات ، تلك كورونا ! فلم أكتف بالرجال، فحمام النساء المجاور خرجت منه سيدة اعتقدت أنها من عداد الأموات؛ فـبدأت تطربني بالترحاب والسلام والسؤال عن الأهل والبنات؛ تلك كورونا ! لأن تلك السيدة لم أراها منذ ثلاثين سنة ونيف، حينما لم يكن لدي سكن ولا حمام منزلي، وكانت الأسرة تستحم عِـندها.
خلعت ملابسي في البهو؛ ملتحقا بالصالة الأولى التي تضم الأسطال فلاحظت أن أغلبها يعلوه الصدأ ! هل يعقل ؟ وهل علميا أن سطل البلاستيك يصدأ ؟ وهل يعقل أن الأسطل التصقت في قالب واحد ؛ ولم يخرج منها ولو سطل واحد من المجموعة ؛ فكل المجموعات ملتصقة بلصاق غريب وعجيب ! فناديت على المشرف لكي يساعِـدني في امتلاك سطلين أو ثلاث؛ فاعتذر كأنه هو الفاعل ، محاولا فـَك سطل عن آخر بصعوبة ، مؤكدا أن الحمام لم يفتح إلا أسبوعين والصيانة كانت ضعيفة جراء ضائقة يد صاحب الحمام ، والزبناء لم يتحمسوا للاستحمام ؛ إما خوفا من العَـدوى؟ أو من غلاء التذكرة؟ أو أنهم تعودوا على أساليب الاغتسال بطرقهم الخاصة ؟ أوقفته عن الاسترسال طالبا – كياسا – بمعرفته تلافيا لمحاباة من استقبلوني بالترحاب! ولجْت الصالة المتوسطة فكانت فارغة ؛ فارغة تماما. ثم دخلت لصالة الحرارة التي نغترف منها المياه الساخنة ؛ فكانت تضم ثلاثة أشخاص فقط … تبادلنا التحايا حتى أنني شعرت بشيء غريب يتجلى بأن الانسان محتاج لحميمية خاصة ’’حميمية ’’ افتقدها جراء ” كوفيد الملعون” والذي هَلهل العظام؛ وكادت عند البعض أن تصبح رنيم . هكذا شعرت حينما وضعت جسدي كله بين جدار ساخن، بعد طلاء الصابون البلدي عليه ، من رأسي إلى أخمص القدمين … حتى حضر الكياس ليقوم بالدلك والفور وإزالة أوساخ وأردان جسم عشق حلاوة الحمام البلدي ؛ لكن ثرثرة الكياس في سرد معاناته وهمومه من يوم إغلاق الحمام الى اللحظة التي هو فيها. فيها شتت لي سباحة جسد عن عوالم الحرارة وقطرات المياه الدافئة ! وفيها كسر ذاك العشق الاستحمامي ودفء المكان … ولكن استغفرت حينما أنهى مهمته ، رغم أنه كان غشاشا، واستغربت لخروجي هادئا وغير منفعل لألبس ملابسي ، أثناءها دخل الكياس ينتظر أجرته ؛ سلمته ما يستحق ….من عمله … لكنه طلب دريهمات زيادة ؟ لأنه لم يأتيه إلا رأسين طوال النهار، هل كذب أم كان صادقا ؟ لكن فراغ الحمام ولهفة الكياسين، يكشف أنه بين بين ؛ فلم أعارض. فلـَبَّـيْت طلبه عن مضض؛ لأن البقية تنتظر ما سأجود به عليهم ؛ والمشرف عن الحمام ، ينتظر حلاوة الاستحمام ، لأنه رأى دريهمات في يدي اليسرى، أردت المساهمة بها ؛ فحاولت وضع بعضها في الصندوق الحديدي ؛ الذي كان موضوعا على يسار طاولته ؛ صندوق يستفيد منه كل العاملين ؛ بعد إقفال الحمام .
رفض بعدما أغلق فتحة الصندوق بيده اليسرى وبصرامة : مؤكدا أن تلك الدريهمات من حقه ؛ وليس من حق الجماعة ، أعطيته إياها ليديْـه ؛ بل انتزعها مني عنوة . لكن الكياسين الذين كانوا في البهو وهُـم على أهبة إنهاء مهامهم ، رفضوا تصرفاته ؛ رفضوا طمَعه ؛ إنها لكارثة ! عَـمَّت المناوشات ، وازداد الضجيج بينهم ، بعْـدما خطت رجلي نحو الخارج ؛ برهة: علا صراخ أحَـدهم هاتكا نوافذ الحمام ؛؛؛؛ ماذا وقع ؟ وماذا سيقع ؟ تلك كورونا هي السبب ؟ ومتى سينتهي السبب ؟ هكذا ظل حال لساني يردد ؛ إلى أن وصلت الديار منهوكا ؛ والله منهوكا ؛ من استحمام لم أشعر بنكهته الخاصة ؛ بعد طول غياب ولا بنشوة متفردة بعد طول حصار، تلك كورونا هي السبب؟؟