22 نوفمبر، 2024 6:32 ص
Search
Close this search box.

فلسفة نهضة الأمم

مدخل: عالج الفلاسفة والمصلحين موضوع ارتقاء الحضارات وتقدم المدنيات، فمنهم من نسب الانحدار والارتقاء إلى المسائل الفكرية ومنهم من نسبها للجانب المدني بشكل عام.
أمم ارتقت برافعة فكرية ثم انطلقت عسكريا بأناس حملة للفكر كقيم وسلوك فكان امتددهم سريعا جدا، ومثال ذلك المسلمين، الذين انخفضت عندهم استدامة الدافع فارتقت على حسابهم أمة مثل المغول لكن لم تك تحمل فكرا قويا وايدلوجيا مقنعة فاعتنقت الإسلام لتعود إلى آسيا الوسطى وتبقى في الهند لحين قدوم الإنكليز، بشكل عام لم تستدم أمة في مدنية ترتقي بالبشر بدون ايدلوجيا فكرية ترتكز عليها والمدنية ترتقي مع الاستقرار.
فلسفة الارتقاء
ارتقاء المسلمين سببه حضاري فكري الإسلام حضارة فكرية بايدلوجيا مرنة وليس صلدة، فهمها الأولون فبنيت شخصيات تعبر بسلاسة عن الفكر كما عبر ربعي بن عامر في جوابه لرستم (لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ….)، هذا المنهج كان فهما بفهم اللغة، ولكن الإسلام امتد مكانيا وعلى جزيرة لم تتشبع به، ثم عاد للانطلاق خارجها، ليضيف له أمم أعجمية، كل هذا ارتقاء أعطى دفعا كبيرا في التوسع الجغرافي لكن هذا يحتاج استدامة خارج عصرها.
عندما أتى الإسلام كان أول توثيق دقيق عند العرب حملة الرسالة الأوائل هو النص القرآني، وجمع بأربعة نسخ في عهد عثمان بن عفان، وكانت الأمة ممتدة إلى حدود الهند شرقا والأطلسي غربا، أمة دخل عليها الإسلام حملته يحفظون قرآنه ويفهمونه بفهمهم للغتهم وما كان من وسيلة طباعة ليعدوا نسخا كافية أو تكتب شروح أو وسائل اتصالات ليناقش الناس أفكارهم وما يستجد من استنباط واستقراء، الأمم التي دخلوا إليها أعجمية لا تفهم اللغة العربية وكانت الترجمات تجري ممن يتعلم اللغة منهم، أساس الفكر الإسلامي كان في الرعيل الأول وبدأ الاجتهاد يتعدد والفهم لأساس يتداخل في تعايش مع معتقدات الداخلين الجدد، مع زيادة الحراك الفكري المنقول، وتفسيرات ومقاربات شغلت أواخر العصر الأموي والعصر العباسي واستمر النقل للأفكار وتقديس مخرجاتها لتعدد الأفهام والتحزب لهذه الأفهام التي ربما لا أساس لها من أسئلة فلسفية كسؤال هل الإنسان مخير أم مسير وتعددت الفرق في المقاربات الفلسفية التي تختلف والقرآن بالمصدر والمضمون، هذا الحراك الأيديولوجي اضعف تأثير حملة العلم في نقل الفكرة وترابطهم وواقعهم والناس، وهم مصدر التعلم في قلة نسخ القرآن بل سمح لانحرافات فكرية لا علاقة لها بأصل فكرة الإسلام في الجانب السياسي، وكانت سياسة بقاء الحكم التي اجتهد الفقهاء في حصرها بقريش كما فعل الماوردي والفراء ومن انتهج نهجهم، ثم تحول الحكم للمتغلب فتقطعت أوصال الأمة وزاد الاستبداد، ثم تحول لمن يملك الشوكة والقوة، وكل هذا في حقيقته خارج فكرة ولاية الأمة وحقها في اختيار حكامها وعزلهم، الغاية ليست محاكمة التاريخ فلكل عصر ظرفه وحكمه وإنما لنشير إلى غياب مؤسسات نظامية تحافظ على اصل الفكر السياسي والاجتماعي والنقاء الفكري الذي ذكرناه.
إعادة الارتقاء وديمومته
النهضة بفهم أصل الفكرة المرنة وهجر الترسبات التاريخية وما نتج عنها من أفكار لا تتصل بجوهر الرسالة
مهمة الإسلام الحفاظ على أهلية الإنسان في المجتمع من أي دين أو ملة وتمكينه وتأهيله عقليا ليستطيع الاختيار، لان خياره هو محاسب عليه من ربه، ولا يحاسبه المجتمع إلا على سلوكه وتأثيره فيه حسنا أم قبيحا، هذه المهمة الإسلامية ضاعت في أفهام النقل الذي أصبح مقدسا رغم أن الله يقول أن القرآن مثاني أي طيات، وان القرآن لكل زمان ومكان فهو مؤهل لعكس استقراء الواقع والاستنباط منه عبر الزمكان، فقد يكون عدة اجتهادات لزمان واحد في أماكن مختلفة، لكن لكل زمن طيته.
فلو كان هنالك مؤسسة تعنى بالدراسات والتنمية الفكرية والتخطيط لكل حراك مدني سياسي أو اقتصادي كما يمكن أن تكون في عصرنا فان انحدار الحضارة يصبح اقل احتمالا، وابتعاد الفكر عن الواقع ليس محتملا، فالأمة تبقى متماسكة، وهكذا أمة ممكن أن تستمر في الارتقاء المدني لان الإبداع سيكون فعلا من مخرجات نمط الحياة.
التعارف في الخلاصة
خلاصة الفكرة أن أي حضارة تضمر وتتلاشى، واستعادتها أو ديمومتها بآلية لتجديدها وبقائها فاعلة مع تفاصيل حياة الناس وليس أن تستحضر غريزة التدين مثلا ثم تخرج لتتعامل مع واقع مخالف ثم نقول الإسلام لا يصلح للحياة، ففلسفة الحياة والإنسان تفقد من الجانب الفكري ويبقى الكون وهو امر ليس للمعاش في دين يدعو للعمل وليس أن تنتظر الموت كما تحول في الأدبيات اللاحقة كتجاوب مع الانفصال بين الفكر والواقع.
ذات الأمر نجده في منظومات أخرى تنحسر كايدلوجية رغم بقائها كمنظومة تحافظ على ذاتها، ومنها من انهار بزمن قصير في عمر التاريخ.
المهمة ليست صراع مع المنظومات العالمية كالرأسمالية مثلا فالمدنية تراكم للجهد البشري، الإسلام ليس أيدلوجية لصراع المدني وإنما للتفاعل والتعارف وهذه من الأفكار المفهومة خطأ نتيجة خطأ تفسير التاريخ فالرسول ص أرسل الرسل للأمم حوله، والان لا شيء يخفى على تطور الاتصالات والمواصلات فالعالم أصغر من مدينة ولا أعداء للإسلام إلا الاستبداد والظلم ونقص كرامة الإنسان وأهليته، ويتعجّب من هذا الكلام من يرى واقع أهله اليوم!
نهضة الأمم جميعها ليس بتكرار إخفاقات أدت لانحدارها، أو استحضار صراعات التاريخ العدمية وإنما معالجة أصل الارتقاء وتطوير آلياته وأدواته والمحافظة عليها مؤسساتيا.

أحدث المقالات