أسس مصـرف الرافـدين بموجب القانون رقم (33) لسنة 1941 ، ويعد أول مصرف وطني يمارس الصيرفة التجارية بين العديد من المصارف الأجنبية ، وهو من اكبر المصارف المحلية من حيث حجم الودائع وعدد الفروع إذ تبلغ ودائعه الحالية أكثر من 23 مليار دولار وله 146 فرعاً داخل البلاد و7 فروع خارجه ، ويقوم المصرف بقبول الودائع بأنواعها واستثمار الأموال والفوائض النقدية في مختلف أوجه الاستثمار وفق ما رسمه القانون ، ويمثل النشاط الائتماني أهم العمليات الاستثمارية التي يقوم بها المصرف ويعد من المهام الأساسية لعمله ونموه ، وله نشاطات واسعة في مجال منح القروض متوسطة الأجل ( 2-5 سنوات ) وطويلة الأجل (5-10 سنوات ) للأفراد والشركات لغرض تمويل عمليات شراء المكائن والمعدات والآلات أو تشيد البنايات الملائمة للأغراض المختلفة كالزراعية والصناعية والإسكان ، فضلا عن منح قروض للمهن الطبية والمهندسين والعاطلين وفق شروط وضوابط محددة ، ويدخل ضمن هذا الإطار منح التسهيلات في الحساب الجاري وخصم الأوراق التجارية وأتباعها وهي من أنواع الائتمان النقدي الرئيسية الممنوحة لزبائن المصرف والمتعاملين معه ، ورغم انه مر بمراحل وتغيرات عديدة منذ تأسيسه وحتى اليوم ، ولكن الجمهور العراقي يضعون ثقتهم به في وضع او اقتراض الأموال كونه مصرف حكومي مضمون وعريق ولم تشوبه ما يذكر من الهفوات وهناك الكثير ممن يعتبرونه القاصة الآمنة لإيداع وادخار الأموال ، وهو بما يمتلكه من إمكانيات وخبرات وسمعة وإقبال يعد مفخرة يتوجب المحافظة عليها لتطويره وإضافة التحسينات العمرانية والتقنية والتخصصية لجعله منافسا للمصارف العالمية ، وبدلا من السعي لتطويره فان الأنظار تتجه إلى هيكلته أي( تفصيخه ) تحت تبرير مجموعة من الأسباب أولها ، إن هذه الفكرة جاءت بعد سنوات من الضغوط ومطالبات صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة المصارف الحكومية العراقية وجعلها أكثر انسجاماً مع الاقتصاد وتشمل الرافدين والرشيد والصناعي والزراعي التي تستحوذ على أغلب ودائع البلاد ، وثانيها إن المالية ترى وجوب إعادة هيكلة المصرف وان الخطوات تتضمن تغيير النظام الداخلي له لقطع الصلة بين وزارة المالية وبينه باعتبار إن الرافدين تحول إلى شركة عامة مملوكة للدولة بالكامل طبقاً لأحكام قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997 وان ما يتداول من الأفكار هي خطوة لتحرير المصارف الحكومية من سيطرة القطاع العام المتمثل في وزارة المالية ( وهو بهذا الحجم الكبير ) ومن الأجدر أن يدار قبل مجلس إدارة حاله حال المصارف الأهلية لذا فإنها بصدد تغيير مجلس إدارته بالتنسيق مع البنك المركزي لاختيار مدير ومجلس إدارة جديدين للمصرف كخطوة تهدف لتحويله للقطاع الخاص ، و الدافع الثالث هو زيادة رأس ماله الذي يبلغ 89 مليار دينار ليكون بما يتناسب مع حجم ودائعه الحالية . والسبب الرابع تحويله إلى شركة مساهمة ( خاصة ) مع تغيير اسمه لتخليصه من العقوبات الدولية التي يخضع لها والتي تمنعه من العمل المرن دولياً ليكون بمنأى عن المطالبات الدولية والاستفادة من مزايا إيجاد مستثمرين محليين أو أجانب يشاركون المصرف في تطويره باعتباره حقلا للاستثمار ، والسبب الخامس هو التحرر من الوضع الحالي للمصرف وقيوده باعتباره مكرس للفائدة التي تجنيها وزارة المالية والخزانة العامة من خلال الاستدانة من هذا المصرف فهناك 30 مليار دولار هي مدخرات للعراقيين بعيداً من النظام المصرفي ، والسادس أن المصارف الحكومية لا يمكن تسميتها مصارف حديثة إلا بعد الشراكة مع المصارف العالمية بما يسهم في تشجيع الاستثمار المحلي والإقليمي والدولي .
ومن الناحية الجمالية والمثالية ، تبدو هذه الأسباب مقنعة للبعض لتحويل الرافدين إلى شركة خاصة ومنحه ما يريد من استقلالية وحرية في إدارته وزيادة رأس ماله وتغيير تسميته وجعله شريكا مع الآخرين ، ولكن الأمور لا تنجز بهذه الطريقة في كل الأحوال والحالات ، فمن السهولة أن نتوقع ونتمنى كل الأشياء ولكن من واجب الأمانة الوطنية والمهنية أن نتحسب لما سيترتب عن هذا الأجراء .
فالودائع الضخمة التي تتجاوز ال23 مليار دولار لم توضع لأجل سواد عيون الرافدين كمصرف او شركة وإنما لكونه مصرفا حكوميا يحظى بثقة الجمهور ، لهذا فانه ينافس أكثر 81 مصرفا أهليا بعضها تعمل فعلا والبعض الآخر توارت عن الانتظار او تحت الوصايا بعد اختطاف ودائع وأموال الأفراد والشركات ، ومثل هذا التحول يمكن أن يدعم مستقبلا عند إصدار قانون لحماية الودائع بما يكفل التعويض لحد الدينار وعندما تكون هناك ثقة بالمصارف الأهلية التي تأسست بعضها لتكون دكاكين للمتاجرة بالدولار والاستفادة من التحويلات دون غيرها من العمليات المصرفية المعروفة للجميع ، وما نخشاه انه بمجرد فك الشراكة لمصرف الرافدين عن الحكومة إلا وشهدنا إقبالا واسعا في السحب بما يعرض المصرف لما لا تحمد عقباه وربما يتحول لمعسر من أول الأيام نظرا لما منحه من قروض عديدة بمختلف المديات ، وما يرتبط بهذا الموضوع نستفهم ما هي الضمانات بتحقق الزيادة في رأس المال عندما يتحول الرافدين إلى اسم آخر ويتحول إلى أسهم بالاكتتاب او الشراكة او الاندماج او غيره ، فالأسهم و الأوراق المالية تشهد ركودا في العراق والإقبال عليها ليس بمستوى الحماسة التي يتمناها الكثير ، أما عن تغيير اسم المصرف لتخليصه من المطالبات الدولية فهو هروب من الواقع فإذا كان هذا الموضوع مسوغا لوجب معالجة تلك المطالبات حالها حال الالتزامات الأخرى التي خلفتها الأنظمة السابقة أي في نادي باريس او بالترضيات ، وما يتوقعه البعض إن دفع المصرف ليكون في القطاع الخاص قد يكون اخطر من بقائه الحكومي دون حاجتنا لذكر ما يتعرض له البلد من فساد واستحواذ ، وإذا وجد من يهمهم الأمر بان مشكلات المصرف تحل تنظيميا وإداريا فان علاقته الحالية بالمالية ليست زواجا كاثوليكيا إذ يمكن حلها بإعادة الارتباط او بتشريع قانون ينظم علاقة المصرف بالآخرين ، وهو في كل الأحوال ليس مصرفا فاشلا لأنه يحقق إيرادات وإرباح ويحظى برضا اغلب العراقيين ولا يشكل عبئا على العباد والبلاد ويخضع لإشراف البنك المركزي العراقي فلماذا نضعه في خانة الاحتمالات والمجهول ؟! ، وهذا ليس نفيا او تقاطعا مع ما تطرح من أفكار سيما إن بعض من يطلقها له حضور محترم وإنما هي خشية من الشعارات التي ترفع للخصخصة والتحول من العام للخاص ، فاغلب شركات القطاعات العام والمختلط والخاص لا تدار بالشكل الصحيح ، وفي كل الأحوال فان الرافدين ليس مثاليا ولكن أداءه مقبولا في ظل واقع الحال في البلاد ويمكن تطويره بتأني او بقفزات ، وعن مطالبات صندوق النقد الدولي في خصخصة القطاع المصرفي في العراق فإنها مجرد استشارات ومقترحات وليست أملاءات مفروضة بقرارات واجبة الإلزام ومهام صندوق النقد معروفة لمن يعنيهم الأمر ولا يمكنه أن يفرض ولايته على أية مؤسسات داخل العراق ، أما موضوع إدخال التكنولوجيا و التقانات في عمل المصرف فهي من مهامه سواء كان حكوميا او ذهب إلى القطاع الخاص فجهتي الاختصاص ( المالية والبنك المركزي) تشجعان وتدعمان هذا التوجه ولم تعارضه قط ، وكما نعلم فان هناك عقود ابرمها الرافدين في مجالات عدة ( بملايين الدولارات ) وهو ماض بها ولكن بعضها يحتاج إلى التعجيل بالوقت للانجاز ، وهو يمتلك الصلاحيات المالية والإدارية لإجراء أية تغييرات من خلال قرارات مجلس الإدارة التي لا تتعرض لفيتو الوزارة بأغلب الاحيان .
وان الهدف من هذا العرض ليس التشكيك بالنوايا المطروحة لتطوير العمل المصرفي في العراق الذي لا يواكب الموجود في دول العالم ، وإنما هي دعوة مخلصة في التأني باتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى توقيت وبيئة ملائمة في التطبيق ، فخصخصة المصارف تأتي كأسبقية بعد أن تتحول المصارف الأهلية لحالة متقدمة تسعى المصارف الحكومية اللحاق بها وليس ( نزول ) المصارف الناجحة لمستوى المصارف التي لها إشكالات في جوانب مهمة من الأداء ، وفي وضع تكون فيه أكثر من نصف الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي فإننا بحاجة لإجراءات ودوافع لكسب الادخار وليس السماح بفرارها وهروبها وإخراجها من الادخار ، وان قرارات من هذا النوع تتحمل التأجيل لحين ترابط العوامل والمكونات في البيئة العراقية التي تؤثر على بيئة العمل المصرفي ، فهناك الكثير والكثير من الأمور يجب انجازها قبل أن نتحول للشيء المثالي ولنا في ذلك أمثلة عديدة ، فنحن نطبق أرقى قانون للمرور ( رقم 8 لسنة 2019 ) ونحن لا نمتلك طرق صحيحة وإشارات ضوئية ، كما نمتلك قانون مثالي للضمان الصحي ( رقم 22 لسنة 2020 ) وهو غير مطبق رغم ابتداء النفاذ القانوني له حيث وجد انه صعب التطبيق ، وفي كل ما تقدم فإننا نحترم كل الآراء التي تطرح بهذا الخصوص وما نطرحه ليس له صفة العلوية ولكنه من باب الحرص على المراجعة والتعمق قبل أن التوجه للتلاعب بالرافدين ، وهو صرح عظيم مضى على تأسيسه 80 عام من العطاء ويحتاج إلى تدرج في التغيير والإصلاح لكي يتطور ولا يموت ويكون بمنأى عن معاول و مجارف التهديم .