قبل ايام عدة من موعد الانتخابات كتب احد الزملاء معلقا على موقفنا في مقاطعة عملية الاقتراع بصفحة الفيسبوك قائلا، “من انتم وماهو عددكم”، كانت الاجابة في حينها بدعوة لانتظار يوم الانتخابات ونسبة المشاركة واعلان النتائج ليعرف حجم المقاطعين وهويتهم، لانها ستكون الوسيلة الوحيدة للاجابة على تلك التساؤلات والتي كانت واضحة جدا.
واليوم بعد اعلان نسبة المشاركة التي لم تتعدى بجميعها اربعة واربعون بالمئة، كما تدعي مفوضية الانتخابات، لكونها بالحقيقة تنقص عن هذه النسب باعداد كبيرة وقد لا تتجاوز بافضل الاحوال نسبة خمس وعشرين بالمئة، وهو ماتسبب بخلافات بين المفوضية من جهة وبعثة الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة من جهة اخرى، لكونها غير مقتنعة بالنسبة التي اعلنتها المفوضية، فهل يعقل ان تكون النسبة حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر، اربعة ملايين مشارك من اصل اثنين وعشرين مليون ناخب حاصل على البطاقة الانتخابية، وعند اغلاق الصناديق في الساعة السادسة يصل العدد لاكثر من تسعة ملايين ناخب،؟ كيف تمكنت المفوضية من زيادة الناخبين خلال ثلاث ساعات فقط نحو خمسة ملايين ليكون العدد تسعة ملايين؟، على الرغم من الاقبال الضعيف جدا على مراكز الاقتراع وهي حقيقة شاهدها الجميع ولا تحتاج لادلة كثيرة، فجولة واحدة بصفحات موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) بالامكان معرفة حجم اقبال الناخبين من خلال صور ومقاطع فيديو نشرها العديد من موظفي المفوضية المشرفين على عملية التصويت.
في حين شكل تأخر المفوضية باعلان النسب النهائية للمشاركين سببا اخر لفشل العملية الانتخابية وخاصة حينما ظهر علينا رئيس المفوضية جليل عدنان بعد دقائق على اغلاق صناديق الاقتراع ليبلغنا بان النسبة النهائية ستعلن بعد ساعتين، لكن مرت الساعتين واربع ساعات وست ساعات حتى تجاوزنا نحو اثنتي عشرة ساعة لتعلنها عند صباح يوم الاثنين بشكل غير نهائي لتعود بعدها بساعتين لتكمل بقية النسبة، الامر الذي يجبرنا على طرح المزيد من التساؤلات عن اسباب التاخير على الرغم من ان جميع مفاصل العملية الانتخابية كانت الكترونية، لكننا لم نحصل على اجابات تمنع المزيد من الشكوك.
لكن ماحصل في طريقة اعلان النتائج على شكل دفعات او (بالتقسيط المريح)، وتقديم عشر محافظات واستثناء ثماني اُخر من بينها بغداد، لكشف نتائجها بعد ساعتين او اكثر ومن دون الاشارة للحجم النهائي لعدد مقاعد كل كتلة او قوى سياسية مشتركة بالانتخابات واقتصاره على مقاعد المحافظات منفردة، يجعلنا امام نقطة استفهام اخرى بحاجة لتفسيرها من قبل المفوضية، لاسباب عدة ابرزها كثرة التفسيرات التي تتحدث عن تغيير في اصوات الناخبين في بعض المحافظات ومنها البصرة والناصرية وبغداد، وخاصة بعد ظهور مرشحين خاسرين يتحدثون عن سرقة اصواتهم في البصرة وبابل ويهددون برفع السلاح واللجوء إلى قوة العشيرة وسلاحها في حال عدم اعادة اصواتهم، جميع تلك الملاحظات تضعنا امام اجابة واضحة عن اسباب المقاطعة تتعلق بنزاهة الانتخابات والجهة المنظمة لها، فمقاطعتنا ياسادة لم تكن تخوفا من عدم الفوز في الانتخابات.. ابدا.. فهي غير مرتبطة بالفوز او الخسارة والدليل ان حركة امتداد والمستقلين الجدد احرجوا بفوزهم القوى السياسية المتجذرة منذ العام الفين وثلاثة، لكنها تتعلق بمشكلتنا مع النظام وطريقة ادارته للدولة وتعامله مع “عباد الله”.
نعم… كنت قد تحدثت في مقال سابق عن استعداد القوى السياسية لاحداث فوضى بعد اعلان نتائج الانتخابات يكون ضحيتها المواطن المسكين الذي تستخدمه احزاب السلطة لتحقيق غاياتها مرة في حصد الاصوات ومرة اخرى في مواجهة الخصوم، وهذا ماحدث فعلا، فبعد اعلان فوز التيار الصدري بثلاثة وسبعين مقعدا “حصل عليها بطرق مختلفة لا تخلوا من الخروق الانتخابية” واستعداد زعيمه مقتدى الصدر لتشكيل الحكومة باعتبار ان تياره الكتلة الاكبر كما وصفه بخطاب “الانتصار”، حشدت القوى الشيعية الخاسرة موقفها باجتماع عقدته بمنزل زعيم دولة القانون نوري المالكي حضره هادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم وحيدر العبادي، ليخرجوا ببيان مشترك يحمل توقيع ” تنسيقية القوى الشيعية” اعلنت من خلاله رفضها لنتائج الانتخابات والعمل على الطعن فيها، وهو ماوجدته كتائب حزب الله فرصة لاعلان موقفها بتغريدة لمستشارها ابو علي العسكري بعبارات لا يمكن تفسيرها بغير التهديدات من خلال التشكيك بنتائج الانتخابات التي اعتبرها استهداف مقاتلي الشعبي الذين دعاهم “لحزم امرهم والدفاع عن كيانهم المقدس” ليوجه خطابه لفصائل المقاومة قائلا “استعدوا لمرحلة حساسة”، وهي رسالة على السيد الصدر ان يدرسها، ويدرك جيدا بان حصوله على اكثر المقاعد لا يعد جواز مرور لتشكيل الحكومة، فقبلكم زعيم ائتلاف الوطنية أياد علاوي فاز باعلى الاصوات في انتخابات الفين وعشرة، لكن نوري المالكي شكل الحكومة واصبح رئيسا للوزراء لدورة ثانية، وهي بدعة يتحملها نظام الحكومات التوافقية الذي شارك بتأسيسه السيد الصدر.
الخلاصة؛.. أن المرحلة المقبلة التي قد تشهد “صدامات” بين القوى الشيعية الفائزة والخاسرة تتطلب من المقاطعين وجمهور المستقلين الجدد ومن ساهم بايصال احزاب تشرين لمقاعد البرلمان، توحيد الجهود لتأسيس معارضة سياسية تعمل بجناحين من داخل البرلمان وخارجه، لتشكل ضغطا “يزعج” القوى السياسية ويذكرها باسباب فشلها بتنظيم انتخابات “نزيهة” وفقدان قواعدها في المحافظات الجنوبية، كخطوة اولى على طريق التغيير.. هل عرفتم ماهي اسباب فشل الانتخابات؟، وماهو حجم المقاطعين؟…