13 فبراير، 2025 8:25 م

بطون الأفغان أصبحت خاوية .. الاقتصاد امتحان “طالبان” الصعب !

بطون الأفغان أصبحت خاوية .. الاقتصاد امتحان “طالبان” الصعب !

وكالات – كتابات :

بعد مرور عدة أسابيع من سيطرة حركة (طالبان) على السلطة، في “أفغانستان”، أصبح الاقتصاد الأفغاني في حالة ركود مفاجيء وخطير، وتستكشف، “باميلا كونستابل”؛ تأثير تلك الحالة على الشعب الأفغاني، في تقرير نشرته صحيفة (الإندبندنت) البريطانية.

تستهل الكاتبة تقريرها، الذي أعدَّته بالأساس لصحيفة (واشنطن بوست)، بالإشارة إلى المواطن الأفغاني، “أمان ناصر”، البالغ من العمر (18 عامًا)، الذي كان يعمل في صناعة خزائن فولاذية في ورشة متعاقدة مع الجيش الأميركي. والآن، وبعد أن خرجت القوات الأميركية من “أفغانستان” وأغلقت الورشة أبوابها، أصبح “ناصر” – مع 15 موظفًا آخرين – عاطلًا عن العمل.

كذلك اضطُرَّت جارته، “شريفة علي”، في العقد الرابع من عمرها، إلى إغلاق محل الخياطة الخاص بها بعد سقوط الحكومة في يد (طالبان)، في آب/أغسطس الماضي، وتوقف العملاء عن القدوم إلى محلها. واضطرت لبيع أفضل أدوات مطبخها في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة، وتأمل ألا تضطر إلى التخلي عن ماكينة الخياطة في نهاية المطاف.

المشكلة في “البطون الخاوية” !

وتنقل “كونستابل”؛ عن “ناصر”، الذي كدَّس بعض البطانيات من المنزل على الرصيف، على أمل بيعها، قوله: “كل أسرة تواجه الأزمة نفسها. ولم يكن الناس خائفين كما كانوا عندما جاءت (طالبان) للمرة الأولى”، موضحًا أن: “المشكلة الآن تكمن في بطوننا الخاوية”.

وفي جميع أنحاء العاصمة الأفغانية، توجد شواهد على اقتصاد سريع التدهور في كل مكان بالبلاد، من الحشود الغاضبة لموظفي الحكومة؛ الذين لم يتلقوا رواتبهم والذين ينتظرون خارج البنوك التي نفدت منها النقود، ومرورًا بمعسكر من الخيام يأوي العائلات المشرَّدة من الحرب، والذي شغل حديقة المدينة الرئيسة، ووصولًا إلى أكوام السلع المنزلية المعروضة للبيع مُبعثرةً عند نواصي الشوارع والأراضي الخالية.

وفي غضون أسابيع؛ دفعت عدة أحداث متلاحقة – الانسحاب النهائي للقوات الأميركية، والاستسلام الجماعي للقوات الأفغانية، وإنهيار الحكومة الوطنية، وسيطرة مقاتلي (طالبان)، والإجلاء الجماعي الفوضوي الذي تخلله قصف دامٍ للمطار – الاقتصاد الأفغاني إلى طريق مسدود مفاجيء وخطير.

أزمة تلوح في الأفق..

وبحسب الكاتبة؛ كانت الدولة الفقيرة – التي يبلغ عدد سكانها: 40 مليون نسمة – تُعاني بالفعل من قحطٍ شديدٍ، وأشهرٍ من القتال، عندما تولَّى المتطرفون السلطة، منتصف آب/أغسطس؛ الأمر الذي دفع الحكومات والمانحين الأجانب إلى تعليق مساعدات بملايين الدولارات كانت تدعم الحكومة منذ مدة طويلة. وكذلك أغلقت النظم المالية الدولية طرق الوصول إلى النقد والأرصدة الائتمانية.

حتى الآن لم يكشف مسؤولو (طالبان) عن أي خطط ملموسة لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، وبدلًا عن ذلك ألقوا باللوم على الغرب الذي يتدخل في الشؤون الداخلية لـ”أفغانستان”.

واليوم؛ أصبحت المكاتب الحكومية مغلقة، ولا يدفع “البنك المركزي” سوى مدفوعات جزئية للمعلمين والشرطة وعمال المكاتب، ويفعل البنك الخاص الرئيس الشيء ذاته مع أموال المودعين. وقد فر العديد من الأفغان الأثرياء من البلاد، ويُكافح أصحاب الأعمال التجارية من أجل الصمود. ويؤدي التضخم إلى الارتفاع السريع في أسعار الغذاء، وقد حل “اقتصاد الرصيف”، القائم على المساومة، محل الاقتصاد الرسمي إلى حد كبير.

ويومًا بعد يوم يصطف المئات من الناس في طوابير لا تخلو من إنفلات خارج المكتب الرئيس لـ”بنك كابول” الجديد في انتظار دورهم عند ماكينة الصراف الآلي الوحيدة التي لا تعطيهم سوى جزء بسيط من مستحقاتهم. أما أولئك الذين لا يصلون إلى المدخل، (الذي يضم ماكينة الصراف الآلي)، الخاضع للحراسة بحلول الظلام، فيجب أن يعودوا في صباح اليوم القادم.

يقول “رضا خان”، (30 عامًا)؛ وهو جندي سابق في الجيش الأفغاني؛ كان يرتجف من الضيق: “لا أعرف ماذا أفعل، لدي ثلاثة أطفال، وليس لديَّ ما أطعمهم”. وعلى الرغم من محاولته سحب: 180 دولارًا، (130 جنيهًا إسترلينيًّا)، وهو راتبه الأخير في آب/أغسطس، يقول “خان”؛ إنه صرف: 50 دولارًا فقط. ويقول: “على مدى تسع سنوات، قمت بعمل خطير لبلدي، والآن يبدو أن ما قدَّمته لا يساوي شيئًا”.

وعلى بُعد صفَّين من الأبنية، وتحت أشجار الصنوبر الشاهقة في حديقة “شهر ناو”، تعيش عدة مئات من العائلات النازحة في خيام مؤقتة بسبب القتال الريفي، في انتظار المساعدة، بينما يقومون بتسخين وجباتهم الهزيلة، ويهتمون بعشرات الأطفال، وكثير منهم يسعلون أو يبكون. وتتناثر القمامة في كل مكان حولهم.

وقال رجل نحيل الجسم في العقد الرابع من عمره، يستخدم الاسم الفردي: “غزالدين”: إن منزله في مقاطعة “قندوز” الشمالية؛ دُمِّر بالصواريخ خلال قتال عنيف، في تموز/يوليو الماضي. وفر هو وعائلته مع جيرانهم بالحافلة إلى “كابول”، ثم بحثوا عن ملاذ آمن. وجلبوا مدخراتهم البالغة: 300 دولار، والتي سرعان ما أنفقوها. وبعد شهرين في الحديقة – كما يقول – لم يزل وليس لديه أي خطط، ولا يدري ماذا يفعل.

يقول: “كان علينا ترك كل شيء وراءنا، وليس لدينا ما نعود إليه. لكن فصل الشتاء يقترب، ولا يمكننا البقاء هنا في البرد”. وبالعودة إلى “قندوز”، عمل “غزالدين” في شواء الكباب مقابل: 03 دولارات في اليوم. يقول: “لم أتناول أي كباب؛ منذ ذلك الحين، لكن لم يزل بإمكاني شم رائحته”.

أزمة إنسانية..

ونوَّه التقرير إلى أن مجموعات الإغاثة الدولية حذرت مرارًا بعبارات مروِّعة من أن “أفغانستان” تتجه نحو أزمة إنسانية شاملة على مستوى البلاد. ويقولون إن الملايين من الناس يعتمدون بالفعل على التبرعات لتناول الطعام، أو لم يُعد بإمكانهم إعالة أسرهم. وفي الأسبوع الأخير وحده أفاد “برنامج الأغذية العالمي”؛ أن أكثر من: 90% من الأفغان لا يستهلكون ما يكفي من الطعام.

زار “يان إيغلاند”، الأمين العام لمجموعة إغاثة نرويجية نشطة منذ مدة طويلة في “أفغانستان”، “كابول”، الأسبوع الماضي، ووصف الاقتصاد الأفغاني بأنه: “يخرج عن السيطرة”. ويقول إن النظام المصرفي يمكن أن ينهار: “في أي يوم”، وأن مجموعات المساعدة: “في سباق مع الزمن” لدرء الجوع الجماعي والمرض مع حلول الشتاء القارس.

ويقول “إيغلاند”؛ إنه حتى الموظفين الأفغان في وكالته، “المجلس النرويجي للاجئين”، لا يمكنهم الحصول على رواتبهم كاملة. ومع توقف معظم التجارة وتعليق المساعدات الخارجية وعدم وجود طريقة آمنة لجلب الدولارات إلى البلاد، تراجعت العُملة الوطنية، وارتفعت أسعار الدقيق، والأرز، والسلع الأساسية الأخرى ارتفاعًا كبيرًا. ويقول: “تخيل أن هذا الوضع؛ قد تضاعف مع كل صاحب عمل في جميع أنحاء البلاد”.

الشعب رهينة..

وأضافت “كونستابل”؛ أن كل هؤلاء الأفغان الذين يُكافحون – سواء كانوا لاجئي حرب، أو مدرِّسين لا يحصلون على رواتبهم، أو عمال عاطلين عن العمل – هم بطريقة ما رهائن لمواجهة عالمية بين الحكومات المانحة الأجنبية، والمؤسسات المالية من جهة، وسلطات (طالبان) الجديدة من جهة أخرى.

ومن ناحية ينتظر المجتمع الدولي ليرى هل يعود مسؤولو (طالبان) إلى تطبيق القوانين الدينية القاسية والعقوبات التي مارسوها في نظامهم السابق؛ من عام 1996 إلى عام 2001 أم لا.

وحتى الآن لم تزل الأدلة مختلطة. ولم يُعد المنفذون الدينيون التابعون لـ (طالبان) يجلدون الناس في الأماكن العامة، لكن مقاتلين سابقين يعملون بوصفهم رجال شرطة في الشوارع قاموا بضرب المتظاهرين والصحافيين. وتُمنع النساء من العمل والإلتحاق بالجامعات إلى أن يُفصل بين الجنسين في المكاتب والفصول الدراسية، وقد أثارت إحدى حالات عدالة (طالبان) القديمة في مدينة “هرات” الغربية، وهي تعليق أربع جثث يُزعم أنهم لخاطفين قتلة، مخاوف من اتخاذ إجراءات أكثر قسوة في المستقبل.

ومن ناحية أخرى؛ ألقى مسؤولو (طالبان) مرارًا باللوم على الضغوط الخارجية غير العادلة؛ باعتبارها السبب الرئيس لمحنة الأفغان. ويُصرون على أنهم يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع العالم، لكنهم يتهمون المنتقدين الدوليين بالتدخل غير المقبول في القيم الدينية، والثقافية الأفغانية.

يقول المتحدث باسم (طالبان)، “إنعام الله سمنغاني”: “نحاول حل هذه الأزمة، لكن الولايات المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية؛ جمَّدت الأموال والمساعدات التي تعهدوا بها”، مضيفًا أن: “ممارسة الضغط علينا ليس هو النهج الصحيح. ولا يمكننا القيام بهذا بمفردنا. ونريد التفاوض وإيجاد حل سلمي للمشكلة”.

وعند سؤاله عن الخطط التي تضعها السلطات الجديدة للتعامل مع الأزمة أو الوصول إلى مجموعات أجنبية، لم يقدم “سمنغاني” أي تفاصيل. ويقول إن البلاد بحاجة ماسة إلى استعادة التجارة والاستثمار والنشاط المصرفي، لكنه يرفض أي مقايضة مع الكيانات الأجنبية بناءً على السياسات الأفغانية الداخلية؛ ويُشير إلى أن العالم سيكون هو المسؤول عن جوع الأفغان.

وأضاف: “نحن مستعدون للإنخراط مع المجتمع الدولي، لكن على المجتمع الدولي تجنب وضع شروط مسبقة. إذا حظروا أصولنا، فإن: 90% من الشعب الأفغاني؛ سيقع في براثن الفقر. ألا يتعارض هذا أيضًا مع مباديء حقوق الإنسان ؟!”.

مع تزايد حدة التنبؤات بالمعاناة، تُحاول منظمات الإغاثة تجاوز تلك المواجهة. يقول “إيغلاند” إن أعضاء “الأمم المتحدة” يجب أن: “يتوسطوا في اتفاقية متعددة الأطراف”؛ لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتمويل الخدمات العامة واستعادة التدفقات النقدية. ويقترح قنوات محتملة؛ مثل توجيه المساعدة من خلال الصناديق الاستئمانية لـ”الأمم المتحدة”. ويقول: “يجب أن ندعم الشعب الأفغاني؛ مهما كان الأمر”.

وفي الوقت نفسه، وفي جميع أنحاء العاصمة، يتناقض صخب الأسواق المفتوحة وضجيج حركة المرور مع القلق والتوتر الذي يتجلى على الفور في المحادثات مع الناس من جميع أنحاء الطيف الاقتصادي، من المتاجر المتلألئة في وسط المدينة التي لا يوجد بها عميل واحد، إلى الأحياء المتهالكة، حيث ينتظر العاملون في مجال جر عربات اليد طوال اليوم دون أي بضائع لحملها.

وفي متجر للهواتف المحمولة جيد الإضاءة، يقول المالك، “صديق الله خان”، إنه يخشى أن يضيع استثماره، الذي دام 17 عامًا. ويوضح “خان”: “الأمور أكثر أمانًا الآن. لا توجد مساجد تتعرض للقصف، ويبدو أن (طالبان) الجديدة أكثر مرونة من القديمة، لكن لم يزل الناس خائفين”. ويضيف: “في بعض الأيام، يكون عدد الأشخاص الذين يأتون لبيع هواتفهم المستعملة أكثر ممَّن يرغبون في شراء هواتف جديدة”، في إشارة إلى الحالة البائسة لدى زبائنه.

مشاهد محزنة..

ومع ذلك؛ وحسب ما تُلفت الكاتبة، فإن أكثر المشاهد المحزنة هي أكوام السلع المنزلية المبعثرة المنتشرة في كل مكان والمعروضة للبيع، والتي تروي حكايات صامتة عن الإنحدار المفاجيء والسريع الذي اجتاح جميع الطبقات.

تُرتَّب مجموعات من الأطباق الصينية المزخرفة والكراسي المزركشة، والتي ربما تكون قد زيَّنت يومًا صالات البيروقراطيين أو التجار، على الأرصفة جنبًا إلى جنب مع المراوح الصدئة وأواني الطهي، التي تخلت عنها العائلات الفقيرة مقابل مبالغ زهيدة. وهناك أيضًا أسرَّة، وعربات أطفال، ودمى على شكل حيوانات، والتي تبدو مهجورة.

يقول “محمد أكبر”، (51 عامًا)، الذي يبيع سلعًا مستعملة على طريق يطل على “نهر كابول” الجاف، إنه شاهد مؤخرًا الناس يبكون عند بيع متعلقاتهم العزيزة.

يقول “أكبر”: “رأيت الوضع بهذا السوء ثلاث مرات فقط في حياتي. كانت المرة الأولى: منذ حوالي 30 عامًا، عندما غادر الروس وجاء المجاهدون؛ واندلع القتال. وكانت الثانية: قبل حوالي 20 عامًا، عندما استولت (طالبان) على السلطة وهرب الناس، وهذه هي المرة الثالثة”، حسب ما تختم “كونستابل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة