خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تمضي حياة بعض السياسيين في غمضة عين؛ وتكون الفجوة بين الحب والكراهية، والخدمة والخيانة بالنسبة لهم كالشعرة الدقيقة.
لقد كان “أبوالحسن بني صدر”، أول رئيس للجمهورية الإيرانية، جاء “إيران” على متن الرحلة الفرنسية التي كانت تقل قائد الثورة، عام 1978م، وشغل في العام التالي منصب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة، قبل أن يتم عزله من القيادة العامة، بتاريخ 1981م، ثم رئاسة الجمهورية. بحسب “حميد شجاعي”؛ في صحيفة (آرمان ملي) الإيرانية الإصلاحية.
في أعقاب ذلك، لجأ إلى “فرنسا”، وأحضان تنظيم المنافقين، (يقصد مجاهدي خلق)، في “فرنسا” وشرع في مهاجمة النظام. وبالأمس الأول، كانت نهاية “بني صدر”، عن عمر (88 عامًا)، في مستشفى “سالپتریه”، بالعاصمة “باريس”.
من طائرة الثورة إلى رئاسة الجمهورية..
التف حول آية الله “روح الله الخميني”؛ الكثير من السياسيين وشاركوا في أحداث الثورة؛ بل إن بعضهم حل في الصف الأول لأنصار المرشد، لكن وبمرور الوقت اتضح أنهم يضمرون نوايا مختلفة عما كان يدور في رأس المرشد وأنطلقوا في جميع الجهات.
ومن بين الشخصيات السياسية في بدايات الثورة؛ كان “أبوالحسن بني صدر”، من الوجوه غير الدينية المعدودة التي عادت إلى “طهران” على متن الرحلة المرشد، عام 1978م.
فقد كان، آنذاك؛ مقربًا من “الجبهة الوطنية”؛ بسبب تعلقه بالدكتور “محمد مصدق”، مع هذا لم يتقبله رجال الدين منذ البداية بسبب ميوله.
وأدعى البعض إرتباط “بني صدر”؛ بعلاقات قوية مع المرشد بغض النظر عن علاقاته مع الكثير من رجال الدين والثوار. واتسعت الفجوة بين “بني صدر” والمرشد؛ وانتهت بانفصاله عن الثورة.
ومنذ أن وطأ “طهران”؛ عقد مؤتمرات في جامعة “شريف” الصناعية، وكان بموجب قرار المرشد؛ عضو “مجلس الثورة الإسلامية”، ووقع الاختيار عليه بعد ذلك كمساعد وزير الاقتصاد والمالية، ثم وزيرًا للاقتصاد، بعد استقالة مجموعة من أعضاء حكومة، “مهدي بارزﮔـان”، المؤقتة.
لم يكن يقنع لا بموقعه في “مجلس الثورة” ولا حتى “وزارة الاقتصاد”؛ وكان مهوسًا برئاسة الجمهورية، ولذلك وبمجرد قبول المرشد استقالة الحكومة المؤقتة، ترشح رسميًا للرئاسة. وبعد الحصول على الصلاحية؛ نجح “بني صدر”، في الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية بالحصول على: 11 مليون صوت، بما يعادل: 76% من الأصوات.
ولم تكد تمر أشهر حتى أضحت الخلافات بينه وبين سائر المؤسسات الثورية أكثر وضوحًا؛ نابعة بالأساس من معارضته تسكين رجال الدين في المناصب التنفيذية. بالإضافة إلى تأثير اختلاف “الحزب الجمهوري” مع رئيس الجمهورية.
والأهم؛ ما حدث عند اختيار رئيس الوزراء، لأن “بني صدر”؛ قدم بعض الشخصيات غير الثورية مما أثار استياء الثوريين، وفي هذا الصدد؛ قال المرشد: “إنهم لا ينتمون للثوار؛ ولذلك لا يجب أن يترأسوا الوزرات، وكان على السيد بني صدر، الترفع عن تقديم أمثال هؤلاء للبرلمان، ولو فعل فسوف يرفض البرلمان ولن يعبأ بأمثال هؤلاء”.
وانتهز “بني صدر” الدورة التالية؛ وقدم شخصيات من مثل: “حسن حبیبي” و”غروي” و”موسی کالنتري”؛ بل و”مصطفی میرسلیم”، ورفض البرلمان، ووقع اختيار اللجنة المشتركة بين البرلمان والحكومة على شخص: “محمد علي رجائي”، كرئيس للوزراء، رغم معارضة رئيس الجمهورية. ومن ثم فقد كانت علاقات “بني صدر”، مع منظمة المنافقين؛ و”مسعود رجوي”، وفشل الإداء ببداية الحرب، سببًا في رفع الأهلية عنه.
من العزل إلى السقوط..
اتسم أداء “بني صدر”، في رئاسة السلطة التنفيذية؛ بالفشل، وبالنهاية اضطر البرلمان إلى تطبيق آلية الكفاية السياسية. والأخطاء المتعددة وانتهاك الدستور والوظائف القانونية؛ مثل رفض التوقيع على قرارات البرلمان ومعارضة اختيار بعض الوزراء، والاحتجاج على قرارات اللجنة الثلاثية لحل الخلافات؛ وغيرها كانت من أهم أسباب رفض كفاءة “بني صدر” السياسية، واستصدار قرار عزل أول رئيس للجمهورية.
وفي خطاب إلى المرشد؛ كتب: “أشعر بالأسف الشديد أن يكون التعيين والإقالة على هذا النحو؛ رغم المساعي التي بذلتها في الدورة الأولى للجمهورية الإسلامية، لكنهم للأسف لم يفهموا رغم هذه المساعي. دعوتهم مرارًا إلى التخلي عن هذا المسار، وألا تتعاملوا مع الشعب الإيراني بهذه الطريقة”.
والمؤكد أنها لم تكن نهاية “بني صدر”، فقد كان التنظيم الوحيد الذي استقبله بعد عزله من جميع المناصب السياسية في “إيران”؛ هو: (مجاهدي خلق).
ففي شتاء 1981م؛ نظمت الحركة التظاهرات احتجاجًا على عزل “بني صدر”، مطالبين بإقالة الحكومة الجديدة. وبعد أحداث تفخيخ مقر “حزب الجمهورية الإسلامية”؛ أعلن “بني صدر”، المقاومة المسلحة ضد النظام؛ وبعد أيام على الانتخابات الرئاسية، وفوز “محمد علي رجائي”، هرب “بني صدر” من البلاد بصحبة: “مسعود رجوي”، إلى “فرنسا”.
وبالتالي فقد كانت علاقة “بني صدر” بجامعة المنافقين قوية جدًا وحميمة، لكن تصاعدت وتيرة الخلافات بين الطرفين بسبب بعض المسائل، مثل علاقة “رجوي”، مع “صدام حسين”؛ وقرر “بني صدر”؛ أن ينأى بنفسه عن “مجلس المقاومة الوطنية”، عام 1983م.