13 فبراير، 2025 8:15 م

الاستعمار الناعم .. قصة “الإمبراطورية البريطانية” لغسيل أموال الخليج وأثرياء المنطقة !

الاستعمار الناعم .. قصة “الإمبراطورية البريطانية” لغسيل أموال الخليج وأثرياء المنطقة !

وكالات – كتابات :

نشأ عديد من الهياكل السرية المُستخدَمة لإخفاء الثروة من التدقيق في عهد الإمبراطورية البريطانية وشملت الشرق الأوسط، حسب ما جاء في تقرير أعدَّه، “بول كوكران”، لموقع (ميدل إيست آي) الإخباري البريطاني.

يُشير الكاتب، في مطلع تقريره؛ إلى أن الحكومة البريطانية وضعت نصب عينيها تعزيز صورتها في الداخل والخارج منذ مغادرتها “الاتحاد الأوروبي”، وذلك من خلال سلسلة من ممارسات العلاقات العامة، بما في ذلك الحملة الإعلانية: “بريطانيا عظيمة”، المُصمَّمة: “لتعزيز الإبداع والابتكار البريطاني للمستثمرين الأجانب”.

مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسيل الأموال..

ولفت “كوكران”؛ إلى أن ما لم يُقل في هذا الصدد؛ هو الموهبة العظيمة التي طوَّرتها “المملكة المتحدة”، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، للعمل بوصفها مركزًا لغسيل الأموال وملاذًا ضريبيًا وميسِّرًا للتمويل العالمي. وهي وضعية عزَّزتها “بريطانيا” وتبعياتها منذ تدهور البلاد في أعقاب تراجع الإمبراطورية الفوضوي.

وأوضح التقرير أن أسس الهياكل التي استخدمتها النخب السياسية وفاحشو الثراء، في “وثائق باندورا”؛ للتهرب من الضرائب والتدقيق تشكَّلت في وقت مبكر للغاية، خلال “الإمبراطورية البريطانية” نفسها، وشملت الشرق الأوسط.

وفي عام 1876، قضت المحاكم البريطانية بوجوب فرض ضرائب فقط؛ في الدولة التي تخضع لها الشركة، وهو ما يتيح التمييز بين تسجيل الشركة وأماكن عملها. وكانت هذه بداية اتفاقات الإزدواج الضريبي، حيث تختار الشركة أساسًا المكان الذي تخضع فيه للضريبة، وهو المكان الذي تكون فيه الضريبة دائمًا أقل.

وكانت قضية تتعلق بشركة “الدلتا” للأراضي والاستثمار المصرية، هي الحالة الأولى التي تُستخدم فيها تلك الثغرة، والتي جادل البعض بأنها: “جعلت بريطانيا ملاذًا ضريبيًّا”. وفي عام 1929، قضت إحدى المحاكم بأن الشركة، المسجَّلة في “المملكة المتحدة”، والتي نقلت مجلس إدارتها إلى “مصر”، لن تدفع ضرائب في “المملكة المتحدة”.

كذلك طُوِّرَ شكل السرية المصرفية الخاص بـ”بريطانيا”، خلال حقبة الإمبراطورية، “الصندوق الاستئماني”، حيث لا يُعلن عن المالك المستفيد، (المالك الفعلي للأصل الاستثماري).

وينقل الموقع عن، “راشيل إيتر-فويا”، باحثة أولى في “شبكة العدالة الضريبية”؛ التي تتخذ من “المملكة المتحدة” مقرًّا لها، قولها إن: “الصناديق الاستئمانية إرث الاستعمار البريطاني، وهي موجودة في أشكال عديدة في المستعمرات السابقة، سواء سُنَّت أثناء الحكم الإمبراطوري أو بعد ذلك، عندما كان للمملكة المتحدة تأثير في كيفية تطوير التشريعات والقوانين”.

ونوَّه “كوكران”؛ إلى أن دور “بريطانيا”، بوصفها مساعدة للتهرب الضريبي والسرية المالية؛ إزداد نشاطًا في أعقاب “أزمة السويس”، في عام 1956، عندما كانت “المملكة المتحدة” في تراجع على الساحة العالمية؛ وكانت “الولايات المتحدة” في صعود على المستويين العسكري والاقتصادي.

وأعادت “مؤسسة مدينة لندن”؛ وضع دورها التمويلي الإمبراطوري لتصبح سوقًا ماليًّا عالميًّا، بما في ذلك التدفقات المالية غير المشروعة وأرباح استخراج الموارد ودولارات “النفط”.

شبكة عنكبوتية..

وتضيف “راشيل”: “مدينة لندن؛ لديها مجموعة قوانين مختلفة تمامًا عن المملكة المتحدة، ولديها شبكة عنكبوتية من الملاذات التابعة من: جزر كايمان إلى: غيرسي، التي تغذي المدينة، وهذه إمبراطورية بريطانيا الثانية”. وعندما انتهى الاستعمار الرسمي، ظلت “بريطانيا” لاعبًا رئيسًا في الأسواق المالية في تمكين الأموال القذرة، أو الأموال التي كان من الواجب فرض ضرائب عليها في أماكن أخرى، من التدفق من خلالها.

واتهمت “راشيل”، “بريطانيا”، بالنفاق، موضحة أن “بريطانيا”: “في حين تَعِظُ الآخرين بشأن الحكم الرشيد؛ وتقدم المعونة الإنمائية إلى الشرق الأوسط، تُمكِّن في الوقت نفسه تلك البلدان وغيرها من نقل الأموال إلى الخارج، لا سيما النخب السياسية، وهو ما تفضحه وثائق باندورا”.

ووصف الكاتب، المستعمرات والتبعيات السابقة لـ”بريطانيا”؛ بأنها: “محورية”، في كيفية عمل تلك الشبكة. وتقع “بريطانيا” في مركز تلك الشبكة، مع مواقع متقدمة متناثرة في جميع أنحاء العالم في الأماكن التي كانت في السابق جزءًا من “الإمبراطورية البريطانية”.

ووفقًا لـ”شبكة العدالة الضريبية”، تُمثل “المملكة المتحدة”: 16% من السوق العالمية للخدمات المالية الخارجية. وإذا أضيفت نقاط مؤشر الملاذ الضريبي للشركات، عام 2021؛ الخاص بـ”شبكة العدالة الضريبية” للمناطق البريطانية، التي قُيِّمت على أنها إسهام يقدمونه في إجمالي السرية المالية العالمية، فإنها تُشكِّل: 22% من الإجمالي العالمي.

وعلاوةً على ذلك، وفقًا لتقرير “حالة العدالة الضريبية لعام 2020″، فإن الشبكة العنكبوتية في “المملكة المتحدة” مسؤولة عن أكثر من: 49% من قيمة الضرائب؛ البالغة: 182 مليار دولار، التي يخسرها العالم بسبب التهرب الضريبي الخارجي الخاص كل عام، مما يكلف العالم أكثر من: 90 مليار دولار من الضرائب المفقودة.

وأضاف التقرير أن سبعة من أبرز: 15 ولاية قضائية، بينهم “لندن”، في “مؤشر الملاذ الضريبي للشركات الأجنبية” أو تبعيات للتاج البريطاني، حيث الملكة هي رأس الدولة، وخمس مستعمرات سابقة، لافتًا إلى أن “هونغ كونغ” و”سنغافورة” و”الإمارات” و”إيرلندا” و”قبرص”؛ تتمتع بولايات قضائية مستقلة، لكن النظام المالي واللوائح التنظيمية فيها لا تزال مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بـ”لندن”. وفي مؤشر السرية المالية لـ”شبكة العدالة الضريبية”، ترتبط خمسة من أكبر: 10 مراكز أيضًا بـ”بريطانيا”، وهم: “جزر كايمان وهونغ كونغ وسنغافورة وجزر فيرغن البريطانية والإمارات”.

يقول “لاكشمي كومار”، مدير السياسات في “شركة النزاهة المالية العالمية”، إن: “هذه المراكز المالية تُشكل جميعها نسخة طبق الأصل من القانون العام البريطاني”، مضيفًا أن نموذج “دبي” مأخوذ من نموذج “المملكة المتحدة”.

وتطرَّق “كومار” إلى الدور الذي يلعبه القرب الجغرافي، فضلًا عن الروابط التاريخية، قائلًا: “تجذب الولايات المتحدة كثيرًا من أموال أميركا اللاتينية، والتي من الملاحظ أنها لا تذهب إلى لندن”، مشيرًا إلى: “وجود تلك التأثيرات الجغرافية والتاريخية على أنماط غسل الأموال التي نراها، وكيف يتحرك التمويل عبر العالم”.

وظهرت المراكز المرتبطة بـ”المملكة المتحدة” مرارًا على أنها ملاذات لغسيل الأموال والتهرب الضريبي وإخفاء المكاسب غير المشروعة للحكام الفاسدين، كما هو مذكور في “وثائق بنما” و”وثائق باندورا”، والتي تضم عددًا كبيرًا من السياسيين العرب والأثرياء الذين استخدموا الملاذات الضريبية.

جزر “فيرغن” البريطانية..

وأشار تقرير “كوكران”؛ إلى أن “جزر فيرغن” البريطانية؛ لعبت دورًا بارزًا على نحو خاص. ويقول “كومار”؛ إن: “جزر فيرغن البريطانية وغيرسي وجميع هذه المناطق الأجنبية؛ ترتبط مرةً أخرى بطريقة ما بلندن”، موضحًا أن: “جزر فيرغن البريطانية ظهرت في قضايا كثيرة في وثائق باندورا. وبغض النظر عن مكان وجودك في العالم، فإن جزر فيرغن البريطانية هي وجهة الشخص الوسيط”.

وجميع قادة الشرق الأوسط المشار إليهم، في “وثائق باندورا”؛ لديهم شركات في “جزر فيرغن” البريطانية: أمير قطر ورؤساء وزراء لبنانيون وملك الأردن، “عبدالله”. يقول “كومار”: “هذا أمر كاشف وينطق بكثير عن سمعتها؛ وإلى أي مدى انتشرت”. استُخدِمت شركات “جزر فيرغن” البريطانية لشراء عقارات في “المملكة المتحدة” وأماكن أخرى، مع عدم معرفة الملكية الحقيقية إلى أن تسرَّب أكثر من: 11.9 مليون ملف سري إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.

صلة الشرق الأوسط..

وأضاف الكاتب أن “لندن” ركزت، مع إنهيار الإمبراطورية على الممالك الخليجية الغنية بـ”النفط”، كونها منطقة يمكن أن تواصل فيها “بريطانيا” ممارسة نفوذها وحشد الأعمال التجارية.

وفي حين تأسست “المملكة العربية السعودية”، في عام 1932، حصلت “الإمارات” المتصالحة، دولة “الإمارات” و”قطر” و”البحرين”، على استقلالها بعد ذلك بوقت طويل، في عام 1971، وهو العام نفسه الذي تولَّت فيه “الكويت”، التي استقلت عام 1961، زمام شؤونها الخارجية التي كانت تشرف عليها “لندن”؛ حتى ذلك الحين.

وقال “أندرو فاينشتاين”، المدير التنفيذي لشركة الظل للتحقيقات العالمية، إن: “البنوك البريطانية كانت هناك في وقت مبكر للغاية، وتحتفظ بدرجة من الإخفاء بسبب مؤسسة مدينة لندن”. وأشار التقرير إلى أن “لندن” كفلت أمن دول الخليج، باعتباره جزءًا من انتقالهم إلى الاستقلال، وذلك في مقابل صادرات “النفط” وتدفق دولارات “النفط” إلى المدينة، فضلًا عن صفقات الأسلحة الكبيرة، التي غالبًا ما كانت مشبوهة، مثل “صفقة اليمامة”.

وشُجِّع المستثمرون والنخب العرب على الاستثمار في العقارات، في “لندن”، مع الاستفادة من النظام المالي والصناديق الاستئمانية في العاصمة البريطانية. يقول “فينشتاين”: “الغالبية العظمى من قادة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ لديهم أصول في المملكة المتحدة، وكانت سلطات المملكة المتحدة فعَّالة وكفؤة للغاية في تجاهل تلك الأصول”.

وبعد “الربيع العربي”، في عام 2011، اكتُشِف أن الرئيس المصري المخلوع، “حسني مبارك”، كان يمتلك عقارات فاخرة في “لندن”، وأن “السعدي”، نجل الزعيم الليبي، “معمر القذافي”، يمتلك منزلًا بقيمة: 10 ملايين جنيه إسترليني في منطقة “هامبستيد”.

صلة دبي..

في حين احتفظت “بريطانيا” بجاذبيتها بوصفها ملاذًا آمنًا للثروة المخفية وشراء العقارات دون الكشف عن هوية أصحابها، أوجدت “دبي” لنفسها موقعًا استفادت فيه استفادة مباشرة وغير مباشرة من علاقاتها التاريخية مع “لندن”.

يقول “فينشتاين”: “دبي ولندن؛ في تنافس وتعاون، وفي بعض النواحي يُغذي كل منهما الآخر. أنظر إلى المؤسسات المالية، تجد أنها تتمتع بحضور كبير في كلا المكانين، وتقوم بأنشطة غير مناسبة في أفضل مكان لهذا النشاط”، مضيفًا أن: “الفارق الأساس مع دبي هو أنها جديدة إلى حد ما في اللعبة”.

وبينما تنسخ “دبي” نموذج “لندن”، يحذو آخرون حذوها بمساعدة بريطانية. وتحاول “كازاخستان”، وهي دولة أخرى غنية بـ”النفط”، تحويل العاصمة، “أستانا”، إلى مركز مالي. يقول “كومار”: “إنها تستجلب المحامين البريطانيين والقضاة السابقين لإنشاء هذا المركز، وجعل أستانا دبي؛ تلك المنطقة. ومثل الإمارات، أستانا ليست مركزًا للأعمال فحسب، ولكنها أيضًا مركزًا لهجرة رأس المال والتمويل المشكوك فيهما”، حسبما يختم التقرير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة