حب السلطة والحكم داء خبيث يجعل كم من يصاب به يتجرد من الإنسانية والأخلاق والقيم والمبادئ وقبل ذلك كله من الدين, فيخلع كل تلك الأمور ليرتدي ثوب الوحشية والإعراض عن الدين, بحيث يصل الحال لكل من يطمح أو يسعى بالوصول إلى السلطة والحكم أن يتخلى عن كل شيء من أجل المنصب, حتى وإن كان في ذلك الأمر سفك للدماء وإن كانت دماء غالية !! دماء تمثل الخط الرسالي الإلهي فهي تسفك وتراق من أجل السلطة والحكم, كما حصل مع الإمام الحسين ” عليه السلام ” حيث قتل وسفك دمه من قبل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من أجل السلطة والحكم من وجهة نظر يزيد وليس من وجهة نظر الحسين, فالإمام الحسين “عليه السلام” خرج من أجل الإصلاح وليس لطلب السلطة فتوهم يزيد بن معاوية بأن الحسين يطلب السلطة فقتله وسفك دمه وسبا عياله, والأدهى من ذلك كله إنه كفر بالله وبالرسالة وهذا ما عبر عنه بترديده أبيات الشعر التي تقول :
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
فهو ينظر للقضية على إنها قضية ملك وسلطة وليست رسالة إلهية حتى وصل به الأمر أن يُنكر ذلك وهذا واضح من خلال ما ردده من أبيات, طبعا هذا الأمر لم يتفرد به يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بل سبقه أبيه وجده بذلك, وكانوا قد شكلوا كتلة سعت وبكل طريقة إجرامية أن تصل إلى الحكم أو على أقل تقدير إيصال من يخدمهم, حيث علمت هذه الكتلة وهذا الخط وهذا النهج على إفتعال الأزمات والفتن منذ عصر صدر الإسلام وزمن الخلفاء الراشدين بل وفي اللحظات الأولى لوفاة النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” وتحديداً في الساعات الأولى من عقد سقيفة بني ساعدة….
حيث جاء في صحيح البخاري: المحاربين: قال البخاري: ..عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : {{كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِى مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِى فُلاَنٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَناً، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً، فَتَمَّتْ. فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّى إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِى النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِى عَقِبِ ذِى الْحَجَّةِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِساً إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَىَّ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لاَ أَدْرِى لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِى، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِى بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرِ: يَا أَبَا بَكْرِ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمْ اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ ـ فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ.
وفي هذه الرواية نلاحظ وكما يقول المرجع الديني السيد الصرخي الحسني في المحاضرة العشرون من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) …
{{… لاحظ: يوجد تهديد وخطر على الأمّة والدولة الإسلاميّة، فلو كان من سواد الناس وقال: وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فاين الضير هنا؟ لكن هو يعلم بخطورة من يقول هذا ومن يتصدّى لهذا الشيء ومقدار القوّة التي يملكها، فهو يعلم بخطورة الأمر ولذلك لم يكن كلامه وموقفه هذا عبارة عن كلام عابر ….(…)…. التفت جيدًا: هذه قضيّة جدًّا مهمّة وهي أصل وأساس في قراءة التاريخ القراءة الصحيحة، عمر الخليفة الثاني وأبو بكر الخليفة الأول وباقي الصحابة من المهاجرين معهم، وعمر صنف الناس إلى ثلاثة أصناف ومجاميع، مجموعة تمثل علي والزبير ومن معهما وهؤلاء انشغلوا بتجهيز النبي ودفنه صلى الله عليه وآله، ومجموعة أخرى اجتمعت في سقيفة بني ساعدة وهم الأنصار وباسرهم كما يقول الخليفة الثاني، والمجموعة الثالثة تمثل الخليفة الأول والثاني ومن معهم وذهبوا إلى السقيفة، وفي السقيفة صعد خطيب الأنصار وتحدّث مع المهاجرين وقال: “وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ” إذن أيّ دافة هذه؟ فعلي والزبير انشغلوا بدفن النبي صلى الله عليه وآله، أمّا أبو بكر وعمر ومن معهما هم موجودون في هذا المجلس والمحاججة والسقيفة، إذن يوجد خط رابع حزب رابع هو الذي هدد الأنصار وأراد أن يختزل الأمر ويأخذ كلّ شيء، التفت جيدًا: إذن وجد مؤامرة من كتلة رابعة، من مافيا وعصابة وجهة اغتيالات رابعة هي التي تريد أن تتسلط على الحكم، وهذه الكتلة هي التي دفعت الأنصار للاجتماع وبعد ذلك اجتمع المهاجرون …}}.
فداء حب السلطة والحكم والذي أصاب بني أمية وقد أمتد إلى يومنا هذا حيث الدواعش التيمية الذين أحبوا السلطة والحكم وأخذوا من الدين غطاءً وستراً لهم كما هو أجدادهم الأمويين الذين كانوا قد شكلوا كتلة سعت وبكل طريقة إجرامية إلى أن تصل للحكم كذلك هو حال أحفادهم الدواعش الآن.