23 ديسمبر، 2024 11:29 م

“عربجة خيانات”!!

“عربجة خيانات”!!

قبل بضعة أعوام (2005) كنت أتجول في مدينة تركية , وأخذت أبحث عن مصنوعات جلدية تركية , فأرشدوني إلى أحد الأسواق الذي مضيت أتبضع منه , ودلفت إلى أحد المحلات , وكان صاحبه رجل متقدم في العمر , إستقبلني بملامح قاسية , ومضى يتابعني بنظراته , وأنا أتفحص بضاعته, ووجدته يتفرس دفتر ملاحظاتي الذي كان في يدي , وقد دونت فيه بالعربية بعض الأفكار والملاحظات.
وعندما سألته عن البضاعة التي أرغب بشرائها , حدجني غاضبا, وقال: عربجة خيانات!
ففزعت من كلامه , وتأملته وكدت أن أغادر المحل , لكن حب الفضول إستدعاني للتفاعل معه , فقلت: وكيف عرفت بأني عربي؟
فأشار إلى دفتر ملاحظاتي , والكتابة العربية المسطورة فيه.
قلت: ولماذا خيانات؟
قال: لقد خنتم الدولة الإسلامية وتحالفتم مع الدول الغربية ضدها , وبهذا خنتم الدين الإسلامي!
قلت: وكيف ذلك؟
قال: ألم يخدعونكم , ويضحكون على عقولكم , ويجعلونكم تثورون ضدنا , وبعد أن فعلتم ما فعلتم , مزقوكم إربا إربا , كما يفترس الذئب الشاة!
قلت: وماذا تقصد بذلك؟
قال: ثرتم في عام 1916 , بقيادة علي بن الحسين , وبعد أن هُزمت الدولة الإسلامية , ماذا فعلوا به وبأولاده؟
لقد جعلوهم شذرا مذرا , وحولوكم إلى دول تنكر بعضها , وتتقاتل , ولا تعرف دينها!
قلت: وكيف تقول ذلك؟
قال: أنظر ما يجري في العراق , وما سيحصل في دولكم التي سيفترسونها الواحدة بعد الأخرى!
وأضاف: أنتم خيانات!
قلت: لكننا فعلنا ذلك لأن سياسة الدولة العثمانية كانت خاطئة وغير صالحة!
قال: قولوا ما تقولون , أنتم خيانات , بسبب ذلك ستصلون إلى أبشع درجات الذل والهوان!
وتشعب الحديث بيننا , واحتدم بعض الشيئ , وكان في نبرة صوته غضب وألم , فقلت له بإمتعاض : وهل ستبيع عربجة خيانات , ما يريد؟
قال: لا , لن أبيعك!
لا أبيع …خيانات…خيانات!!
شكرته متألما على حسن ضيافته , وحواره , فحسب ذلك تسفيها لما تحدث به , فزاد غضبه , وعاد لمكانه يدمدم , عربجة خيانات , عربجة خيانات!!
تأملت ما دار بيني وبين هذا الرجل المسلم البسيط , الغيور على دينه , وقرأت مرارة مشاعره , وإنفعالاته , وهو يتهم العرب بأنهم يسلكون درب الخيانة , وبسبب ذلك أصابهم الهوان , وتضرر الدين بهم كثيرا.
وتساءلت: هل أن العرب “خيانات”؟
إن الواقع العربي على مدى القرن العشرين , وحتى اليوم , قد يشير بما لا يقبل الشك , أن للخيانة دور مؤثر في صناعة الحالة المتردية في بعض المجتمعات العربية.
فالأحزاب , والأنظمة , والقوى , معظمها ذات إرتباطات بقوى خارجية طامعة في البلاد من أقصاها لأقصاها , ومن مشرقها إلى مغربها.
وكأن بعض الدول العربية لم تعرف السيادة والإستقلال , منذ الحرب العالمية الأولى , وكأن أنظمة حكمها عبارة عن تنفيذ أجندات , ووكالات لشركات أجنبية تتحكم بالبلاد والعباد.
وبرغم معارضة هذا التحليل , لكن الواقع يتكلم به وبأبجديات واضحة , وبالقلم العريض!
ترى هل أننا أكثر مجتمعات الأرض خيانة , أم أن ذلك إتهام باطل وحسب؟!!