“فزاعة” بلا دوافع .. “فورين بوليسي” تتساءل: إلى متى تظل أفغانستان ملاذًا للإرهابيين في نظر الأميركان ؟

“فزاعة” بلا دوافع .. “فورين بوليسي” تتساءل: إلى متى تظل أفغانستان ملاذًا للإرهابيين في نظر الأميركان ؟

وكالات – كتابات :

قال “بول بيلر”، في تحليل نشرته مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ إنه مع انسحاب القوات الأميركية من “أفغانستان”، انصب الكثير من الاهتمام لرصد أي نشاط إرهابي داخل “أفغانستان” والرد المحتمل عليه. صرح “وليام بيرنز”، مدير وكالة المخابرات المركزية، (سي. آي. إيه)، في شهادته أمام “الكونغرس”، في نيسان/إبريل الماضي، أن الانسحاب العسكري من شأنه أن يُقلل من: “القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية بشأن التهديدات والتصرف على أساسها”، في “أفغانستان”.

وأوضح “بيلر”؛ أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، “كريستوفر راي”؛ أعرب عن قلقه من أن الجماعات “الإرهابية” الأجنبية: “ستتاح لها فرصة لإعادة ترتيب الصفوف والتخطيط في فضاء يصعب علينا جمع المعلومات عنه ومواجهته؛ مثلما كان عليه الحال في السابق”.

لا شيء جاذب للإرهابيين في أفغانستان !

وبحسب التحليل سيركز رؤساء الوكالات الأميركية المسؤولة عن جمع المعلومات عن الجماعات “الإرهابية”؛ على تحديات جمع المعلومات. لكن الخوف، على حد تعبير “راي”، من: “ملاذ آمن للإرهابيين قيد الإنشاء”، في “أفغانستان”، هو نتاج لتاريخ الأميركيين المؤلم مع هجمات 11 أيلول/سبتمبر. لا يوجد شيء مميز في “أفغانستان” يجعلها ملاذًا جغرافيًا مفيدًا للجماعات “الإرهابية”. إذا كانت هذه الجماعات تبحث عن مكان غير مستقر مع بعض المتعاطفين المحليين، حيث يمكن للخارجين عن القانون التجول بحرية ويمكن للجماعات إنشاء معقل، فهناك العديد من المواقع الأخرى في العالم للاختيار من بينها.

الأهم من ذلك – يضيف “بيلر” – أن إنشاء معقل ثابت هو أحد العوامل الأقل أهمية التي تحدد قدرة المجموعة على شن هجمات إرهابية دولية، خاصة تلك التي تستهدف الغرب. قد يكون إنشاء معقل مفيدًا لمجموعة منخرطة في تمرد أو حرب أهلية، كما كانت (القاعدة) في “أفغانستان”، قبل 11 أيلول/سبتمبر. وفرت “أفغانستان” مساحة لتدريب المجندين، وشارك معظمهم في عمليات عسكرية داخل “أفغانستان” لدعم حركة (طالبان)، خلال الحرب هناك، في أواخر التسعينيات.

لكن الأرض أقل صلة بالتخطيط والتحضير لهجوم إرهابي دولي. مثال على ذلك عملية 11 أيلول/سبتمبر نفسها. لعلها انطلقت من “أفغانستان”، ولكن كانت الاستعدادات للهجوم متفرقة جغرافيًّا، بحسب التحليل. وتمويل أنشطة الخاطفين، على سبيل المثال، كان يتركز في: “الإمارات العربية المتحدة” و”ألمانيا”. استخدم العقل المدبر للمخطط، “خالد شيخ محمد”، الاتصالات الإلكترونية بعيدة المدى لتنسيق تلك الأنشطة. وأُنجزت أهم الاستعدادات للهجوم في شقق بـ”أوروبا” ومدارس الطيران في “الولايات المتحدة” والفضاء الإلكتروني.

احتلال الدول أكبر مُحفز للإرهاب..

الحقيقة هي أن العديد من العوامل تؤثر في احتمالية وقوع الأميركيين ضحية للإرهاب الدولي. وهي تشمل مجموعة من الظروف الاقتصادية والسياسية في الأماكن التي يعيش فيها الإرهابيون المحتملون. وجد البحث الذي أجراه الباحث، “روبرت بابي”، على سبيل المثال، أن الدافع الوحيد الأكثر شيوعًا للهجمات الانتحارية هو: الاحتلال العسكري الأجنبي.

يُعد هذا الاكتشاف وثيق الصلة بـ”الولايات المتحدة” و”أفغانستان”. فمثلما حدث مع السوفيات من قبلهم – يُشير “بيلر” – ينظر الأفغان والمتعاطفون معهم إلى القوات الأميركية في “أفغانستان”؛ باعتبارهم محتلين وليسوا محررين. يقول الكاتب إن الأميركيين كانوا ضحية للإرهاب الدولي بوصفهم محتلين في تفجير انتحاري نفذه تنظيم (داعش)، في آب/أغسطس الماضي؛ أسفر عن مقتل: 13 من أفراد الخدمة الأميركية خارج “مطار كابول”.

ليس الاحتلال العسكري فحسب، بل أيضًا الأذى الذي يُلحق بالمدنيين من العمليات العسكرية هو دافع آخر للإرهاب. إن مقتل: 10 مدنيين أفغان أبرياء، بينهم سبعة أطفال، في أواخر آب/أغسطس، بصاروخ أطلقته طائرة أميركية بدون طيار؛ هو مثال على نوع الضرر الذي يقع في كثير من الأحيان، خلال ما يُسمى بالحرب على الإرهاب، بسبب إما خطأ في تحديد الهوية، أو الأضرار الجانبية التي لا يمكن تجنبها في العمليات التي تستهدف أهدافًا مشروعة. قد تكون العمليات العسكرية، بما في ذلك التي جرت في “أفغانستان”، قد ولدت على الأقل العديد من المناهضين لـ”الولايات المتحدة”، من خلال الغضب والرغبة في الانتقام التي تحرض عليها مثل هذه العمليات.

العلاقة بين “طالبان” و”القاعدة” لم تُعد كما كانت..

حتى لو كان الملاذ الآمن مهمًّا – يضيف “بيلر” -؛ فإن الفكرة القائلة بأن “أفغانستان” ملاذ آمن للإرهاب تعتمد في الغالب على الشراكة السابقة بين (طالبان) و(القاعدة). لم يُذكر في كثير من الأحيان كيف كانت تلك الشراكة تحالفًا في زمن الحرب، في وقت كانت فيه (طالبان) تكافح من أجل هزيمة “تحالف الشمال”، المعارض، وقهر الجزء الذي لم تُسيطر عليه في “أفغانستان”.

إذا استؤنفت الحرب الأهلية في الأشهر المقبلة، فقد تستعين (طالبان)، بـ (القاعدة)، الأضعف بكثير اليوم. ولكن لما كانت (طالبان) تؤمن موقعها بوصفها حاكمًا جديدًا لـ”أفغانستان”، فإن التحالف القديم يفقد أهميته.

إن تاريخ هذا التحالف، إلى جانب العلاقات الشخصية والعائلية المختلفة، سوف يدعم الروابط بين عناصر (طالبان) وما تبقى من (القاعدة). يبقى السؤال ما إذا كانت (طالبان) ستقطع كل هذه العلاقات. ما يهم بدلاً من ذلك هو الاتجاه الذي ستُمارس فيه (طالبان) نفوذًا – بما في ذلك على (القاعدة) – ذا صلة بالإرهاب الدولي المحتمل.

بغض النظر عن رأي المرء في (طالبان)، يمكن الاعتماد عليهم لمتابعة مصلحتهم المهيمنة في الحفاظ على السلطة السياسية في “أفغانستان”. إنهم منعزلون للغاية ولا يهتمون بالإرهاب الدولي. ومن بين أقوى ذكرياتهم كيف أسفرت عملية (القاعدة)، في 11 أيلول/سبتمبر، عن أكبر كارثة عانت منها (طالبان) على الإطلاق، حيث جرى طردهم من السلطة وقضوا عقدين من الزمن في سعيهم لحكم “أفغانستان” بالكامل. لديهم كل مصلحة في عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى، فضلًا عن الاستمرار في كونهم العدو اللدود للفرع الأفغاني لـ (داعش).

بسبب صدمة 11 أيلول/سبتمبر، فإن الخوف من الإرهاب القادم من “أفغانستان” سيبقى إلى الأبد في أذهان الأميركيين. ربما يكون الخوف من التداعيات السياسية لحادث إرهابي مستقبلي مرتبط بطريقة أو بأخرى بـ”أفغانستان”؛ جزءًا مما دفع ثلاثة رؤساء أميركيين إلى إبقاء القوات هناك؛ قبل أن يوقف، “جو بايدن”، أخيرًا العملية، حسبما يرى الكاتب. لا توجد ضمانات حول كيفية تأثير السياسات تجاه “أفغانستان” في خطر الإرهاب ضد الأميركيين. ولكن بالنظر إلى جميع العوامل ذات الصلة؛ وليس مجرد عامل أو إثنين، فإن هذا الخطر أقل مع خروج الجيش الأميركي من “أفغانستان” مما سيكون عليه إذا بقيت القوات الأميركية هناك.

ترجمة: عبدالرحمن النجار

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة