استمعت الى مؤمن تقي يهاجم سيجموند فرويد لانه ملحد، ثم استمعت الى من يشايع ملحد هذا العالم الشهير وهو لا يدري بانتمائه اليهودي المستقر والمعلن وعلى نحو متعصب ومعاد للديانتين الاسلامية والمسيحية معاً. ففي هذين الموقفين تكمن حاجة ملحة الى التعرف على حقيقة فرويد من غير رتوش ولا مداخلة تفضي الى احداث تحيز ما، انما هي محاولة لاحقاق حقيقة لنا فيها اكثر من مصلحة في الجانب العلمي والمعرفي والاخلاقي على قدر، ومنها يتم القياس على قضايا اخرى.
عندما ندخل في مفهوم الايمان الديني ونرى انه الايمان بقوة اسمى من الانسان، تتحكم بالقدرة، وقد تتأثر احيانا بالسلوك البشري، مثلما يحدث في الصلاة، وتحدد معنى الخير والشر، وتعدد نتائج اتباع او تنكب القواعد او القواعد مع الشرائع التي تضعها، فاننا نلاحظ ان فرويد كان يهاجم الدين ويعلن ألحاده عندما تكون المسألة مناقشة ديانات الآخرين، ولكنه كان يعلي من قدر اليهودية ويعدها الديانة الام وان غيرها روافد لها، بل روافد رديئة، ورغم ألحادة هذا كان يزل في بعض الاحيان، بما يسميه هو نفسه زلة لسان معلنا بأنه سينقل المعبد السايكولوجي من فينا الى لندن امام الاضطهاد النازي، تماما مثلما فعل اليهود قبلا، عندما نقلوا معبدهم من القدس بعد تحطيمه على يد جند الرومان، بل انه يرى نفسه كما موسى عليه السلام، وان (يونج ) تلميذه هو (يوشع ) الذي على يده ستقوم صخرة الدولة السايكولوجية، ثم انه يرى نفسه في الحلم يوسف، للتشابه بينه في كتاب تفسير الاحلام وبين نبي الله يوسف مفسر الاحلام ومؤولها كما تعلم بعلم الله ومنته، وان دل هذا على شيء فانما يدل على امتلاء فرويد بالدين او ان الدين رغبة مكبوتة منزوية في لا شعوره هو ولا يحول بينها وبين الظهور الصريح والتحقق الواضح الا رغبته في ان يكون علميا، وان تحظى كشوفه العملية بتقبل العالم المسيحي الذي قد يرفضها.
ان فرويد صرح بيهوديته ولكن كتابه (موسى والتوحيد) الذي اختتم به حياته، اعلاء لليهودية ودعوة اليها وهجوم حاقد على الاسلام والمسيحية معا، وهو امر تجنبه طوال حياته ولم يجرؤ عليه الا بعد ان ذاع اسمه ولم يعد احد يستطيع انكار كشوفه او التغاضي عنها.
هنا تبدأ القضية الجدلية تأخذ بعداً اخر في مجتمعنا العربي حصراً فنحن بين مثقف مؤمن ينظر الى فرويد بمنظور الالحاد فيسقطه، وبين مثقف ملحد ينظر اليه بمنظور العلم فيعظم، ولقد يستنبط القارئ ان المطلوب هو مثقف مؤمن ينظر الى فرويد بمنظور العلم، وهذا استنباط صحيح الا انه غير متكامل بالنسبة الى قضية البحث، فهل المعتقد الايديولوجي او اللاهوتي يحمل من التأثير في موقع الانجاز العلمي ما يحمله الانجاز العلمي من تأثير في الموقف بازاء المعتقد الفكري او الديني؟
قبل ان يجيب اي منا على هذا السؤال الذي نقلنا من الخاص الى العام ومن الجزء الى الكل علينا ان نتذكر ونستذكر معا موقفنا مثلا من ماركس وداروين واينيشتاين و نيوتن، وفي تاريخنا العلمي نذكر في هذا السياق اخوان الصفا، فهل حددنا موقفنا الفكري من هؤلاء تبعا لانجازاتهم العلمية ام لمواقفهم المعتقدية والفكرية؟
اننا نستعمل عشرات ومئات الاصناف من الادوية والاغذية وعشرات ومئات الصنوف من السلع المصنعة ولا ندري بموقف من صنعها او انتجتها في جانبها الفكري المعتقدي، الديني او الوضعي، لاننا نتعامل مع المنجز مباشرة، فهل هذا السلوك في التعامل في عداد الصحيح من المواقف؟
ربما نعم، وربما لا، فالجانب الموضوعي يرجح النسبية في الموقف لا الاطلاق، اي فرويد ظهر مزدوج الشخصية امام ظاهرة الدين حيث يمكن وصمه بالالحاد او التدين اليهودي المتعصب.
[email protected]