هذه القصة مقاربة احداثها لاحد الحالات التي عاشت في في مدينة الموصل اثناء الحرب..
أما سيارتكم فسوف تبقى في داري كونها اكثر أمانا من هنا وسوف يكون الاتصال بيننا من خلال هذه الفتحة وأشار إلى باب صغير موجود في خلفية الدار من الداخل يستطيعون اهل البيت التنقل منه إلى الجهة الأخرى كان يستخدمونه عائلة الحاج عبدالله مع منزل ابنهم وخاصةً في الليل فبدل من الذهاب عشرات الأمتار من السياج الخارجي يصبح التنقل سهلا بينهم وخاصة النساء والأطفال .
ودع الحاج عبدالله ضيوفه بعد أن استقروا في منزل ابنه احمد زوج الست رمزية ام عبدالله وأبلغهم اذا احتاجوا لأي شيء فبإمكانهم الطرق على هذا الباب الموجودة بينهم وسوف يكون عندهم .وأبلغهم بعدم فتح الباب الخارجي لأي شخص كان لان الأوضاع سيئة جداً .
في هذه الظروف المحيطة بالمدينة وما تواجه سكانها من تحديات حياة أو موت .ساعات وربما أيام سوف تدق طبول الحرب في الجانب الأيمن للمدينة ..كل هذه الظروف جعلت من الأستاذ توفيق نسيان عائلة أهله الكبيرة نتيجة حرصه وخوفه والظرف الصعب الذي مرت به عائلته الخاصة .ولايعرف مصيرهم المجهول ولكن الذكريات الجميلة عادت به إلى تلك الأيام التي نشأ فيها في تلك الأسرة الكبيرة ..
تذكر أخواته ذكرى وليلى وسعدية وإخوانه صادق وسعد وشكري وطفولتهم تذكر ابتسامة ذلك الاب الصالح وهو يعمل بائعاً للسوس في محلات الموصل القديمة .يحمل معه شراب السوس المنتج من جذور الاعشاب الطبيعية ممزوجاً بالثلج ليصبح عصيراً رائعاً يتذوقه ويعرف طعمه كل أهالي الموصل .يجوب شوارع المدينة يومياً بائعاً لهذا العصير ..ليعود مساءاً إلى داره وهو يحمل معه ما كسبه من رزق الى عائلته لسد قوتهم اليومي .وكانت تساعده في أغلب عمله وشراء الحاجيات من السوق والدة الأستاذ توفيق تلك الأم المثالية في كل شيء .لقد كانت أم توفيق من عائلة مباركة يقصدها الناس لقراءة الآيات القرآنية الكريمة على مرضاهم ليشفيهم الله بعد ذلك من أمراض معينة وكانت تفعل كل ذلك ابتغاء مرضاة الله وبدون اي أجور .وكانت تطعم الضيف والجار من اي طعام تصنعه في بيتها فقد كانت ربة أسرة ناجحة ومطبخها عامر بأغلب الاكلات الشعبية في مدينة الموصل وحسب المستطاع….
تذكر الأستاذ توفيق المخللات الموصلية التي كانت تعملها والدته من طرشي وزيتون محشي ومن الباسطرمة الشتوية وهي تحمل رائحة الثوم والبهارات والتي كانت موجودة في مطابخ أغلب العوائل الموصلية ….
بدأ تفكير الاستاذ توفيق وزوجته عن كيفية الهروب والوصول إلى القطعات العسكرية وبدأت ملامته لزوجته عن التأخير وكيف استطاعت صديقتها الست رمزية وعائلتها الهروب مبكراً وكان المفروض أن تتصل بها باستمرار وتعرف كل ما هو جديد عن الطريق وكيفية العبور.
كانت وسائل الاتصالات في هذه المرحلة الزمنية ممنوعة منعاً نهائيا ومن يحمل جهاز الموبايل تصل عقوبته الى القتل فلقد كان يعتبرونه متعاوناً مع الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة العراقية .
نظر ابوطارق السيد توفيق من خلف الباب الى الفضاء الخارجي الموجود أمام منزله فلم يرى سوى منطقة حل عليها الظلام ولايوجد فيها اي شخص سواء عابر سبيل أو
من القطعات العسكرية اومن قطعات العدو فعاد إلى زوجته وهي تحاول ايجاد فراش من أثاث البيت الذي تسكنه وهو منزل صديقتها الست رمزية لكي ينام اولادها التوأم طارق وتيسير بعد التعب وعناء السفر الذي لاقوه هذا اليوم.
أشار الاستاذ توفيق على زوجته بأن يخططون للهروب صباح الغد وعندما يحل الظلام ينطلقون بالاتجاه الذي تتواجد فيه القطعات العسكرية .أبدت له موافقتها بالموضوع ولكن لابد من استشارة الحاج عبدالله فهو رجل طيب وكرمه وضيافته سوف تبقى دٓيناً في رقابهم ولن ينسوه أبداً.
كان الليل في تلك الليلة طويل جداً ولم يستطيعوا أن ينامو ولو للحظة واحدة فالخوف وصوت سماع دوي الانفجارات يجعل الإنسان ينسى كل شيء فمهما كان النوم سلطان وعزيز ومهما كان الجوع قاسي إلا أن الخوف ينسيك هذه الأشياء.
بدأ الليل بدوي انفجار قريب من المنزل الذين سكنوا به وبعدها بدأ هدوء رهيب ومرعب حيث انقطعت كل الأصوات .مضى من الليل نصفه وبدأ الاستاذ توفيق يسمع اصوات بشرية لرجال ونساء ولكنه لا يعرف مصدرها وبما أن الحاج عبدالله اوصاهم أن لايفتحو باب الدار لأي شخص فتناسى الموضوع .وتكرر على مسامعه اصوات عوائل تسير أمام منزله وقبل زوال الليل وانفلاق الصباح انقطعت تلك الأصوات نهائيا وعند الشروق طرق الباب الخلفي المتصل الحاج عبدالله ووجد السيد توفيق وزوجته مثلما تركهم في الليلة الماضية وابلغوه بأنهم لم يستطيعوا النوم ولو للحظة واحدة وأبلغوه أيضاً انهم سمعوا اصوات عوائل تسير أمام المنزل طوال الليل فهز رأسه وأبلغهم انها عوائل هاربة تأتي من كل أنحاء المدينة وتسير باتجاه القطعات العسكرية وان الطريق الوحيد هو هذا الطريق فأشار بيده إلى اتجاه مقابل دار ابنه الى أرض مفتوحه .عرف حينها السيد توفيق وزوجته أنهما الان على خط الصد بين المدينة والقطعات العسكرية .
فقال السيد توفيق مخاطباً العم عبدالله اليوم يومنا ياعم فأدعو لنا سوف نودعك مساء هذه الليلة ونغادر باتجاه القطعات العسكرية فإن حالفنا الحظ وانقذنا أنفسنا فسوف يأتي اليوم الذي نلتقي به بك ونبقى على تواصل مع عائلتك الموجودة خارج المدينة…هنا نزلت دمعة الحاج عبدالله وهو يتذكر عائلته وأبناءه وبناته وأحفاده وخاصةً حفيده عبدالله الذي سموه على اسمه وكان متعلق به جداً ولانقطاع الاتصالات بينهم لا يعرفون عنه أي خبر وكل معلوماته هو بأنهم في امان الله في مدينة أربيل ..كان الأفراد والعساكر الموجودة في المدينة يتمركزون فوق السطوح أو في المنازل بين المواطنين خوفاً من قصف الطائرات الحربية. كان السيد توفيق ينظر إلى زوجته نظرة غريبة في هذا الصباح ويجاملها ببعض الكلمات حتى يبعد عنها شبح الخوف ولكن في داخله شيء آخر يعصر قلبه ألماً ولايعرف ما هذا الشيء .مرت ساعات النهار ببط شديد وخوف من المجهول.
وبدأت الشمس بالرحيل وكان هو وزوجته ينتظرون الليل بترقب شديد وكأنهم سوف يخوضون معركة لا يعرفون عن تفاصيلها شيء ..معركة تحصد أرواح المدنيين العزل ولاتميز بين المدجج بالسلاح والمدني الأعزل نعم انها قذارة الحرب حين تكون الاطفال والنساء والشيوخ والناس الأبرياء العزل وقوداً لها .