18 ديسمبر، 2024 10:45 م

الرقص على مائدة التطبيع بأساور ذهبية !

الرقص على مائدة التطبيع بأساور ذهبية !

في زمن الإنجذاب للتطبيع مع العدو الصهيوني وإنسياق بعض الحكام والملوك المؤيدين له والحالمين بالتطور كما يزعمون كثمرة من ثماره , تظل تختفي تحت دوافعه الكاذبة حقائق الخوف والمنفعة وتحقيق المصالح وزيادة قوى الإكراه ضد الشعوب .
فإلى جانب الخوف الذي صنعته امريكا من إيران وأرعبت به دول المنطقة بالدعاية وأسست عليه بناء القواعد العسكرية المجهزة بالأسلحة الحديثة لخلق صراع جديد في منطقة الخليج يستمر لعقود , وحالة من الإعتلال المزمن بين دولها , لتحرّض بذلك تفكير حكامها على قبول الإستسلام للخيارات التي تقدمها لهم ,
وفعلآ إندفعت مملكة البحرين بخضوع تام لسياسة السعودية وتوجيهاتها لتنضم بقوة الى مضمار الإنجذاب للتطبيع خلف الإمارات بقرار سيادي ملكي كان بلا إدراك ولا نباهة سياسية وخوف من عواقبه الوخيمه على المدى البعيد , سواء في نوع الصراع بالمنطقة أو في تخليها عن القضية الفلسطينية , أو على ثقافة شعبها بسبب إستجابتها للتأثيرات التي صنعتها امريكا في المنطقة , فضلآ عن دواعي الحكم والسلطة .
ففي حقيقة الدافع النفعي المختبأ تحت التطبيع , سعت الإمارات قبل البحرين الى التطبيع طمعآ بالحصول على أسلحة وطائرات متقدمة من أمريكا لتتسيد منطقة الخليج من خلال تدخلها في شؤون اليمن الجنوبي للسيطرة على ثرواتها الطبيعية وبواباتها البحرية . أما دولة المغرب فقد صرعتها أطماعها أيضآ لترضخ الى أمريكا بالتطبيع مع العدو مقابل ضم الصحراء الغربية متجاوزة في ذلك حق تقرير مصير الشعب الصحراوي العربي , وكان ثمن قرار التطبيع هو اعتراف امريكا بسيادة المغرب عليها إضافة الى قيامها بمنع الهجرة من أفريقيا عبر المغرب الى أوربا .
في البحرين ظهرت عواقب التطبيع مبكرآ من خلال رضوخها الى شروط امريكا التي ستشكل منذ لحظة التوقيع عليه آلية ومعايير إشتغال سياسية امريكية غير نزيهة في المنطقة ترتكز من ناحية على عدم إعطاء الأهمية لمستقبل شعوب المنطقة , ولا ترتبط هذه الآلية بالنتائج التي ستحققها إسرائيل اللقيطة في مواجهة العرب , إلا بالشعور بالذنب من قبل الحكام من ناحية أخرى , لأن الحكام صافحوا الصهيونية وسمحوا لها وهي تنظر اليهم كيف تخلّوا عن عروبتهم وعن قيم مجتمعاتهم الأخلاقية وباعوا تأريخهم من أجل شروط حياة خاضعة للهيمنة والإملاءات الأمريكية ولايمكن إخضاعها لأجندتهم السياسية يومآ واحدآ .
وفي هذا السياق لم تعر امريكا ولا الكيان الصهيوني إهتمامآ لضجيج المدن بالمظاهرات المناوئة لزيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني الأخيرة للبحرين , لأنهما يعرفان ان الشعب البحريني بأكمله لايفرش للمجرم المحتل الآس ولا الياسمين تحت قدميه , بل بأشكال من هتافات التنديد والإستنكار , ولأنهم يعرفون جيدآ أن القرارات المصيرية والتأريخية بأيدي الشعوب وأن إنتهاك الحقوق يعد الخطأ الأقسى والمميت حتمآ للملوك والأمراء الزائفين .
لذلك ستلجأ امريكا والكيان الصهيوني الى التقليل من تأثير فكرة التطبيع الأحادية الجانب التي رعتها امريكا على مستقبل العلاقة بين الشعب البحريني والعائلة المالكة لكي تنعم بالأمن والهدوء , من خلال إقناع ملك الجزيرة البحريني على ضرورة تذويت جديد للإقتصاد البحريني وللقوات الأمنية ليتبع ذلك زيادة في إصدار القوانين القمعية التي تهيمن على تحركات الشعب من ناحية ولحماية العائلة المالكة من ناحية أخرى .
وبهذا ستكون كل نشاطات الجزيرة البحرينية ومعايير فعالياتها تحت إرادة امريكا , وستتخلص السعودية التي دفعتها للتطبيع من وظيفة التفاعل والتواصل في القرارات السياسية وشروطها الداعمة لها , فضلآ عن الإتفاقيات المختبأة تحتها .
هكذا نحكم على البحرين لإحساسنا انها كانت دولة بلا سيادة وطنية ومطلوبة لتنفيذ اجندة سعودية وخاضعة لها وقد انساقت الى التطبيع كما إنساقت مصر قبلها , بسبب ضعفها من كافة مقومات الدولة المستقلة التي يمكن ان تغير نمط حياة الجزيرة وتساعدها للصعود الى القمة المنشودة قبل ان تتحطم وتخسر تربتها , وكان خيارها الخاطئ أن تضع يدها بيد الكيان الصهيوني .
وهاهي مصر والأردن وهم عربآ ومن طينة واحدة كمثال سابق على أحلام التطبيع , هل كان قرارهما بالتطبيع مع العدو منسجمآ مع إرادة شعبيهما ليخلق إرادة سياسية قوية ؟ بالطبع كلا , لأن كلا الدولتين لم تستطيعا لحد الآن من كبح استفزازات الكيان الغاصب للشعب الفلسطيني في القدس وغزة وحيفا ورام الله , ومازالت الأردن تختنق وتعاني من المشاكل الإقتصادية المتفاقمة لأنها إستسلمت للنفوذ الأمريكي من ناحية , وللنفوذ البريطاني , إذ لا تستطيع ان تعرّض نفسها حتى لشمس علمها الغاربة من ناحية اخرى .
وينطبق حكمنا على كل أمراء التطبيع بلا استثناء بحسب مشاكلهم , فهم وإن اجتمعوا مع الصهاينة على مائدة التطبيع وراحت احلامهم ترقص بأساورها الذهبية فوقها , فإنها لابد أن تسقط يومآ وتتلاشى وسوستها الى الأبد كما تلاشت أحلام دول التطبيع من قبل .