قبيل كل أنتخابات برلمانية في العراق يدخل الشارع العراقي الصراع والتنافس بين الكتل والمرشحين الذي قد يأخذ في كثير من الأحيان طابع سلبي واشكال متعددة يكون أبرزها هو التسقيط السياسي انسجاماً مع البيئة التي تجري فيها الأنتخابات والحملات الدعائية .
ومن المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية هو وجود ضابطة لهذا التنافس ألا أنها قليلة التأثير في النظم الديمقراطية حديثة العهد اذ يكون القانون فيها مطبقاً وفق المصالح والأهواء الضيقة للجهات المتمكنة في السلطة وصاحبة القرار في الدولة .
لذلك تعتبر البيئة السياسية عامل فصل في استقامة النظام السياسي وترشيد حكمه بالشكل الذي يؤدي الى ترسيخ حكم القانون والدستور وهذا ما يتم افتقاده في الحالة العراقية اذ ان البيئية السياسية يغلب عليها طابع السيطرة والنفوذ السياسي التقليدي للأحزاب المتنفذة والكبيرة بكل مسمياتها وألوانها .
وهذا ما يدفع المرشح والحزب السياسي الى اعتماد الوسائل غير المشروعة في كسب المؤيدين من خلال طرق ملتوية وغير قانونية احياناً تعتمد على المال وأخرى تعتمد على الترغيب والخداع .
لذلك يتم تجاهل طرح الأفكار والبرامج الأنتخابية الرصينه لعدم وجود التفاعل معها بسبب سياسة افراغ الجماهير من محتواها الحقيقي في مطالبة الأحزاب والمرشحين ببرامج انتخابية يمكن اعتبارها دالة لألزامهم بها بعد وصولهم الى سدة الحكم .
لذلك يمكن التطرق الى مفهوم البرنامج الأنتخابي ومقوماته ووسائلة الكفيلة بنجاحه وتحقيق وصول المرشح الى السلطة ومركز القرار.
لذا يعتبر البرنامج الأنتخابي بمثابة الأفكار التي يروم المرشح او الحزب السياسي ابرازها الى الناخبين ويعبر فيها عن الأوضاع القائمة و رؤيته فيها ومقترحاته لها لتطويرها وازالة العقبات امام التقدم فيها , أذن البرنامج الانتخابي هو نظرة استراتيجية وخطاً سياسياً لمرشح او حزب معين يطرحهُ في شكل خطة عملية لتطوير الواقع الذي يترشح عنهُ .
هذا البرنامج الانتخابي يحتاج بطبيعة الحال الى مقومات لنجاحه وكذلك الى وسائل كفيلة لتسويقه.
ففي مايتعلق بالمقومات فهو لابد من الأحاطة الثقافية والمعرفية للمرشح بواقعه بالشكل الذي يؤهلهُ الى طرح افكار تلامس ذلك الواقع وتبعده عن الطوباوية والوعود الفارغة التي يركن اليها السياسين في المجتمعات الحديثة ديمقراطيا.
كذلك من مقومات وجود برنامج انتخابي رصين وقابل للتطبيق والتأثير في الجمهور هو أحتوائهُ أجمالاً على فترات زمنية للخطط التي يتضمنها ذلك البرنامج لا ان تكون سائبة النهايات ويصعب ألزام المرشح بها او أنجازها .
ولكي يحقق البرنامج الأنتخابي هدفهُ لابد من فريق عمل كفوء في تسويقهُ للناخبين بالشكل الذي يزرع الثقة في نفوسهم ويحثهم على الأدلاء بأصواتهم لذلك البرنامج الذي يتبناه المرشح وليس لشخص المرشح اي ان العملية تكون عملية عقلية يكون فيها البرنامج الأنتخابي هو الفيصل في وصول المرشح لسدة الحكم من عدمها وهذا مايتم العمل عليه في جميع الأنظمة الديمقراطية في العالم .
كذلك للغة دور كبير لأعداد البرامج الأنتخابية للمرشح الا انهُ يجب أن لا يخرج عن الهدف ويبقى حبيس الكلمات هو اللغة المنمقة لأنهُ يفقد مصداقيتهِ وأن جلب الأنظار الى تنسيق لغتهِ لا يكون هو الهدف بقدر مايحتويه من أفكار ورئ وحلول للمشاكل التي يواجهاها المجتمع .فهو لا بد ان يكون رصيناً في لغتهِ وواقعياً في ملامستهِ مشاكل المجتمع وذا حلول جذرية وعقلانية للمشاكل. وبقدر اهمية البرنامج الأنتخابي وثقافة المرشح والفريق الذي يعمل على تسويقهِ لا بد من الأنتباه الى مسألة ضرورية ومهمة بقدر اهمية البرنامج الأنتخابي ألا وهي الأعلام والدعايات الأنتخابية واسلوب التسويق للبرنامج الانتخابي والذي يدخل في ذت الاطار لباقة المرشح التي تعد المفصل الرئيسي في قدرة المرشح على اقناع الجمهور بذلك البرنامج الأنتخابي الذي يحملهُ لهم وبطبيعة الحال يواجه المرشح صعوبات جمة وفي بعض الأحيان يواجه صعوبات لايمكن تجاوزها وأبرزها المال السياسي وتأثيرهُ على الناخب لذلك سنقف على هذهِ الجنبة لنتعرف على تأثير المال السياسي في الدعاية الأنتخابية وأثرهُ بشكل عام في المجال السياسي.
يشار الى المال السياسي بأنهُ توظيف المال لتمكين شخص او حزب ما من تبؤ مكانة في العملية السياسية أي أنهُ أستخدام المال لأغراض وأهداف سياسية خاصة وبقدر أهمية المال في الدعايات الانتخابية للأحزاب والمرشحين ألا أنهُ يعد من أخطر العوامل على الديمقراطية لاسيما في البلدان حديثة العهد في الديمقراطية أذ أن سيطرة الأحزاب معينة على الواقع السياسي بأستخدام وسائل الأغراء والتأثير النفسي والعقلاني والأعلامي الذي تكون غالبيتها موجهة لعاطفة الجمهور لا لمدركاتهُ العقلية التي يوفرها المال السياسي الذي تسيطر عليه هذهِ الأحزاب نتيجة توليها مركز القرار طيلة فترة حكمها وهذا يؤدي بالنتيجة الى خمول العملية السياسية وانعدام الثقة وعدم جدواها في وضع حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع وغالبا تؤدي الى العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية من قبل الناخبين الذين يمتلكون الحرية في الادلاء بأصواتهم استناداً الى تدقيق عقلي للبرامج الانتخابية بأعتبارهم الطبقة المثقفة في المجتمع ويحدث ذلك نتيجة تكرار الوجه والأحزاب ذاتها في كل دورة انتخابية بالأضافة الى تدني مستويات المشاركة وختصارها على مؤيدي الأحزاب وهذا يحدث في الواقع الذي تتسع فيه سيطرة الاحزاب بالشكل الذي يحرم الأحزاب الصغيرة من أمكانية الوصول الى مركز القرار نتيجة ضعف الأمكانيات المالية في قبالة نفوذ وتحكم واسع من قبل الأحزاب التقليدية في مؤسسات الدولة ومواردها الأقتصادية وتجييرها لصالح دعايتها الأنتخابية .
ان المال السياسي ذا أثر كبير في مجريات البيئة السياسية داخلياً وخارجياً وهو وسيلة مضمونه في المجتمعات التي يغلب عليها طابع الجهل والأمية فذا الكيان الصهيوني قد ركن الى استخدام المال والأعلام في السيطرة على مقدرات الكثير من الشعوب وهذا ماأشير أليه بشكل واضح في كتاب بروتوكولات حكماء بني صهيون الذي يركز بمجملهِ على عاملين أساسيين الأعلام والمال ويشير الى أنهُ بالمال والأعلام يمكن ان يأخذ طابعاً أكبر في أحقاقِ باطل وأبطالُ حق
وصناعة تاريخ لمن لا تاريخ له وهكذا هو الحال بالنسبة للأحزاب السياسية العراقية بعد 2003 فقد عملت على تأسيس الفضائيات والقنوات التلفزيونية والمواقع الألكترونية أو ماسُميَ لاحقا بالجيوش الألكترونية التي أنتجتها تلك الاحزاب من خلال سيطرتها على المال ومقدرات الدولة وحصولها على المناصب طيلة فترات حكمها السابق .
نستنتج مما تقدم في طرحنا السابق وبشكل خاص في الحالة العراقية أن الأحزاب السياسية تعتمد في كسبها اصوات الناخبين على وسائل لا تُعتَمد في النظم الديمقراطية الحقيقية فهي لاتمتلك رؤية واضحة وأسلوب أقناع بعد فترة طويلة من مسكها زمام الأمور في البلد وعدم وجود نتائج حقيقة لمدعياتها الأمر الذي جعلها تسرف في الوعود للجماهير في المقابل خلق هذا الوضع حالة من النفور وأسس حالة من عدم الثقة بين الطبقة السياسية والناخبين .
الأمر الذي دفع هذهِ الاحزاب الى أتباع أسلوب الترغيب من خلال خلق جمهور ثابت لهم بواسطة أستخدام المال كوسيلة سياسية لتمكنهم والحفاظ على مراكزهم في السلطة وهذا أدى الى فقدان الثقة من قبل الطبقة المثقفة في وصول أشخاص يمثلونهم في البرلمان وأن حظوظ الأحزاب الصغيرة سيؤدي الى انعدام قدرتها امام الدعاية الهائلة والمال الذي تستخدمهُ هذهِ الأحزاب التقليدية في دعاياتها الأنتخابية حتى وصل الحال الى شراء ذمم الناخبين وبطاقاتٌ أنتخابية.
لذلك لابد من ان يكون هناك دور وردع حازم للقانون في الحد من أثار هذا النفوذ المالي والسياسي للأحزاب لاسيما تلك التي تستخدم مؤسسات وآليات الدولة وتجيرها لمصالحها الضيقة قبل الأنتخابات ولابد ان يطبق القانون بحيادية على الجميع بالشكل الذي يمكن الاحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين من التنافس بحريتهم وأمكانياتهم المتاحة لكي تكون هناك عدالةٌ في التنافس المشروع وتحت رقابة حازمة من قبل المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات وبشكل الذي يضمن نتائج معقولة وحدوث تغير نوعي في نتائج الأنتخابات كبادرة لحدوث تغير في قناعة المواطن في العملية السياسية كذلك لابد من تفعيل دور المؤسسات المجتمع المدني في حث الناخبين على تغير المعادلة الأنتخابية من خلال المشاركة الفعالة في الأنتخابات والمشاركة في الرقابةِ عليها وعدم السماع للأصوات الرامية لمقاطعة الأنتخابات لكونها أصوات مدفوعةٌ حزبية لأنتاج ذات الصورة السوداوية التي جثمت على صدور العراقيين منذ 2003 ولغاية اليوم لان المقاطعة لاتحدث اي اثر قانوني في الانتخابات العراقية نتيجة لعدم وجود عتبة انتخابية واضحة تبيح للناخبين الأمتناع عن الأدلاء بصوتهم وبتالي تكون مبررا لافشال العملية الأنتخابية الأمر الذي يحتم تدخل المجتمع الدولي ولاسيما وأن الأحزاب ضامنه لقواعدها وجماهيرها التي تعيد أنتخابها وتعيد تدويرها في كل دورة انتخابية وما تلك الاصوات التي تدعوا الى المقاطعة الا وسيلة غير مدروسة من قبل المقاطعون واحيانا تكون بدفع من الاحزاب ذاتها لترسيخ المقاطعة كفكرة عامة وبالتالي اختصار التصويت على جماهيرهم وهذا يعني ضمان وصولهم الى السلطة والحفاظ على مراكزهم وهو ما يعني تكرار ذات الصورة القاتمة للحالة العراقية.