خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “فتاة لا يحبها الرجال” للكاتب السويدي “ستيج لارسون” رواية ثرية بالأحداث وطويلة، وهي عبارة عن الجزء الأول من سلسلة مكونة من خمس أجزاء، تسمى “سلسلة الألفية”. تتناول الرواية بشكل رئيسي العنف الذي تتعرض له النساء في السويد، على يد بعض الرجال المرضى، لكنها تتطرق إلى الاقتصاد السويدي وكشف الفساد لدى بعض رجال الأعمال الكبار، كما تتطرق إلى حال الصحافة والصحفيين، والصعوبات التي تواجه الصحافة المستقلة التي تبحث عن الحقيقة.
الشخصيات..
“ميكائيل بلومكفست”: البطل، صحفي، يتعرض للمحاكمة نتيجة كتابته مقال عن أحد رجال الأعمال الكبار في السويد، بتهمة التشهير وحكم عليه بالغرامة والسجن لعدة أشهر. يجد نفسه في مأزق انهيار حياته المهنية وإفلاسه أيضا، لتأتي مهمة عمل بمثابة طوق نجاة بالنسبة له وينشغل بها ويؤديها على النحو الصحيح ثم يستعيد سمعته كصحفي شريف بعد أن يوقع برجل الأعمال ذاك.
“هانز-إريك ونرستروم”: رجل الأعمال الذي اتهم البطل بأنه شهر به، وهو رجل بدأ حياته فقيرا يعمل في إحدى الشركات ثم كان يقوم باختلاس أموال الشركة والمضاربة بها في البورصة وسرقة الأرباح، ليصبح فيما بعد رجل أعمال تنمو أعماله بالسرقة والنصب والاحتيال. ليكتشف في النهاية أنه متورط مع المافيا العالمية ومع مروجي المخدرات والعاملين في مجال الدعارة وتجارة الأطفال، وأعمال أخرى مشبوهة في حين أنه كان يعد من رجال الأعمال الكبار في السويد، وينتهي الأمر بموته.
“هنريك فانجر”: رئيس إحدى الشركات الكبري سابقا، وكانت شركته أحد أعمدة الاقتصاد في السويد إلا أن ساءت حالتها، وهو قد تجاوز الثمانين من عمره، وينتمي لعائلة عريقة تدعى “فانجر”. يطلب من البطل التحقيق في اختفاء ابنة أحد أبناء عمه، والتي يعتبرها مثل ابنته والتي مر على اختفاءها 36 عاما أي في الستينات وتحديدا عام1966، ويحل البطل القضية ويكتسب ثقة في نفسه.
“ليزبيث سالاندر”: البطلة، عميلة المراقبة في شركة “ميلتون” الأمنية، فتاة غريبة الأطوار، تضع وشوم كثيرة على جسدها، ولا تستطيع التواصل بشكل جيد مع الناس، ولديها مشاكل قانونية كثيرة أدت بها إلى وضعها تحت الحراسة من قبل الحكومة، لكنها رغم ذلك بارعة في عملها، تستطيع الوصول إلى الحقائق وأسرار الناس بسهولة لأنها تجيد السطو على أجهزة الحواسيب الآلية لمن تريد مراقبته، وقد ساعدت البطل كثيرا في عمله في قضية عائلة “فانجر” لتصبح صديقته في النهاية.
هارييت فانجر: تعرضت وهي في سن المراهقة لسوء المعاملة من أبيها الذي اغتصبها وشجع أخيها على اغتصابها، لتقتل أبيها في لحظة عفوية وتهرب من أخيها، وتظل هاربة سنوات طوال في استراليا حتى يكتشف البطل اللغز وتعود إلى عائلتها وتتولي أمور الشركة بعد وفاة أخيها.
فيوتغريد فانجر: والد “هاربيت”، كان أبوه نازيا، ومات في أثناء انخراطه في الحركة النازية، وكان يعامله بقسوة شديدة خلفت داخله أمراضا وعقدا وقد أصبح هو أيضا والدا سيئا حيث اغتصب ابنه وابنته، وكان يقتل النساء بدعوى تطهيرهم وقفا لما جاء في الإنجيل، وكان يقتل النساء بوحشية شديدة ويقطع أوصالهن، وعلم ابنه فعل ذلك، لكن أمره لم يكشف أبدا ومات على يد ابنته غرقا.
مارتن فانجر: الابن، ورث عقده وأمراضه عن أبيه، واستمر يقتل النساء بوحشية حتى أنه بنى غرفة في داخل بيته معزولة الصوت لينفذ فيها أعماله الوحشية، وكان يخفي الجثث في البحر. اكتشف البطل ما فعل وانتهي الأمر بموت “مارتن” في حادث سيارة وهو يهرب من البطلة التي كانت تلاحقه.
نيلز بيورمان: المحامي الذي يتولى أمر الحراسة على البطلة، تكتشف أنه سادي وتتعرض للاغتصاب على يديه والمعاملة الوحشية، لكنها تنتقم منه وتعذبه ويخضع لسلطتها في النهاية.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات، عن ما تشعر به ويدور في عقلها، وعن تصاعد الأحداث، كما يوضح بعض الأمور والحقائق التي تختص بالأحداث.
السرد..
تقع الرواية في حوالي صفحة 669من القطع المتوسط ، طويلة، محكمة البناء، بدأ السرد بالحكي عن البطل، ثم عن باقي الشخصيات، لكن التركيز الأكبر كان على البطل والبطلة. الرواية مقسمة إلى أجزاء وإلى فصول ولكل جزء عنوان يخص موضوع الحكي، أما الفصول فتقسم على أساس الفترة الزمنية التي تدور فيها. تنتهي الرواية نهاية مفتوحة بسبب وجود أجزاء أخرى لكنها نهاية مرضية بالنسبة للبطل الذي خرج من أزمته.
العنف ضد النساء..
الموضوع الرئيسي الذي تتناوله الرواية هو العنف ضد النساء، والانتهاكات التي تحدث لبعضهن، حيث تعرضت في الرواية عدد من النساء إلى الاغتصاب والتعذيب والقتل بوحشية. والرواية تذكر أرقام وإحصائيات عن تعرض النساء في السويد للعنف من قبل الرجل، كعناوين.
فقد كشف البطل لغز اختفاء “هاربيت فانجر” ليكشف تعرضها للاغتصاب على يد أبيها وأخيها رغم أنها تنتمي لعائلة عريقة وثرية، لكن ذلك لم يمنعها من التعرض للانتهاك، كما عرف عن “غوتفريد” قتله للنساء واللاتي أغلبهن من اليهود نتيجة لتوجه والده النازي والذي ربما ورثه عنه، كما أنهن من فئات مهمشة ومن مهن فقيرة، ولم يتم الكشف عنه وعن علاقته بتلك الجرائم على كثرتها، كما كشفت الرواية عن عيب في القانون السويدي الذي يسقط القضايا بعد وقت من الزمن ويصبح التحقيق فيها مستحيلا بعد مرور ذلك الوقت.
كما يكشف عن وجود قضايا كثيرة لم تصل فيها الشرطة إلى القاتل وهل يعكس هذا خللا ما في جهاز الشرطة، خاصة وأن الضحايا من النساء الفقيرات والمهمشات أو المهاجرات من دول أخرى، مما يطرح سؤالا هل تتساهل الشرطة السويدية مع هذه القضايا لكون النساء من فئات مهمشة وغير مؤثرة في المجتمع؟.
كما كشفت الرواية عن وجود رجال مرضى نفسيين سواء بالسادية أو بعقد وأمراض أخرى تجعلهم يعتدون على النساء ويكنون لهن كراهية شديدة، كما ربطت تلك العقد والأمراض بالاتجاه الفكري المتطرف اليمني الذي يتمثل في اعتناق الأفكار النازية وما هو على شاكلتها من أفكار عنصرية.
ونجحت الرواية في كشف الستار عن تلك الجرائم الوحشية التي حدثت في السويد للنساء وتصوير سعي الأغنياء للتستر عن تلك الجرائم إذا كان المتورطون في ارتكابها ينتمون إليهم. كما كشفت أن المجرم ممكن أن يظهر سوي اجتماعيا وذا مهنة محترمة ومكانة اجتماعية كبيرة لكنه يخفي ساديته وأمراضه ووحشيته عن الجميع، مثل “مارتن فانجر” والمحامي الوصي على البطلة.
الفساد في الاقتصاد..
لم تكتف الرواية بكشف تلك القضية الهامة فقط وأن تنتصر للنساء حتى في عنوانها، بل كشفت عن عالم الصحافة وعلاقته برجال الأعمال، حيث كشفت فساد وتواطؤ كثير من العاملين في مجال الإعلام، سواء صحافة مقروءة أو مسموعة أو مرئية مع رجال الأعمال الفاسدين، منهم من يتعاون بشكل مباشر مع رجال الأعمال ويحصدون المكاسب المادية، ومنهم من يتغاضى عن كشف الفساد سعيا وراء تغطية صحفية جوفاء ودعائية، وقليل من يقرر كشف الحقائق وكشف فساد رجال الأعمال مثل البطل “ميكائيل”.
حيث انشأ “ميكائيل” مع صديقة له صحيفة مستقلة قرر أن يكشف من خلالها عن الحقائق والفساد الذي يدور في عالم الأعمال، لكنه تعرض للخداع من رجل الأعمال الذي كان ينتوي فضحه مما أدى إلى أن يكتب مقالا عن حقائق زائفة ويحكم عليه بالسجن، لكنه وبعد نجاحه في حل لغز “هارييت فانجر” استعاد ثقته في نفسه، كما وبمساعدة البطلة استطاع أن يكشف حقيقة رجل الأعمال الفاسد، من خلال السطو على حاسبه المحمول وعلى المعلومات داخله.
واستعاد سمعته كصحفي مستقل وكشف حقيقة رجل الأعمال، حيث نشر كتابا كاملا عنه، مع مقال مدوي أدى إلى حدوث فوضى في مجال الاقتصاد السويدي، الذي كان يتجه نحو أعمال المضاربة في البورصة مما أدى إلى صعود رجال أعمال فاسدين وانهيار شركات تهتم بالإنتاج والتصنيع الحقيقي. مما يعكس جوهر الاقتصاد الرأسمالي الذي استفحل حاله فاتجه إلى الاقتصاد الريعي وتخلى متعمدا عن الاقتصاد الذي يقوم على إنتاج السلع والبضائع وعلى إنتاج أشياء حقيقية.
الرواية ثرية وغنية برصد أحوال المجتمع السويدي اجتماعيا واقتصاديا في الفترة ما بين الستينات وحتى القرن الواحد والعشرين في بدايته. وتنتهي نهاية سعيدة بالنسبة للبطل الشريف وكشف الفساد.
الرواية..
رواية “الفتاة ذات وشم التنين” أو “فتاة لا يحبها الرجال” (العنوان الأصلي بالسويديه “الرجال الذين يكرهون النساء” هي رواية للكاتب والصحافي السويدي “ستيج لارسون”. هذا هو الكتاب الأول في ثلاثيته المعروفة باسم “سلسلة الألفية”.
عند وفاته في نوفمبر 2004، ترك “لارسون” روايات ثلاثة غير منشورة تشكل ثلاثية. أصبحوا بعد وفاته من أفضل الكتب مبيعاً في العديد من الدول الأوروبية وكذلك في أمريكا. عندما كان عمره 15 عاما شهد “لارسون” جريمة اغتصاب جماعي لفتاة. ولم يسامح نفسه أبدا لأنه لم يتدخل لإنقاذ الفتاة، التي كان اسمها “اليزابيث”، مثل البطلة الشابة في كتبه، والتي هي أيضا ضحية اغتصاب، وهي التي ألهمت موضوع العنف الجنسي ضد النساء في كتبه.
و في القصة يمدنا الكاتب بشجرة عائلة تشرح العلاقات بين خمسة أجيال من عائلة فانجر. وباستثناء هدستاد، تجري أحداث الرواية في مدن سويدية حقيقية. ومجلة الألفية الواردة في الكتب لها خصائص مماثلة لمجلة “لارسون”، المسماه “المعرض”، التي كانت أيضا تمر بصعوبات مالية.
سلسلة “الألفية” اعتبرت ضمن أكثر الكتب مبيعاً وهي من تأليف الكاتب “ستيج لارسون” الذي أكمل أول ثلاثة كتب قبل أن يتوفى نتيجة أزمة قلبية في 2004.
ثم عهد إلى الكاتب “ديفيد لاجركرانتز” بكتابة رواية رابعة نشرت عام 2015 وفيها يسبر أغوار الغموض المحيط بطفولة “سالاندر”. ويستلهم الجزء الخامس الكثير من أحداث من قضايا عانت منها السويد في السنوات الأخيرة مثل صعود الحركات اليمينية المتطرفة وجرائم القتل بدافع الشرف وهي قضايا مثار جدل حاد في البلد.
يقول “لاجركرانتز”: “السويد الآن تتغير بسرعة شديدة وهذا أمر يتعين علي أن أتعامل معه أيضاً”. وتمت ترجمة الكتب الثلاثة الأصلية إلى 50 لغة وبيع منها أكثر من 80 مليون نسخة بينما بيع من الكتاب الرابع الذي ألفه “لاجركرانتز” ستة ملايين نسخة.
الكاتب..
“ستيغ لارسون” منتج أفلام وكاتب سيناريو ومخرج وكاتب مسرحي وكاتب ومخرج وشاعر سويدي، ولد في 20 يوليو 1955 في “سكيلفتيا” في السويد.
وبحكم عمله كصحفي كرس “ستيج لارسون” معظم حياته للتحقيق في أمر الحركة اليمينية المتطرفة في السويد. وفي عام 1995 شارك في إعداد مجلة “إكسبو” المناهضة للفاشية وعمل فيها حتى موته.