قراءة “كارنيغي” لمشهد ما بعد انتخابات تشرين .. العراق على موعد مع تصادمين ونظام حكومي هش !

قراءة “كارنيغي” لمشهد ما بعد انتخابات تشرين .. العراق على موعد مع تصادمين ونظام حكومي هش !

وكالات – كتابات :

خلص معهد (كارنيغي) الأميركي للأبحاث؛ إلى أن “العراق” مقبل على قيام نظام حكومي هش قابل للسقوط في وجه الأزمات الكبرى، حيث قد تنتج انتخابات 10 تشرين أول/أكتوبر 2021، جناحين شيعيين: “متجهان للتصادم”؛ يتمثل الأول بتحالف (الفتح) وتيار “نوري المالكي”، مقابل (التيار الصدري)؛ عليهما الاتفاق على رئيس للوزراء سيكون: “ضعيفًا”، و”تصادم” آخر بين النظام وجماهير “حراك تشرين”.

تناحر شيعي مراقب !

واستهل (كارنيغي) تقريره؛ بالإشارة إلى أنه: “في ظل دعوات شعبية لمقاطعة الانتخابات والتغيير الجذري، أصبحت القوى المسلحة القريبة من إيران؛ أشد رغبة في السيطرة على مستقبل العراق، في الوقت الذي يتوقع فيه الصدريون أن يُصبح مرشحهم، رئيس وزراء البلاد المقبل”.

واعتبر التقرير؛ أن لدى القوى المرتبطة بـ”إيران”: “شرعية دينية” و”شرعية برلمانية”، نالت الأولى من فتوى المرجع الشيعي، السيد “علي السيستاني”، ضد تنظيم (داعش)، ونالت الثانية من خلال احتلالها عددًا أكبر من المقاعد، في انتخابات 2018، من تلك التي حصلت عليها، في انتخابات العام 2013.

وبرغم ذلك، أشار التقرير إلى أن هذه القوى: “فقدت شعبيتها الجماهيرية”، بعد انتفاضة تشرين أول/أكتوبر 2019؛ والتي قُتل فيها أكثر من: 700 محتج، اتهمت بقتلهم، خاصة بعد رفع المحتجون شعارات ضد الفساد وتدخل “إيران”.

أما (التيار الصدري)؛ فإنه يوصف بأكبر قوة سياسية حاليًا؛ وهو المنافس الشيعي للقوى المسماة: “المقاومة” أو كتلة (الفتح)، مستغلاً انحسار شعبيتها، نتيجة “انتفاضة تشرين”، ويتجه لترشيح رئيس وزراء صدري، ورغم أن لـ (التيار الصدري) جماعة مسلحة، يُطلق عليها ميليشيا (جيش المهدي)، وله علاقة وطيدة مع “إيران”، إلا أنه يختلف عن تحالف (الفتح)، في أنه تيار شيعي أسس داخل “العراق” وجذوره اجتماعية دينية؛ تعود إلى السيد “محمد  الصدر”، العراقي المنشأ، في حين أن كتلة (الفتح)، (بدر سابقًا)، فجذورها عسكرية إيديولوجية مرتبطة بـ (الحرس الثوري)؛ وأسست في “إيران”، وحاربت مع الجيش الإيراني ضد “العراق” أثناء الحرب “الإيرانية-العراقية”، في الثمانينيات.

واعتبر التقرير أن: “طموحات (التيار الصدري) صعبة المنال، لأن قائمة (الفتح) وقوى المقاومة قامت بعدد من الخطوات لتعقيد فكرة نجاح (التيار الصدري)”. وأشار إلى أن هذه الخطوات تتمثل في: “قمع حركة تشرين”، و”دعم العشائر السُنية”، و”القانون الانتخابي”، بالإضافة إلى: “تزوير التصويت الخاص والنازحين”.

الاغتيال الجماعي..

ورأى تقرير (كارنيغي)؛ أن تظاهرات “تشرين” عبرت عن وعي اجتماعي جماهيري يبحث عن تحول سياسي، ويرفض القوى الموالية لـ”إيران”، وأن قوى المقاومة وكتلة (الفتح) وجدت أن هذا التحرك يُشكل خطرًا يهدد كيانها، خاصة عندما رُفعت شعارات الوحدة الوطنية، وطالبت بإسقاط النظام، لذا أتبعت هذه القوى أساليب الاغتيال الجماعي في ساحات التظاهر، وعمليات الاغتيال النوعية التي طالت ناشطين أصبحوا يُشكلون خطرًا محتملاً، في حال شاركوا في الانتخابات مثل: “هشام الهاشمي” و”إيهاب الوزني”.

الدور السُني..

وحول دعم العشائرية السُنية، ذكر التقرير: “لم يكن لمحمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، ولخميس الخنجر، رئيس تحالف (عزم)، دورًا سياسيًا بارزًا، قبل 2018، وكلاهما يُمثل خطًا عشائريًا يبتعد عن الاتجاه الوطني؛ الذي كان سائدًا في الساحة السُنية، وأصبحا الآن أبرز شخصيتين سُنيتين تحاولان الحصول على الأصوات في المحافظات السُنية، المُسيطر عليها عسكريًا من قبل (الحشد الشعبي) وجماعات المقاومة الموالية لإيران”.

وأوضح أنه: “رغم التنافس بين: الحلبوسي والخنجر، إلا أنهما الأبرز في تحالفاتهما السياسية مع قوى المقاومة الموالية لإيران، إذ أنهما يتنافسان لإرضائها، وبالتالي فإن (الفتح) وقوى المقاومة الموالية لإيران؛ تسعى لدعم الحلبوسي والخنجر. ووفقًا لوزارة الخزانة الأميركية، فإن خميس الخنجر؛ معاقب أميركيًا، أما محمد الحلبوسي؛ فهو أحد الأطراف التي التقت، الجنرال قاسم سليماني، سرًا عدة مرات قبل تنصيبه لتقديم الولاء لإيران، وفقًا لما أدلى به النائب، مشعان الجبوري”.

قانون “سانت ليغو” الجديد..

أما بشأن القانون الانتخابي، فقد أشار تقرير (كارنيغي) إلى أن: “قانون الانتخابات الجديد؛ يختلف عن قانون سانت ليغو؛ الذي سبقه في انتخابات 2018، ويتيح هذا القانون الفرصة لفوز المرشحين المحليين الذين يستطيعون الحصول على أصوات من السكان المحليين، والذي يعتبر الأقضية، (القرى والمدن الصغيرة)، دوائر انتخابية، بينما اعتمد القانون السابق كل محافظة دائرةً انتخابية، وسمح بتعويض المرشحين المحليين، الذين لا يحصلون على أصوات محلية كافية للفوز، بأصوات من رئيس الكتلة في المحافظة، أي أن قادة الكتل كانوا يستفيدون من القانون القديم، أما القانون الجديد يستفيد منه المرشحون المحليون”.

وتابع القول: “لن ينجح قانون سانت ليغو الجديد؛ في إحداث تغيير حقيقي، لأن نجاح التمثيل المحلي يعتمد على نسبة المشاركة العالية، في حين تواجه الانتخابات القادمة تحديًا يتمثل في انخفاض المشاركة نتيجة لإنعدام الثقة في السياسيين”. وأشار إلى أن: “نسبة المشاركة المنخفضة تُمثل فرصة للجماعات المسلحة لتنظيم الانتخابات؛ وبالتالي فوز قياداتها المحلية، من خلال دفع مؤيديها لانتخاب مرشحيها المفضلين، فهي تمتلك السلاح والمال والهياكل التنظيمية الإدارية المحلية، التي تسعى من خلالها إلى إقناع أو إخافة الناخبين ودفعهم للتصويت لمرشحيها”.

تزوير واسع..

ونقل التقرير، عن عضو مجلس النواب، “هوشيار عبدالله”؛ قوله: “أن الانتخابات القادمة سوف تتفوق على الانتخابات السابقة؛ من حيث التزوير، وستنهب أصوات الناخبين بعد أن قام البعض باختراع أساليب عبقرية”.

وأشار التقرير إلى أنه سيكون للتصويت الخاص لـ (الحشد الشعبي) والقوى المسلحة تأثيرًا فعالاً، إضافة إلى استغلال وضع النازحين العراقيين الذين لن يتمكنوا من التصويت. ونقل عن تقرير لـ”منظمة العفو الدولية”، إشارته إلى وجود آلاف النازحين الذين يتم اتهامهم لمجرد الاشتباه في صِلاتهم مع تنظيم (داعش).

وتابع أن: “القوى الموالية لإيران؛ تسعى إلى استغلال آلاف الأصوات من النازحين من أجل التصويت لصالح جهة معينة أو مرشح معين مقابل إعادتهم إلى ديارهم، وقد باشر خميس الخنجر، بإعطاء وعود لبعض نازحي جرف الصخر؛ وكذلك الحلبوسي في الموصل”.

توازن هش..

وخلص تقرير (كارنيغي) إلى الإشارة للتحالف الأكثر ترجيحًا، قائلاً أن: “تحالف (الفتح)، المتمثل بـ (الحشد الشعبي)، وقوى ما يسمى: بالمقاومة، الذي يقوده، هادي العامري، مع حزب (الدعوة)؛ برئاسة نوري المالكي، سيكون جناحًا رئيسًا في الانتخابات، يقابله جناح (التيار الصدري)؛ الذي قد يحصد أصواتًا كثيرة، لكنها لن تكون حاسمة، وبالتالي يمكن ترشيح رئيس وزراء صدري”.

وأضاف: “إلا أن هذا الترشيح لن يمر دون قبول تحالف (الفتح). هذا توازن هش بين الطرفين وسيجلب رئيس وزراء ضعيفًا، أما انقسامات السُنة والكُرد؛ وعدم تبنيهم إستراتيجية موحدة؛ فلن تفضي إلى أي تغيير في المعادلة السياسية”.

وتابع القول أن: “هناك دعوات تسعى لتحويل العراق لنظام رئاسي، وهذا يعني أنها مرحلة سعي لتحويل العراق إلى جمهورية ميليشيا”.

وأضاف أن: “رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، يسعى للعودة إلى الحكم من خلال توليه الرئاسة والاستفادة من قوى المقاومة والميليشيات الموالية له؛ كـ (بدر) وغيرها؛ لتكون الذراع المسلح في تنفيذ أجندته السياسية، مع فرصة لغياب منافس من القوى الليبرالية والمدنية والوطنية”.

محمية إيرانية !

ولهذا؛ اعتبر التقرير: “أن الانتخابات القادمة تتميز  بنوعين من القوى، أولاها تمتلك أجنحة مسلحة في الجانب الشيعي، وثانيها تُمثل العشائرية في الجانب السُني، وهذا سيؤدي إلى وصول الميليشيا والعشائر لحكم العراق، وربطه بإيران باعتباره محميةً عسكرية إيرانيةً، الأمر الذي يمكن أن يسمح بسيطرتها على: 14 في المئة من واردات النفط العالمي”.

وختم بالقول: “هذا يعني؛ أن العراق متجه نحو حكومة هشة قابلة للسقوط السريع أمام الأزمات الكبرى. تتمثل هذه الهشاشة في اتجاهين للتصادم: الأول تصادم (شيعي-شيعي)؛ بين: (التيار الصدري)؛ و(الفتح) والمالكي، والتصادم الثاني المحتمل بين النظام السياسي مع الجماهير التشرينية والوطنية الغاضبة، التي كانت تنتظر بديلاً يُلبي مطالبها، وهو بديل من غير المتوقع أن تُسفر عنه نتائج الانتخابات”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة