من الانجازات التي تتبناها الحكومة والبرلمان ، تشريع قانون الضمان الصحي رقم 20 لسنة 2020 والذي نشر بجريدة الوقائع العراقية بعددها 4614 في 1 شباط 2021 ، والهدف من القانون ( ضمان جودة الخدمات الصحية وحصول المواطن عليها في كل مكان من ارض الوطن وفي أي وقت ولتخفيف الأعباء المالية عن المواطنين والحد من الفقر وتحقيق مبدأ التكافل والعدالة الصحية المنصوص عليها في الدستور العراقي وفصل دوائر الصحة عن المحافظات وإرجاعها للوزارة لتتمتع المحافظات بخدمات صحية متساوية ) ، والكلمات السابقة ليست من بناة أفكارنا وإنما نصت عليه الأسباب الموجبة لتشريع هذا القانون ، ومن الناحية العملية فهي لا تعد أكثر من شعارات او أهداف غير قابلة للتحقق في المدى القريب والمتوسط ، فالتمتع بخدمات صحية متساوية وبالجودة المطلوبة ليست ( جرة قلم ) وإنما مجموعة إجراءات تنموية تتعلق بالبنى التحتية وبلوغ مؤشرات الصحة التخطيطية من حيث عدد المستشفيات وتخصصاتها وعدد أسرتها وتواجد المؤسسات الصحية مكانيا وتوفرها في مركز المحافظة والاقضية والنواحي ، كما إنها تتعلق بمدى توفر الموارد البشرية الكفوءة من المهن الطبية والصحية والساندة وغيرها من الأمور الكثيرة التي تحتاج إلى تنمية واستثمار لا تنجز في ليل ونهار ، فالبلد يحتاج إلى أكثر من ضعف الغطاء ألسريري الحالي ( وجائحة كورونا كشفت كل العورات ) ، فالموجود لم يتغير منذ ثمانينات القرن الماضي فأغلبه مستشفيات عامة سعة 400 سرير ومستشفيات ولادة سعة 260 سرير انتهى عمدها الأدائي منذ سنوات ، ولم تضاف إليها سوى عدد محدود من المستشفيات بعضها اكتمل بنائها ولكنها لم تباشر بنشاطها لحد اليوم ، كما إن البلد يعاني منذ سنين من عدم وضوح النظام الصحي والتداخل في الإحالة وتقديم الخدمات الصحية ، ولعل الأبرز هو ما موجود هي خدمات الرعاية الصحية ( الخجولة ) والتي استثناها قانون الضمان الصحي ، وقد كان من المفروض أن يبدأ سريان قانون الضمان الصحي بعد مرور 6 أشهر على نشره في الجريدة الرسمية أي انه واجب التطبيق ابتداءا في الأول من شهر آب الماضي ، ولكن لا أخبار عن سريانه بعد لان اقل المتطلبات لم توفر له من النواحي كافي بما في ذلك فصل وزارة البيئة عن الصحة وإرجاعها كوزارة مستقلة لتعود كما كانت قبل أن يرشقها السيد العبادي ، ورغم إن الضمان الصحي هو مطلب لفئات كثيرة من الشعب لرداءة الموجود ويخفف من الأعباء المالية ، إلا إن صدوره بهذه الصيغة يثير الكثير من التساؤلات تنتهي برأي خلاصته انه لم يصاغ بالشكل الذي يناسب الواقع ويعاني من فروقات بين الإمكانيات والطموح .
و( شطارة ) القانون تتركز في تحويل اغلب الخدمات الصحية العلاجية من المجانية او شبه المجانية إلى خدمات يدفع عنها المواطن أجور ، وهي فكرة مقبولة عندما تكون الجهات المعنية قد وفرت خدمات نوعية ومتطلباتها من المؤسسات الصحية والكوادر والأنظمة المرتبطة بالموضوع بحيث تغني عن السفر للخارج والعجز عن الدفع للقطاع الخاص ، ولكن بقائها على حالها وتطبيق القانون ما هو الا عبارة عن تكليف المواطن بمزيد من الأعباء المالية دون مقابل واضح ، فالقانون يفرض على الجميع دفع اشتراكات تتراوح بي 10000 – 100000 دينار واستقطاع 1% من مجموع الراتب الشهري للموظف عن خدمات الاستمرار بالاشتراك ( إلزاميا ) ودفع 10% من قيمة الخدمات الصحية ( أجور المراجعة ) ودفع ما يعادل 25% من أجور الأدوية والمختبر والأشعة والأسنان ، كما يقضي القانون بتكليف الموظف او المشترك بدفع 10% من أجور الخدمات التي تقدم في المستشفيات الحكومية و25% من الأجور عند مراجعة المستشفيات غير الحكومية ، والقانون لم يوجد أساليب لإدارة الخدمات الصحية الحكومية التي تتداخل فيها الخدمات الحكومية وخدمات الأجنحة الخاصة وخدمات دائرة العيادات الشعبية وغيرها من المنافذ ، كما انه اوجد تشكيلات وهيئة ومجلس وبيروقراطية من الصعب أن تكون فاعلة على ارض الواقع ، كما ألزم القانون أرباب العمل وأصحاب الشركات الخاصة والقطاع المختلط بدفع 1% من أجور العمال والموظفين لتمويل صندوق الضمان الصحي وتحميل أرباب العمل وأصحاب الشركات غرامة مالية قدرها 2% من قيمة بدل الاشتراك عن كل شهر في تأخير تسديد المساهمة ، أي إن الغرامة تصل إلى 24% سنويا عند عدم التسديد لعام واحد ، وكأن المشرع قد اغفل بان الكثير من أصحاب الأعمال والشركات الخاصة والمختلطة باتوا عاجزين عن دفع الرواتب وحصة الضمان للعاملين لديهم بسبب توقف وانكماش اغلب الأعمال .
وهناك من يعتقد إن عدم تطبيق القانون رغم سريانه من بداية آب الماضي بما في ذلك الاستقطاعات ، لا يعود إلى عدم توفر الظرف لتطبيقه او انه دخل في خانة النسيان ، وإنما لأسباب انتخابية فلو باشرت الدوائر والوزارات بتطبيق الاستقطاعات من رواتب آب لتزامن ذلك مع مواعيد الانتخابات المبكرة التي ستجري بعد أيام ، فالاستقطاعات في أي وقت يتم سريانها ستثير الكثير من الانتقادات نظرا للضرر في القدرات الشرائية الذي أحدثه انخفاض سعر الدينار ، وتوقيت الاستقطاعات ليس غير مناسب للانتخابات فحسب وإنما لتوافقه مع التذمر الذي يعبر عنه معدومي ومحدودي الدخل كونهم لم يلمسوا تغييرا ايجابيا يذكر رغم ارتفاع أسعار النفط من 45 إلى 80 دولار للبرميل خلال عام 2021 ، فلا يزال شعار شد الأحزمة على البطون يتكرر عاما بعد عام ، لا بسبب نقص الإيرادات وإنما للفشل في الأداء وتضخيم النفقات وتوسع الفساد طولا وعرضا في البلاد ، والضمان الصحي ( الذي يحتاج إلى مراجعة جدية ) لم يجد ضمانا له في التطبيق رغم سريانه بموجب القانون بغض النظر عن الأسباب وربما يتعرض لرفض شديد عند التطبيق .