خاص: إعداد- سماح عادل
هذه هي الحلقة الأخيرة من تحقيق (النساء والكتابة) في جزأه الأول، حيث باحت حوالي 68 كاتبة عن تجاربهن مع الصعوبات والعوائق التي يتعرضن لها ككاتبات، منهن من حكين بشكل شخصي عن تجاربهن مع تحدي تلك الصعوبات، أو الانصياع لها. ومنهن من تكلمن بشكل عام عن مشاكل الكاتبات في مجتمعاتنا.
ومنهن من أنكرت وجود صعوبات أو عوائق، مؤكدات على قيمة النص الجيد، ومنهن من رفضت التقسيم بين كتابات للنساء وكتابات للرجال، ومنهم من رأت أن كتابات النساء لها مميزاتها ورؤيتها وملامحها الخاصة، وفي النهاية حقق التحقيق بحلقاته ال (24) ثراء كبيرا من البوح ومشاركة التجارب، ومكن العديد من الكاتبات من الاطلاع على تجارب أخريات يشاركنهن في المعاناة والتحدي. وربما كان خطوة مبدئية على طريق الدعم والمساعدة وشعور الكاتبة بأن الصعوبات لا تخصها وحدها.
هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
- هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
- هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
- هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
- هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟
الكتابة النسوية تحت ضرس الرجل الناقد!
تقول الشاعرة والكاتبة “أشواق شايشي”: “المرأة نصف المجتمع، المرأة أساس بناء المجتمعات. شعارات ثقيلة المعنى يكتبها الرجال فيما يكتبون بين مقالات أو نصوص أدبية على اختلاف الجنس الأدبي. كذلك نسمعهم ينادون بتشجيع المرأة على دخول جميع الميادين العمل دون تركها حكرا على الرجل.
نقرأ عن تفتح أدبي بلسان رجل يكتب ما لا يؤمن به عقله الذي ما يزال مبرمجا على الموروث التربوي والاجتماعي أو ما يمليه العرف، نجده عاجز عن تقبل الأنثى كشريك يقاسمه العمل مثلا كذلك هي الطامة الكبرى التي يداريها الكثير من الأدباء والنقاد من الذين يرفضون الأنثى كأديبة تكتب ما لا يكتبه الرجل حتى أنهم يطلقون على أدبها: الأدب النسوي أو الكتابة النسوية”.
وتضيف: “إن الذين يفرقون بين كتابة الرجل وكتابة المرأة إلا أشخاص مازالت تهيمن عليهم الجاهلية الأوروبية. لا يحسبون المرأة إنسانا كامل البنية البيولوجية مستقل الفكر والجسد، تقع عليه المسؤولية كما يفرض عليها الواجب. هذا ما يغفل الرجل الأديب أو الناقد عنه إزاء المرأة الكاتبة وإن كانت زوجته (الكاتبة).
تخضع المرأة دون شعور منها تحت حكم الغريزة الأنثى على قوة شخصيتها. خلقت لتعطي للآخر ولتعتني بالآخر سواء كانت امرأة بيت تمارس الكتابة كهواية أو كاتبة محترفة فإن غريزة العطاء تغلبها، تقوم عن واجب كتابتها لتنشغل بأمور البيت والأولاد والزوج والضيوف. غريزة المرأة تسيطر عليها في كل الظروف فإن نظمت وقتها ورتبت أشغالها ووجدت وقتا منتظما للكتابة فإن عقلها دائم التفكير بالآخر”.
وتواصل: “أكدت بعض الأدبيات والصحافيات أنهن نجحن في تعليم أزواجهن وأبنائهن مبدأ: (اهتم بنفسك كأنني لست موجودة) لكنهن يؤكدن أن نداء الأمومة يطالبهن بوضع فاصل بين الكتابة لتلبية نداء الأنثى. ينطبق الحال أيضا على الفتاة الكاتبة وإن حملت عنها الأم ثقل شؤون البيت أو تقاسمته مع الأخت فإنها لا تجد من الوقت ما يكفي للكتابة والقراءة فضلا عن مراجعة الدروس وتحضيرها. عكس ما يتمتع به الرجل الكاتب (متزوج أو أعزب) يملك الوقت دون منازع ودون عوائق تناديه فتشغله عن ترك الكتابة أو وضع فواصل بينها وبين شؤون أخرى بالبيت أو خارجه.
اعترف بعض الكتاب الرجال بأداء واجباتهم الزوجية ثم الانصراف المباشر لخلوة الكتابة. عكس المرأة الكاتبة تبقى على استعداد لأي نداء، ومن الكتاب الرجال من يوصي بالتزام الهدوء وألا يزعج خلوته أحد، لكنه يزعج زوجته وإن كانت كاتبة بتحضير فنجان الشاي أو القهوة. أو إحضار كوب الماء.
المرأة العاملة أو الماكثة بالبيت لا تجد وقتا لتمشيط شعرها إلا ليلا، كذلك المرأة الكاتبة وقت كتابتها ليلا حين تغسل يديها من مسؤوليات جميع أفراد البيت وشؤونه، ساعتها تمسك القلم والورق، فكيف نعيب أدب إنسان أعطى يومه للآخر ثم سرق من آخر ليله وقتا قصيرا يكتب فيه ما يعتبره هؤلاء إسقاطات أو تعبير أدبي لإنسان يتنفس بالكتابة”.
وتوضح بخصوص تأثير العوائق كما وكيفا: “عندما تصبح الكتابة عملا ثابتا في الحياة وجب تهيئة جو يرتاح فيه الكاتب ليتفرغ تماما للإنتاج الأدبي. لم يسجل تاريخ الأدب إنتاجا منتظما لأي كاتب اشتغل في غير حقل الكتابة إلا بعد التقاعد. صرح الروائي الجزائري “واسيني الأعرج” أنه سيتفرغ للكتابة بعد تقاعده رغم عمله في حقل الكتابة والأدب. كذلك تتعثر الكاتبة كامرأة مرتبطة بمهام البيت أو كزوجة أو أخت أو كاتبة مرتبطة بمهامها المهنية كامرأة عاملة.
ذكرت الروائية التونسية “فتحية الهاشمي” أنها لم تتفرغ للكتابة إلا بعد التقاعد عن العمل الوظيفي الذي كان ينهك قواها البدنية والفكرية وأنها تفرغت كليا للكتابة بعد بلوغ أولادها عمر الشباب والاعتماد على الذات بعيدا عنها. وأن تلك الأسباب هي التي أثرت سلبا في غزارة إنتاجها وهو ما استهلك منها وقتا في تقديم أدب ناضج.
يجب التوقف عند نقطة مهمة يغفل عنها الجميع تعتبر عائقا قويا يحد من غزارة الإنتاج الأدبي للمرأة، كما ينقص من جودة كتاباتها ألا وهو تأثر جسمها بالنشاط الهرموني الذي يعكر صفو حياتها في فترة الحمل أو كل شهر مما يمنعها من الانضباط في الكتابة بالجودة التي تنتقد عليها.
بعض النساء تتوقف عن العمل أثناء الدورة الشهرية فكيف لامرأة كاتبة القدرة على الإبداع المنتظم وهي التي تحتاج وقتا للتركيز وإعادة برمجة نفسها لدخول حياة دون اضطراب، خاصة إذا كانت الكاتبة مصابة بمرض مزمن سببه خلل هرموني يعيق حياتها الطبيعية، يدخلها في حالة اكتئاب وتعب نفسي وجسدي غير محدد الأيام أو الأشهر يمنعها من القراءة التي تعتبر أساس الكتابة، كذلك يمنعها عن الإبداع الخالي من الإسقاطات النفسية والأخطاء اللغوية والإملائية.
من الغباء فصل العقل عن النفس والجسد. لا يكون الإنسان كاملا دون عقل سليم في جسم سليم ونفس سوية. فإن لم يوجد في إنسان يمارس الكتابة فكيف نقرأ له أدبا سويا؟”.
وتؤكد حول الشعور بالظلم من المقارنة: “إن الذين يميزون ويفرقون بين أدب الرجل وأدب المرأة قد ألغوا العقل. لا يوجد عقل ذكوري وعقل أنثوي إنما في الإنسان غريزة الذكر أو الأنثى التي تتحكم في طبيعة تصرفه وعمله وإنتاجه. فتجدني لا أحمل شعور الظلم على هؤلاء الكتاب أو النقاد بقدر ما أشعر بالعطف عليهم لأنهم لم يكسروا نزعة الزعامة الذكورية من عقولهم. إننا عندما نكتب نخاطب عاقلا يعقل فيفهم فيؤخذ بالكلام.
إن الأديب أو الناقد العربي لم يتحرر فكريا على أرض الواقع بقدر ما نجده متحررا على الورق أو في المجالس، هو الذي ينادي بحرية المرأة وهو ذاته يقف عائقا يمنعها عن السفر وحدها أو حضور ملتقيات أدبية دون وجود محرم متحدث من مفهومه الضيق للدين.
لنقف وجها لوجه أمام ما تعيشه المرأة الكاتبة من مؤثرات خارجية ونفسية وصحية، وسلطة رجل يتحكم في زمامها يلغيها على منصات النقد والمقارنة الأدبية، ثم نحكم بالعدل عن كمية إنتاجها ونوعيته”.
وتحكي عن انتقاد الجرأة: “توقفت زمنا عن الكتابة، لم أقتنع بالنصوص البسيطة والساذجة التي لم أشعر بتأثيرها على نفسي، سوى أنها كتابات تعجب في آنها القارئ ثم يدبر عليها دون رجوع. كان يراودني شعورا قويا أن الكتابة تشبه الزلزال في قوته يحرك العقل ويهدم فيه أفكار الجهل، والموروثات التي لم تتطور للازدهار بحياة الإنسان.
كذلك عملي وتجربتي في بلد يقيد الرجل فيه حرية المرأة باسم العرف والدين من جهة، ويمارس عليها كل أنواع العنف متناسي العرف والدين. هذه الحوصلة بعثت بداخلي روح الجرأة والثورة باسم القلم الذي أقسم به الله، أن أثور بجرأة العقل لا الوقاحة في نقد المجتمع وإعادة بنائه على أرضية صلبة تنبت جيلا متحررا يؤمن بوجود المرأة ككائن مستقل بذاته، قادر على المشاركة في بناء المجتمع. غير أن جرأة كتاباتي تعرضت بسببها للإهانة والإقصاء، نحن مجتمع يمارس الرذيلة في الخفاء ويصلي بالعلن.
بعد معاناة طويلة مع هؤلاء المنتقدين وإن كانوا من أهل الكتابة والأدب اكتشفت أنهم يرفضون نجاح المرأة كما أن كتاباتي كشفت حقيقة ما يمارسونه خلسة. الغريب أن هؤلاء ينتقدون جرأة المرأة الكاتبة إذا كتبت عن نهدها أو رحمها في نص شعري أو نثري تعالج فيه قضية مرض السرطان الثدي أو الرحم، كما كتبت عن ذلك كثيرا، لكنهم لا ينتقدون وقاحة الذين يضعون صورة المرأة الإنسان في صور شعرية أو نثرية تهز الغريزة ولا تبني العقل؟!”.
وتقول عن كون كتابات النساء مظلومة من قبل بعض النقاد: “أما الناقد في بلادنا العربية يعترف بعمالقة الأدب النسائي مثل “مي زيادة و نازك الملائكة و لميعة عباس عمارة” لأنهن ركائز الأدب الحديث. كذلك يهتم بأدب كاتبات على حساب أخريات مثل “أحلام مستغانمي” فقط لأن الإعلام أضاء أسماءهن. بيد أنه يغض النقد البناء الطرف على أسماء الأديبات المبدعات اللواتي يحتجن دعمه في مواصلة درب الكتابة. باعتبار الكتابة النقدية تزيد تحفيزا في رؤية تفاصيل أغفلها الكاتب أثناء ممارسته للكتابة سهوا فينتبه إليها. إلا أن نقادنا وجدناهم مادحين أكثر من ناقدين وذابحين أكثر من ناقدين. يمكننا الجزم أن أدب المرأة خاضع لفكرة ناقصات عقل وقلم.
ربما يوما استيقظ من غمة الذين يرون المرأة لذة وينقصون من قيمتها كإنسان ميزه الله بالعقل، يومها سآخذ وقتا كافيا من العمر لأتأكد من أن هؤلاء قد حرروا العقل من براثن الجهل والتفرقة بين المرأة والرجل كإنسان ثم كمبدع ينحت عمره حجرا في بناء مجتمع سوي يومها فقط أؤمن بوجود النقاد”.
الكاتبات فرضن أنفسهن على الساحة الأدبية..
وتقول الكاتبة المغربية “بديعة التنوتي”: “في الحقيقة نعم. وهذا ما أعاني منه أنا شخصيا ويكاد يحرمني من حمل لقب كاتبة رغم المخزون الكبير الذي بداخلي – في درج مكتبي روايتين تحتاجان للتدقيق ولم أجد بعد الوقت الكافي والتفرغ التام- أثناء المخاض أكون في قمة نشوتي وأنا أختلي بنفسي في غرفتي مع قلمي، أفكار كثيرة تتضارب وتريد أن تخرج في آن واحد، لكن تحت أي ضغط أو طرق على الباب أضعف وأترك كل شيء.
المرأة إنسان عاطفي، حساس، لها أولويات في حياتها كالأمومة والبيت والعمل. مسؤوليات تأخذ من فكرها ومن طاقتها الكثير. ومن هنا اغتنم الفرصة لأقول لهذا الكائن الجميل، المرأة الكاتبة، أن تكون أنانية خصوصا في فترة المخاض. لأن مكنون الكتابة لا يؤجل إما أن يكون في وقته أو لا يكون”.
وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “طبعا، لأن الكتابة بحر واسع وهي ليست مجرد حبر على ورق، الكتابة بوح عما يخالجك من الداخل.. تحتاج لتفرغ تام لتمكن صاحبها من إتمام المهمة على أحسن وجه”.
وعن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص تقول: “رغم أن هناك نساء كاتبات تفوقن على الرجال في هذا الميدان، أرى أنه من الظلم المقارنة بينهما لأن الرجل الكاتب له مساحة أوفر عندما يكتب قد ينتقل إلى مدينة ساحلية في فصل الشتاء ليختلي بنفسه بعيدا عن الضوضاء والتوتر ليعطي للكتابة حقها الكامل. هذا حق أتمنى أن تحظى به المرأة الكاتبة أيضا”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “النقد إما أن يكون بناء أو لا يكون، أما أن تنتقد المرأة لجرأتها لمجرد أنها امرأة فأنا ضد هذا التعسف. المرأة الكاتبة أو بالأحرى الإنسان الكاتب، رجلا كان أم امرأة، شخص حر في تخيلاته، في تعبيراته.. والعمل الجيد يفرض نفسه.. وتحية من القلب لكاتبات فرضن أنفسهن على الساحة الإبداعية رغم كل الإكراهات التي مرت بها”.
وعن كون كتابات النساء مظلومة من بعض النقاد تقول: “نعم ولكنني متفائلة لما وصلنا إليه الآن، كاتبات في المستوى فرضن أنفسهن على الساحة الإبداعية بل هناك من تفوقن على الرجل الكاتب .. المرأة الكاتبة عانت الأمرين في الماضي حيث كانت تكتب في سرية تامة وإذا نشرت تنشر باسم مستعار أما الآن ولله الحمد لدينا كاتبات نفتخر بهن”