26 ديسمبر، 2024 3:34 م

النساء والكتابة (23): مازالت المرأة تعاني من مشكلات اجتماعية، كما تعيش اضطهاد أسري

النساء والكتابة (23): مازالت المرأة تعاني من مشكلات اجتماعية، كما تعيش اضطهاد أسري

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تطالب بعض الكاتبات بتخفيف الأعباء عن كاهل المرأة، التي يطلب منها فعل أشياء كثيرة، لتبدو بعد وقت مثل الآلة السحرية التي يريد الرجل أن تقوم بفعل كل الأشياء، آلة ترعى الأطفال والمنزل، وتجلب المال، وتقلل النفقات، وتدبر أمر تنظيم الحياة. كما لا يتم الاعتراف بحقها أن تكتب، فبعض الأزواج يعتبرون الكتابة مضيعة للوقت، وربما افتئات على واجبات المرأة المنزلية والعملية. والصعوبات كثيرة حتى إن استطاعت المرأة دخول مجال الكتابة.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

كسر حاجز الصمت..

تقول الشاعرة والمترجمة “تغريد بو مرعي” لبنان/ البرازيل: “المرأة اليوم تختلف عن المرأة في الأمس، والمشهد الثقافي الذي يسيطر عليه الرجل في حقبة زمنية سابقة، وقد تغيّر بعد  تحقيق المرأة للعديد من النجاحات في حياتها على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية والأدبية.

إلا أنّ مشاركتها على الصعيد الأدبي ما تزال بعيدة عن أن تكون متساوية للرجل، وهي قليلة نسبيًا مقارنة بما يقدمه الرجل، وذلك بسبب الأعراف الاجتماعية التي يغلب عليها سيطرة الرجل، وكذلك خوفًا من ردة فعل المجتمع لما تبوح به مشاعرها وعواطفها، لاسيما أن من يصور المشهد الثقافي هم الذكور، ومن مصلحتهم تنميط صورة المرأة (الرومانسية العاطفية الضعيفة)، من أجل ترسيخ هذه الصورة في الأذهان تأكيدًا لمصطلح الجندر.

فرغم النضج الثقافي للمرأة، إلا أنها لا تزال مهمّشة الأدوار لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية، نظرًا لوجود العديد من العناصر المؤثرة، على مسألة الاعتراف بموهبتها الكتابية، كعدم إيمان البعض بدورها خارج النطاق الأسري. فما زالت المرأة العربية تعاني من مشكلات اجتماعية، كما تعيش اضطهاد أسري، فكيف بإمكانها المشاركة بفاعلية في الحياة الثقافية، وهي ضحية إهمال مجتمعي وأسري، مما يتطلب المزيد من الجهود لتشجيعها  ومساندتها وإتاحة الفرص المتكافئة في طريقها.

وتضيف: “هناك عدة موروثات ثقافية خاطئة لا تمت بصلة إلى الأحكام والتعاليم الدينية، وللأسف الشديد ما يزال يُنظر إلى المرأة كجسد فقط بلا كيان وأنها غير مؤهلة للمشاركة في الحياة الثقافية أو غيرها، ومؤهلاتها تنحصر فقط في البيت وتربية الأولاد، إلى حد التفكير بأن خروجها عن هذا الدور يخالف الأحكام الشرعية.

وإذا كانت المرأة بشكل عام معرضة للتقليل من دورها وكيانها في المجتمعات، فكيف نتعجب من استبعادها على الصعيد الأدبي والثقافي،  بشكل تصبح فيه هي ضحية الرجل الذي يتصدر المشهد الثقافي العام، بينما هي حبيسة مشهد ثقافي معين،  فإذا قامت وتخطت الخطوط الحمراء كما يسميها الرجل، تجد الآلاف يقفون بوجهها ويقذفونها بالشتم والذم وينبذونها وكأنها قامت بإثم عظيم، ومثال كبير على ذلك المرحومة “د. نوال السعداوي”.

وكي تتمتع المرأة بقدر مهم من المشاركة في الحياة الثقافية، يجب أن لا يقتصر دورها وتعبيرها على ملمح معين من ملامح الحياة، فهي صانعة قرار، فلا يحق استبعادها عن الشأن السياسي والوطني، فلها كل الحق في التعبير عن أفكارها وآرائها بحيث تشمل كل المواضيع حتى السياسية والوطنية منها”.

وتواصل: “برأيي المرأة تستحق أن تكون كاتبة، لا فرق بينها وبين الرجل، وفكرة أن الكتابة ذكورية فهي مرفوضة، فالجانب العملي للمرأة في تاريخ الأدب العربي، لاسيما في العصر الإسلامي كان بارزًا، تكتب الرواية وتطلق الشعر، لذا لا يجب أن نفرّق بين الكتابة النسائية والذكورية، بل لا بدّ من تقييم العمل الإبداعي والحكم عليه من خلال قيمته الأدبية، وأن كتاباتها جديرة بالقراءة وتوازي في قيمتها الأدبية وجوهريتها كتابات الرجل.

فالأدب كيفي وليس كمي، وبما أن كتابات المرأة توضع دومًا تحت المجهر، فهناك أحيانًا تقصيرًا منها وأحيانًا أخرى هناك إهمال لإبداعاتها، وكل ذلك مردة إلى عوامل عدة منها الموروث الثقافي كما سبق وتحدثنا.

والرجل منذ نصّب نفسه وصيًا على اللغة، وحاجز اللغة محكومًا بالذكورية، وإن كان لم ينصفها في الحياة العامة فكيف سينصفها في الشعر والأدب ويقرأ لها ويعترف بموهبتها..!؟”.

وتؤكد: “أمّا بالنسبة لدور النقد، فبرغم ما يقابل الكتابة النسائية الفهم الخاطئ من قبل المجتمع، إلّا أنني لا أرى أي إجحاف أدبي ونقدي في كتاباتها، فقلم المرأة حاضر وبقوة، وقد أخذت حقها في الدراسة والتحليل، والاحتفاء بكتبها ودواوينها من خلال حفلات التوقيع والمهرجانات الخاصة بالشعر والأدب، وكذلك من خلال اللقاءات المباشرة وغير المباشرة، ورغم ذلك فالساحة الثقافية تحتاج إلى نقاد ودراسات تحليلية عميقة وشاملة لترقى بالعمل الإبداعي وتسمو به بعيدًا عن المجاملات.

أنا ككاتبة، أتمنى أن يعي الرجل أن وجوده منفردًا في المشهد الثقافي هو إجحاف بحق المرأة، وعليه أن يؤمن بموهبتها وأن يعترف بشاعريتها ويناقش عقلها، ويعاملها كإنسان لا كأنثى، ويحاورها كمثقفة، خاصة وأن التاريخ يشهد بجدارة المرأة ومكانتها وقدراتها على العطاء المستمر والقيادة.

ويبقى أن أوجه عباراتي للمرأة نفسها، بأن يتوافر بالفعل لديها الإرادة والقوة لأن تنخرط في الساحة الثقافية وتثبت جدارتها، و أن تتحرر من القيود ولا تستكين للفروض والواجبات التي أقرها الرجل عليها، وتبقى في ذلك الركن الذي وضعها فيه، وأن تكسر حاجز الصمت”.

لا توجد منظومة نقد منصفة..

وتقول الكاتبة العراقية “صبيحة شبر”عن صعوبات للتفرغ للكتابة: “هناك صعوبات كثيرة وكبيرة تواجه الكاتبات، فمهامها لا تنتهي، وأعمال المنزل لا يمكن أن تقل وهي ساهرة على رعاية الأبناء والاهتمام بهم، وعلى عاتقها رعاية الأسرة والحرص على رعاية أفرادها وتقديم  العناية لهم، بالإضافة إلى عملها خارج المنزل، فكيف يمكن للكاتبة أن تنعم بالتفرغ.

فهي لا تجد الوقت الكافي  للكتابة لأن الأعمال تتراكم ولا تجد أحدا يمكن أن يمد لها يد العون، وخاصة أن كان ما تتقاضاه الكاتبة لقاء عملها خارج المنزل لا يكفي لتلبية حاجاتها وحاجات أسرتها وأولادها الصغار، فتقوم بالبحث عن عمل ثان يمكن أن يساعدها في توفير ما تتطلب الحياة.

وكثير من الأزواج لا يشجعون زوجاتهم على الكتابة، فما أن تجلس الكاتبة وتشرع في التعبير عن متاعبها ومتاعب المجتمع الذي تعيش بين أفراده، حتى يصرخ الطفل طالبا شيئا ما، وإن كان الأطفال قد كبروا وينتظرون أمهم حتى تنتهي من كتابتها، فإن الزوج غالبا ما يطلب شيئا أثناء انهماك الكاتبة، فالوقت هنا يصبح من الصعب العثور عليه، فالكاتبة تنتظر أن يهرع الجميع إلى أسرتهم حتى تبدأ كتابتها في  حالة الهدوء. وبهذا تحرم الكاتبة من ساعات النوم التي يحتاجها عمرها، فتصبح صحتها مهددة، وتجد نفسها مرهقة في اليوم التالي فلا تحقق الرضا عن نفسها وعن ما قامت به من عمل، تستطيع أن تؤجل الكتابة ولا يمكن أن تتأجل أعمال المنزل ولا يمكن أن تتأخر في مضمار العمل، وحين تتأجل الكتابة تنسى الكاتبة ما أرادت أن تسجله وتتحدث عنه”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات على مستوى الكم والكيف تقول: “العوائق كثيرة ومتشعبة، تتراكم على الكاتبات، ولا تدعها تستمر بالكتابة، فإن تحدت الكاتبة هذه العوائق قد يأتي إنتاجها متدنيا لا ترضى هي نفسها عنه، وإن كان نتاجها الأدبي مرضيا عنه، قد لا تتمكن الكاتبة من مواصلة الكتابة رغم الظروف الصعبة التي تحيط بها، لهذا أنا لا أطالب بالتفرغ.

العمل يكسب الإنسان تجارب كثيرة لم يعشها، بل سمع عنها، كيف يواصل الإنسان الكتابة وهو لم يعش بين أفراد مجتمعه ويتعرف على مشاكلهم وطموحاتهم، أطالب هنا أن تقل الأعمال المنزلية التي تلقى على عاتق الكاتبات، وأن تجد في الأسرة من يعينها، وألا يجلس الجميع وينتظرون من المرأة أن تقوم بكل الأعمال، التنظيف والطبخ والتسوق وتربية الأطفال ورعايتهم، بالإضافة إلى العمل على تحسين الظروف الاقتصادية التي تحيط بالأسرة.

فعصب الحياة هو الاقتصاد، بدون المال لا يمكن أن نتعلم أو نأكل وأن نكسب الصحة، وحتى الثقافة والاطلاع على الكتب لا يمكننا القيام بها لولا النقود التي تتعب المرأة وتبذل جهودا جبارة من أجل كسبها لإسعاد أسرتها”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء تقول: “عادة  لا تتم المقارنة بين النساء والرجال في كل المجالات وليس في الكتابة لوحدها، فالرجال يملكون كل شيء، ولكن بعضهم يعاني من الظلم وشدة الأعباء الملقاة على كواهلهم، عادة تتم المقارنة بين  امرأة وأخرى، في التمتع ببعض النعم، فبعضهن غنيات دون أن يكون لهن الفضل في الغنى، تستطيع الغنية الميسورة الحال أن تتفرغ للكتابة وكل الأنشطة، لا أحد يطلب منها أعمالا منزلية ولا العمل خارج المنزل، أما العاملة في البيت والخارج فالمجتمع يطالبها بكل شيء، إتقان العمل والاقتصاد في النفقات رغم أنها من يعمل ويصرف.

كما يطالبها أيضا بأن تحسن الطبخ وأن تحسن معاملة الناس وأن تكون الابتسامة مرسومة على وجهها مهما تكن المصاعب التي تحيط بها، حتى وإن اتخذ زوجها طريقا آخر خارج المنزل، يجب عليها ألا تشتكي، فهي الآلة التي تبيض ذهبا دون أن تجد ما يجلب لها الراحة فهي في عناء مستمر”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “الجرأة أنواع كثيرة  بعضها مفيد إن كان من مصلحة الحياة وسعادتها، والبعض الآخر صادم يخدش الحياء، فالمرأة لا يراد منها أن تطرق الأبواب الساخنة جدا  والكاتبات عليهن أن يتناولن كل المواضيع وأن لا تقتصر كتاباتهن على الجانب الجنسي، وإن كانت المعالجة بالطريقة العلمية فلا بأس بها، أما إن كانت الكتابة من أجل الإثارة، فهذا من الأمور المعيبة”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “لا توجد منظومة نقدية منصفة في بلادنا، تبين للكاتب من جوانب الإبداع الجميلة وما عليه من مناطق الإخفاق، فالنقد مبني على العلاقات الاجتماعية يرفع لإرضاء الأهواء وخدمة المصالح، وقد لا يجد الكاتب والكاتبة خصوصا من يتناول أعمالها بكل صدق، فكتابات النساء تعاني من ظلم كبير، النقاد المنصفون قلة في مجتمعاتنا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة