ما الذي أحدثته الانتخابات في ألمانيا .. هل أصبح “شولتس” رجل المرحلة المقبلة ؟

ما الذي أحدثته الانتخابات في ألمانيا .. هل أصبح “شولتس” رجل المرحلة المقبلة ؟

وكالات – كتابات :

تمكن “أولاف شولتس”؛ و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، (يسار الوسط)، من هزيمة “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، (يمين الوسط)، حزب “أنغيلا ميركل”، لكن نتائج معركة التصويت صبَّت جميعها في مصلحة تيار الوسط. وحول هذه الانتخابات والنتائج، أعدَّت “جين كيربي”، مراسلة شؤون الخارجية والأمن القومي، تقريرًا نشره موقع (ڤوكس) الأميركي، استعرضت فيه نتائج الانتخابات الألمانية؛ ومَنْ سيخلف “ميركل”؛ في منصب المستشار الألماني.

“شولتس” يثقل كفة “الاشتراكي”..

في مطلع التقرير، تُشير المراسلة إلى أن النتائج الأولية للانتخابات الألمانية أظهرت أن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” حقق تقدمًا ضئيلًا. ودفعت هذه الأخبار الحشود للتدفق نحو مقر الحزب الرئيس في العاصمة الألمانية، “برلين”، وسط تعالي الهتافات والتصفيق. وبدت “ألمانيا”، بعد 16 عامًا من حكم حزب “ميركل”؛ وكأنها على وشك تغيير سياسي.

واستغرق الأمر بضع ساعات أخرى، حتى أعلن مسؤولو الانتخابات، يوم الإثنين عن نتائج الانتخابات البرلمانية، والتي أفادت بفوز “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، بنسبة: 25.7%، متقدمًا بفارق ضئيل على “حزب المحافظين”، الذي قادته “ميركل”، قرابة عقدين من الزمان، محققين نسبة: 24.1% من الأصوات. ويُعد هذا تحولًا ملحوظًا لـ”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، والذي تخلَّف في معظم استطلاعات الرأي قبل الانتخابات. لكن الحزب قدَّم مرشحه، وزير المالية، “أولاف شولتس”، بوصفه قائدًا ذا كفاءة وصاحب شخصية متزنة ليخلُف “ميركل”. وأسدى خصوم “شولتس” خدمات كثيرة له، (عن غير عَمْد)، إذ ارتكب مرشح “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، “أرمين لاشيت”، بعض الأخطاء الفادحة، وأسهم فقدانه للشعبية على ما يبدو في خسارة حزبه للانتخابات.

من أجل تغيير متواضع..

ويُوضح التقرير؛ أن التقدم الطفيف الذي حققه “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” يُعد نوعًا ما تصويتًا من أجل تغيير متواضع. وسيحصل حزب يسار الوسط، لأول مرة منذ 16 عامًا، على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الألماني. وصحيحٌ أن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” فاز بهذه المعركة في الانتخابات، لكن العملية التي يصعب التكهن بها تبدأ الآن عند محاولة تشكيل الحكومة الألمانية المقبلة.

إن نظام التمثيل النسبي في “ألمانيا” يعني أن المرشحين لمنصب المستشار الألماني ليسوا منتخبين انتخابًا مباشرًا، وأن كلًّا من “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” سيغازلان الأحزاب الأخرى لمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية، وقد يسفر هذا عن أسابيع وربما شهور من حالة عدم اليقين. ومن المؤكد أن “ميركل” ستبقى في منصب المستشارة لتصريف الأعمال حتى تُحدِّد “ألمانيا” مستقبلها السياسي.

حملة انتخابية لتغيير طفيف !

يلفت التقرير إلى أن كلمة: “Kompetenz”، أو “الكفاءة”؛ باللغة الألمانية، كانت تضيء على شاشة فيديو في التجمع الجماهيري الختامي لـ”شولتس”، في مدينة “كولونيا”، ويبدو واضحًا ما الذي كانت تحاول حملة “شولتس” الانتخابية الترويج له. ولم تكن تلك الرسالة خفية، لكنها حققت المرجو منها: وهو تصوير “شولتس”؛ وكأنه خليفة لـ”ميركل”، على الرغم من أنهما ينتميان لحزبين مختلفَيْن.

وألمح التقرير إلى أن “شولتس” يتولى حاليًا منصب نائب المستشارة “أنغيلا ميركل”، ووزير المالية في الحكومة الائتلافية الحالية، وأسهم هذا الدور في ظهوره بصفته أفضل خليفة لـ”ميركل”. يقول “لارس كلينغبيل”، الأمين العام لـ”الحزب الاشتراكي الديمقراطي”: “الحزب الاشتراكي الديمقراطي لديه مرشح بديل جيد لأنغيلا ميركل، وهذه هي قصة الانتخابات كاملة”.

ويُنوه التقرير إلى أنه من أجل الفوز بهذا المنصب، تبنى “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” مقترحات سياسية متواضعة ركزت على قضايا مثل بناء مساكن ميسورة التكلفة والحفاظ على نظام المعاشات وتطبيق 12 يورو حدًّا أدنى للأجر في الساعة. كما كان “تغير المناخ” قضية بارزة في الحملة الانتخابية؛ إذ تحدث “شولتس” عن توسيع القدرة الكهربائية في “ألمانيا” ودعم الصناعات؛ مع تحول “ألمانيا” نحو مصادر الطاقة المتجددة. وقرن “شولتس” هذه الرسالة بفكرة أشمل؛ وهي أن هذه السياسات تتعلق بكرامة العمال، وهي رسالة موجهة إلى الناخبين من الطبقة العاملة في الحزب. وصوَّر الحزب “شولتس” على أنه: “ميركل ولديه خطة”، مقدمًا توجهًا جديدًا إن لم يكن تغييرًا جذريًّا.

هل الرجل المناسب في المكان المناسب ؟

ينقل التقرير عن “أوركان أوزدمير”، مرشح الحزب لعضوية “برلمان برلين”، عن منطقة “فريدناو”، قوله إن “شولتس” كان: “الشخص المناسب في الوقت المناسب”. وبدا الأمر مشابهًا إلى حد كبير لأسلوب تقديم، “جو بايدن”؛ في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لعام 2020، غير أن “شولتس” قُدِّم على أنه استمرار لاستقرار “ألمانيا” بدلًا من كونه ترياقًا للاضطرابات.

بيد أنه من الصعب تجاهل أن “شولتس” استفاد كثيرًا من نقاط ضعف خصمه “لاشيت”، الذي أدَّت بعض خطواته إلى انخفاض الدعم لـ”الحزب الديمقراطي المسيحي”. وواجه “لاشيت” تدقيقًا مكثفًا بعدما شوهد يضحك خلال تأبين لضحايا الفيضانات الألمان في شمال “الراين”، بالإضافة إلى أخطاء أخرى أسهمت في فقدانه شعبيته الهشة بالفعل، وحالت دون أن يبدو مرشحًا للاستقرار.

ويؤكد التقرير أن الانتصار الذي حققه “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” جدير بالملاحظة؛ لأنه كان في وضع أضعف منذ عهد ليس ببعيد. وتعرض الحزب لهزيمة مؤسفة، في انتخابات 2017. وكان “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” شريكًا ثانويًّا في ائتلاف “ميركل”، والذي أضر به مع كثير من أعضائه اليساريين، الذين رأوه مثل: “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، ومع الناخبين الوسطيين، الذين أعتقدوا أنهم قد يصوتون لصالح “ميركل”.

ولاحظ معظم أفراد الحملة الانتخابية تخلف “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” عن كل من: “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” و”حزب الخضر”. وأسهمت فضائح مرشحة، “حزب الخضر”؛ هذا الصيف، في سقوط حزبها، لكن حتى قبل شهر تقريبًا من الانتخابات، لم يكن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” متقدمًا على “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”. ومع ظهور النتائج، كان هناك شعور في المقر الرئيس للحزب بالنجاح بسبب التمكن من إحراز هذا النوع من التحول بغض النظر عما يحدث عند تشكيل الحكومة.

الصعوبة تكمن في تشكيل الحكومة..

أوضح التقرير أن الانتخابات الألمانية انتهت، لكن يتعين على الأحزاب الآن تشكيل الحكومة المقبلة. ولا يوجد حزب لديه ما يكفي من الدعم ليحكم بمفرده، لذلك سيتعين على الأحزاب الرئيسة التواصل مع الأحزاب الأصغر لتشكيل حكومة ائتلافية. وكانت هذه هي القاعدة في عهد “ميركل”؛ إذ ظل “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” في حكومة ائتلافية مع “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، طيلة 12 عامًا من الأعوام الستة عشرة الماضية.

وصحيحٌ أن التقدم الطفيف الذي أحرزه “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” يعني أن الحزب سيفوز بأكبر عدد من المقاعد في “البرلمان الألماني”، لكنه لا يوفر أكثر من ذلك. ويتواصل حزبا: “الاشتراكي الديمقراطي” و”الاتحاد الديمقراطي المسيحي”؛ مع الأحزاب الأخرى لمحاولة تشكيل الحكومة. ويفترض “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” أن نتائج الانتخابات تمنحه تفويضًا، ومن المحتمل أن يكون ذلك ميزة في أي محادثات يجريها مع الأحزاب، لكنه ليس ضمانًا بأنه سيُشكل حكومة أو أن يكون جزءًا من أخرى.

ويُشير التقرير إلى أنه إذا أراد “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” أن يُشكل الحكومة، فهو بحاجة إلى “حزب الخضر”، (15% من الأصوات)، و”الحزب الديمقراطي الحر”، (11% من الأصوات). وإذا أراد “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، أن يُشكل الحكومة، فسيكون بحاجة إلى هذين الحزبين أيضًا. وعلى الرغم من أنه من المبكر استبعاد ذلك تمامًا، فقد أعلن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” أنهما لا يُريدان تكرار تحالف آخر من خلال الشراكة معًا.

التحالفات الأكثر ترجيحًا..

يستدرك التقرير موضحًا أن المشكلة تكمن في أن أيًّا من الائتلافات المحتملة تبدو ملائمة تمامًا. إذ يوجد “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” و”حزب الخضر” على يسار الطيف السياسي، مما يعني أنه يمكنك توقُّع اتفاقهما في السياسات. لكن مع إلقاء نظرة على “الحزب الديمقراطي الحر”، الذي يبدو متشككًا بعض الشيء في الحكومة، ستجد أنه عليك تقديم كثير من التنازلات بشأن قضايا مثل: الضرائب مثلًا. ويواجه “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” المشكلة نفسها، فهو بحاجة إلى “الحزب الديمقراطي الحر”، الذي يتوافق كثيرًا مع المحافظين بشأن القضايا الاقتصادية. لكن “الخضر” ليسوا كذلك مطلقًا.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن تحالف: (الاشتراكي الديمقراطي والديمقراطي الحر والخضر)؛ هو المرجَّح أكثر، لكن هذا لا يعني ضمان عملية سلسة. وقد يستغرق تشكيل الحكومة أسابيع وربما أطول من ذلك للتوصل إلى اتفاقات وتسويات. وتظل هنا فرصة أمام “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” للإنضمام إلى حزبي: “الديمقراطي الحر” و”الخضر”، فيما يُعرف باسم: “تحالف غامايكا”؛ لأن الأسود والأصفر والأخضر، هي ألوان علم “غامايكا”. ولا يمكن النظر إلى أي من هذا على أنه غير عادي. إذ تعمل الأحزاب السياسية الألمانية معًا بانتظام في تحالفات مختلفة، لا سيما في حكومات الولايات والحكومات المحلية.

وتختم المراسلة تقريرها بالإشارة إلى أن هذا يُسهم في تفسير تصويت “ألمانيا” لصالح تغيير طفيف. وقد إنهار النظام السياسي الألماني، خلال السنوات الأخيرة، مع فقدان حزبي يسار الوسط ويمين الوسط لتأييد الأحزاب الثانوية. لكن من أجل الحكم، تضطر هذه المعسكرات المختلفة إيديولوجيًّا أحيانًا إلى تكوين هذه التحالفات، وضرورة تبني الاتجاهات المعتدلة حتى تميل الأمور نحو الوسط.

ومع ذلك، فإن المناورات بشأن الائتلاف يمكن أن تجعل السياسة الألمانية أكثر تقلبًا نوعًا ما. وبينما تتفاوض الأحزاب، ستظل “ميركل” موجودة لمدة أطول، لكنها ستغادر في نهاية المطاف. إن التغيير قادم، لكن الأمر متروك للمستشار الألماني والحكومة القادمين لتحديد مقدار هذا التغيير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة