وكالات – كتابات :
توجه الشعب الألماني، الأحد الماضي، إلى صناديق الاقتراع لتعيين خلفٍ للمستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل”، التي سيطرت على المشهد السياسي الألماني، طوال مدة 16 عامًا، وسيحتاج الأمر إلى أسابيع؛ وربما أشهر؛ قبل تشكيل الحكومة. يلخص أستاذ التاريخ الدولي بجامعة “فليندرز”، “مات فيتزباتريك”، في مقاله المنشور على موقع (ذا كونفرزيشن)؛ ما لدينا من معطيات حتى الآن، بشأن هذه الانتخابات المفصلية وفرص مختلف الأحزاب المعنيّة في الساحة.
01 – الأحزاب التقدمية أكبر الرابحين..
أضاف كل من “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، (SPD)، و”حزب الخضر” – أحزاب وسط اليسار – أكثر من: 5% إلى أصواتهم.
أما “الحزب الديمقراطي المسيحي”، (CDU)، (حزب ميركل)، فانتهى بأسوأ أداء له في فترة ما بعد الحرب، حيث سجل: 24.1% فقط؛ ضمن التصويت الشعبي، وهو ما يعني أن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” – الذي يُشكل حاليًا: 25.8% – سيكون له الحق في محاولة تشكيل حكومة.
ويقول “فيتزباتريك”؛ إنه قبل عام من الآن؛ لم يكن الكثيرون ليقولوا إن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، بقيادة “أولاف شولتس”؛ سيُصبح في وضع يسمح له بتشكيل حكومة. فبعد الفترة الطويلة والطاحنة التي تحملها الحزب؛ بمثابة حزب أصغر ضمن: “ائتلاف ميركل الكبير”، لـ”الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، (CDU) – وسط اليمين – تساءل النقاد عما إذا كان “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” يمكن أن ينجو من التحدي الذي تواجهه قاعدته؛ مقابل “حزب الخضر” و”الاتحاد المسيحي الديمقراطي”، الأكثر وسطية.
ويعتبر الكاتب أن الانتخابات، التي جرت في نهاية هذا الأسبوع؛ أظهرت مرونة الحزب وسط هذا المشهد الانتخابي المحتدم.
02 – الاتحاد الديمقراطي المسيحي يدفع ثمنًا باهظًا لإخفاقه في خطة خلافة “ميركل”..
أعلنت “ميركل” تقاعدها، في عام 2018، ولذلك توفر لـ”الاتحاد الديمقراطي المسيحي” متسع جيد من الوقت للتفكير في فترة ما بعد “ميركل”.
ويُذكّر “فيتزباتريك” بمجريات السنوات القليلة الماضية، حيث أجرى الحزب تجارب مع إثنين من الوسطيين على شاكلة “ميركل”. الحالة الأولى تتمثل في السياسية الألمانية، “أنغريت كرامب كارينباور”، والتي استقالت من القيادة عام 2020؛ بعد تقدم اليمين المتطرف في انتخابات ولاية “تورينغيا” الألمانية.
وبعد اقتراع آخر للحزب، اختير “أرميت لاشيت”؛ زعيمًا لـ”الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، وإن كان العديد من ناخبي الاتحاد يفضلون رئيس وزراء ولاية “بافاريا”، “ماركوس سودر”، الذي انسحب من سباق الزعامة، في نيسان/إبريل الماضي. فشل أسلوب “لاشيت” السياسي في اكتساب زخم خلال الحملة الانتخابية، في حين بدا أن الطابع الوقاري لـ”شولتس”، من “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، وسياسات “الخضر” الطارئة قد ضربا على وترٍ حساس في الفترات القاتمة الأخيرة.
03 – لم يحصل الفائزون على مبتغاهم..
الحديث عن “انتصار” الحزب الديمقراطي الاشتراكي، و”فشل” الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ هو أمر نسبي. في الواقع، لا يفصل بين الحزبين سوى أقل من: 2%، ويمتلكان حوالي: 50% فقط؛ من الأصوات على المستوى الوطني، وهو بالكاد يكفي لتحالف كبير آخر.
يُشير الكاتب إلى آخر مناظرة متلفزة ظهرت قبل الانتخابات، حين أوضح “شولتس”؛ أنه إذا كانت لديه الفرصة لتشكيل حكومة ائتلافية فإنه يُفضل القيام بذلك مع “حزب الخضر”. لكن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” لن يتمكن من تشكيل حكومة مع “الخضر” وحدهما، سيحتاجان إلى حزب ثالث الآن.
04 – محادثات مقبلة شائكة بشأن تشكيل التحالفات !
الحكومات الائتلافية هي القاعدة العامة في الحالة الألمانية، لكن تشكيل الحكومة لن يكون أمرًا سهلًا هذه المرة. ويقول “فيتزباتريك”؛ أن هناك عدد من احتمالات التحالف بأسماءٍ تنبع غالبًا من الأطياف المرتبطة بالأحزاب.
يشمل هذا: “ائتلافًا كبيرًا” آخر لأكبر حزبين، “الحزب الديمقراطي الاشتراكي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، أو “كينيا”، (الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والخضر)، أو – بإحتماليةٍ أصغر – “غامايكا”، (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والخضر، والحزب الديمقراطي الحر المروج للسوق الحرة، FDP). وقد يتكون ائتلاف: “الإشارة الضوئية”، (الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر الألماني).
ألمح البعض سابقًا إلى أن “حزب اليسار الاشتراكي” الألماني، (Die Linke)، ربما يكون قد ضُم إلى ائتلاف حاكم من الأحزاب اليسارية؛ لأول مرة على المستوى الفيدرالي، ويُعرف باسم ائتلاف: “الأحمر والأحمر والأخضر”. وحتى بوجودهم، ما يزال “شولتس” يفتقر إلى مقاعد كافية للحكم على أية حال.
بدأت المحادثات المتعلقة بتشكيل التحالفات من وراء الكواليس، وشرعت الأحزاب الرئيسة بإعلان شروطها للإنضمام إلى الائتلاف الحاكم خلال تغطية الانتخابات، مساء الأحد الفائت.
05 – بقي اللاعبون الصغار صغارًا..
يُذكّر الكاتب بالمناقشات الائتلافية الأخيرة، لعام 2017، حين اختار “الحزب الديمقراطي الحر”؛ الحفاظ على نقاء مبادئهم على أن يضطلعوا بدور شريك صغير ضمن الحكومة.
ولا يستغرب “فيتزباتريك”؛ أن يعاود “الحزب الديمقراطي الحر” تكرار هذا الخيار مرة أخرى، حيث يبدو أن زعيمهم قد استبعد ما يُسمى بائتلاف “الإشارة الضوئية”، مع “الحزب الديمقراطي الاشتراكي” و”الخضر”؛ لأنه لن يقدم التخفيضات الضريبية التي يريدها “الحزب الديمقراطي الحر”.
في غضون ذلك، عاش “حزب اليسار” ليلة مروعة بخسارته ما يقرب من نصف أصواته، واعتماده على قواعد انتخابية معقدة؛ ليتمكن من الجلوس في “البرلمان الألماني”، بأقل من: 5% من الأصوات المطلوبة.
06 – تراجع التصويت الإجمالي لليمين المتطرف..
تراجعت الأصوات لليمين المتطرف إلى نسبة: 10.5%، على الصعيد الوطني، لكنها ما تزال مرتفعة إلى حد مقلق في بعض المناطق، لا سيما الولايات الشرقية في: “تورينغيا، وساكسونيا”، و”ساكسونيا-أنهالت”. ويذكر الكاتب حزب “البديل من أجل ألمانيا”، اليميني، المتطرف على وجه التحديد، الذي يصفه بالتهديد الأكبر للديمقراطية الألمانية. ليس ناخبو هذا الحزب من المتقاعدين المعتزين بثوابت النظام الشيوعي القديم كما يتصور البعض، بل أكثرهم من الألمان الشرقيين الشباب ومتوسطي العمر الذين صوتوا ضد الهجرة وإجراءات مكافحة فيروس (كوفيد-19) و”النظام”.
استبعدت جميع الأحزاب الأخرى فكرة التعاون السياسي مع هذا الحزب المنبوذ تمامًا، وهي علامة مشجعة بعد أزمة ولاية “تورينغيا”، عام 2020، حين تحالفت أصوات من “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” و”الحزب الديمقراطي الحر” مع “حزب البديل من أجل ألمانيا”؛ لدعمهم في حكومة الولاية.
07 – التيار السائد مع “حزب الخضر”..
تأمل “حزب الخضر” في الفوز بالانتخابات في مرحلةٍ ما، وبالرغم من فشلهم في تحقيق ذلك بفارق نسبة: 14.6% من الأصوات، إلا أن الانتخابات جرت في مناطقهم، وقد وجدت جميع الأطراف نفسها مجبرةً على شرح خططهم لإيصال “ألمانيا” إلى مرحلة تنخفض فيها إنبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للإحتباس الحراري وتحقيق أهداف الاقتصاد الأخضر. ونجاحهم في نهاية الأسبوع؛ يعني استعدادية “ألمانيا” إلى مواصلة دعمها لهذه الأهداف البيئية.
ترجمة: عفاف الحاجي