“فرنسا” لم تُعد قوة عظمى .. “صفعة” الغواصات تطيح بحلمها الإمبريالي الغابر !

“فرنسا” لم تُعد قوة عظمى .. “صفعة” الغواصات تطيح بحلمها الإمبريالي الغابر !

وكالات – كتابات :

فشل إبرام “صفقة الغواصات” مع “أستراليا” يُثير تساؤلات بشأن وجود انقسام يصعُب تجاوزه؛ بين رؤية “فرنسا” لنفسها على الصعيد العالمي وقوتها الفعلية على الأرض.

تناولت صحيفة (نيويورك تايمز) تداعيات فشل “فرنسا” في إبرام اتفاقية مع “أستراليا”؛ من أجل تزويد “كانبيرا” بغوَّاصات تعمل بالطاقة النووية، وذلك في تقرير أعدَّه، “نوريميتسو أونيشي”، مراسل الصحيفة الأميركية في العاصمة الفرنسية، “باريس”، الذي خلُص إلى أن تراجُع قوة “فرنسا” يُعد من بين الموضوعات التي غالبًا ما تظهر على الساحة، لا سيما أثناء الانتخابات، وأن التيارات اليمينية ونظيرتها اليمينية المتطرفة تروِّج لهذا التراجع.

يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن نوبات الغضب التي اندلعت في “فرنسا”؛ بشأن إبرام اتفاق أميركي سري لتزويد “أستراليا” بغوَّاصات تعمل بالطاقة النووية، تطرح سؤالًا واحدًا مفاده: هل يمكن أن نضع أيدينا على موضع الخلل ؟

وبعد كثير من الحذر في “فرنسا” بشأن هذا الموضوع، طرحت صحيفة الرأي (L’Opinion)؛ في مُقدِّمة صفحتها الأولى سؤالاً مألوفًا لأي شخص يعرف شخصية “سنو وايت”، وهو: “أيتها المرآة المُعلَّقة على الجدار، أخبريني إذا كنت ما أزال قوةً عُظمى !”.

فرنسا وبقايا حلم إمبريالي غابر !

وينوِّه “أونيشي”؛ إلى أن “أوروبا” مليئة بالقوى الإمبريالية السابقة المُضمحِلَّة. ولكن “فرنسا” تشبَّثت بقوتها أكثر من غيرها في الماضي بوصفها قوة عظمى، ولا تزال تنظر إلى نفسها باعتبار أنها تحظى باهتمام عالمي، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى ممتلكاتها الإقليمية في منطقة المحيطين: “الهندي” و”الهاديء” ومنطقة “البحر الكاريبي”. ونظرًا إلى تشبُّعها بشعور من العظمة، تعود “فرنسا” بذاكرتها إلى عصر التنوير للحديث عن مكافحة الظلامية في عالمنا المعاصر، كما تُقدِّم عالميتها العلمانية بوصفها نموذجًا للمجتمعات الحديثة. وغالبًا ما تؤكِّد على ثِقلها الجغرافي السياسي، على الرغم من أنها تُبالغ في ذلك.

ويُظهِر السؤال عمَّا إذا كانت “فرنسا” لا تزال قوة عظمى؛ كيف تستمر أمجاد “باريس” السابقة في تشكيل عقليتها الوطنية. وعلى الجانب الآخر، يُعد تكرار تأكيد أن “فرنسا” تعاني من تدهور وجودي، أحد الموضوعات الأكثر فعالية في السياسات الداخلية في “فرنسا”، والتي غالبًا ما تقودها تيارات يمينية وأخرى يمينية متطرفة.

ولذلك، أجبرت الأزمة المتعلقة بالغواصات، “فرنسا”، على أن تنظر إلى المرآة لتسعى وراء حقائق غير مريحة، بدلًا من أن تقبل بغموض مريح. ويطرح الكاتب سؤالًا: هل هناك انقسام لا يمكن تجاوزه بين رؤية “فرنسا” لنفسها وقوتها الفعلية ؟

ويجيب: أبعدت “الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا”، “فرنسا”، عن المشهد، بعد أن تفاوضت البلدان الثلاثة سِرًّا على اتفاق لتزويد “أستراليا” بغوَّاصات تعمل بالطاقة النووية، ما أسفر عن فسخ اتفاقٍ سابقٍ بين: “فرنسا” و”أستراليا”؛ ومحو ما عَدَّه الفرنسيون إطارًا لإظهار القوة في “المحيط الهاديء” على مدى عقود قادمة.

ولم يعلم الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، وأعضاء آخرون في حكومته؛ بالاتفاق الجديد إلا قبل ساعات فقط من إعلان “الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا” عنه، بحسب التقرير.

وفي بيان مُشترَك صُدر بعد أن تحدَّث “ماكرون” والرئيس الأميركي، “بايدن”؛ هاتفيًّا يوم الأربعاء، بدا أن “الولايات المتحدة” تعترف بهذه الإهانة. واتَّفق الأميركيون على أنه كان ينبغي إجراء: “مشاورات مفتوحة”، وإلتزم “بايدن” باتخاذ هذا الإجراء في المستقبل. ولكنَّ هذا التصريح لا يُمثِّل إلا تطييبًا لخاطر “باريس”، حسبما يرى الكاتب.

الهوس بالمكانة العالمية..

وأبرز “أونيشي”؛ ما قاله “برتران بديع”، الخبير في شؤون العلاقات الدولية الفرنسية في معهد الدراسات السياسية في “باريس”، الذي أوضح أن: “فرنسا مهووسة بشيء واحد، وهو مكانتها (العالمية). ويجب أن تُحافظ على هذه المكانة. ويمكن أن نُجري تحليلًا نفسيًّا لهذا الأمر، لأن بعض هذه المزاعم وصلت إلى مستوى اللاوعي”.

وكانت “فرنسا” قد أبرمت، عام 2016، اتفاقًا تبلغ قيمته: 66 مليار دولار لتزويد “أستراليا” بعشرات الغواصات الهجومية التقليدية. وكان هذا العقد، الذي تبلغ مدته: 50 عامًا؛ من المفترض أن يكون أساسًا لإستراتيجية أوروبية تهدف إلى التصدِّي لصعود “الصين” في منطقة “المحيط الهاديء”.

وردًّا على سؤال حول أن الفشل في إبرام “صفقة الغواصات” كشف عن أن “فرنسا” لم تعُد قوة عظمى، قال “فيليب إتيان”، السفير الفرنسي لدى “الولايات المتحدة”، في مقابلة إذاعية في “باريس”: “نحن قوة تعمل على تحقيق التوازن، فضلًا عن أننا قوة مهمة. ونحن نمتلك وسائلنا الخاصة”.

وأبرز الكاتب ما قاله “أرنو دانغيان”، العضو الفرنسي في “البرلمان الأوروبي” والمسؤول الدبلوماسي في “وزارة الدفاع” الفرنسية سابقًا، الذي أوضح: “أننا نحتاج إلى وضع سياسة فرنسية في المحيط الهاديء؛ لأننا لدينا مصالح تجارية واقتصادية وإقليمية في هذه المنطقة، ولكن الوسائل المتوفرة لدينا الآن لا تُمكِّنَنا من أن نُصبح بديلًا موثوقًا للولايات المتحدة في مواجهة الصين”.

واستدرك السيد “دانغيان” قائلًا: ولكن نظرًا إلى تعلُّق “فرنسا” بتصوُّرها الذاتي بوصفها قوة عالمية، تواجه “باريس” صعوبات في تحديد أولويات في سياساتها الخارجية. ومع أن “ماكرون” أكَّد أن “فرنسا” تستمد قوتها من القوة التي تتمتَّع بها “أوروبا”، إلا أنه غالبًا ما يتخذ قرارات انفرادية.

وفي عام 2020، وبعد مرور أيام على الانفجار الضخم الذي دمَّر بعض المناطق في العاصمة اللبنانية، وهي مستعمرة فرنسية سابقة، ذهب “ماكرون” فجأة إلى “بيروت”؛ وعقد العزم على إحلال النظام في السياسة اللبنانية. وخلال إجرائه زيارة ثانية للبلاد بعد مرور أسابيع فقط، أعلن “ماكرون” عن تشكيل حكومة جديدة في غضون: 15 يومًا، وعندما لم تُشكَّل الحكومة، اتهم الرئيس الفرنسي، النخبة السياسية في البلاد: بـ”الخيانة”؛ وأعرب عن شعوره: بـ”الخجل” إزاء هذه الخيانة.

هل تتجاهل فرنسا الماضي ؟

ووفقًا للتقرير، يقول مؤيدو السياسة الفرنسية في “المحيط الهاديء”؛ إن “فرنسا” لم تتجاهل ماضيها، ولكنها تحاول ببساطة إرساء سياسة متماسكة في منطقة تمتلك فيها “باريس” مصالح حقيقية، بما في ذلك أراضٍ وقواعد بحرية.

وألمح “هوغو ديسيس”، المحلل الفرنسي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في “لندن”، إلى أنه مع أن حجم الجيش الفرنسي يتضاءل موازنةً بجيش “الولايات المتحدة” أو “الصين”، فإنه لا يزال أحد أقوى الجيوش في العالم، ويحظى بدعم صناعة عسكرية محلية على مستوى عالمي.

وأضاف السيد “ديسيس”: في ظِل نشر “فرنسا” 05 إلى 07 آلاف جندي، و20 إلى 40 طائرة عسكرية؛ وسبع سفن بحرية في منطقة “المحيط الهاديء”، تُعد “فرنسا” الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتمتع بقوة عسكرية حقيقية في المنطقة. كما أجْرَت القوات الجوية الفرنسية تدريبات تهدف إلى نشر مقاتلات (رافال)؛ بداية من “فرنسا”، في منتصف الكرة الأرضية؛ ووصولًا إلى “المحيط الهاديء” بغرض إظهار القوة.

كما تمتلك “فرنسا” أيضًا مقعدًا في “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”؛ ما يمنحها قدرًا من القوة الصارمة في جميع أنحاء العالم. ولكن موازنةً بالقوة العظمى التي تمتَّعت بها “باريس” سابقًا، قد لا تكون القوة الحالية كافية في بعض الأحيان.

واستشهد “أونيشي”؛ في نهاية تقريره؛ بما قاله السيد “ديسيس”؛ الذي أكَّد أن: “تراجُع قوة فرنسا يُعد من بين الموضوعات التي غالبًا ما تظهر على الساحة، لا سيما أثناء إجراء الانتخابات، ويحظى هذا الأمر بشعبية في أوساط التيارات اليمينية واليمينية المتطرفة”. وأضاف: “تزعم هذه الفكرة أن فرنسا كانت تتمتَّع بالقوة والنفوذ البالغين، وأن فرنسا في الوقت الحالي أضحت عديمة الأهمية وجديرة بالإزدراء. ومن الواضح أنه يمكن التشكيك في هذه الرواية لعِدَّة أسباب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة