19 ديسمبر، 2024 1:02 ص

قال أحد الحكماء: إني أخشى الماعز من الأمام.. وأخشى الحصان من الخلف.. وأخشى الأفعى من الجانبين.. أما الإنسان فإني أخشاه من جميع جوانبه..!
كلنا يذكر الظاهرة الغريبة التي أثارت التساؤلات والظنون حينها، فضلا عن ترويعها المواطنين الآمنين بين الآونة والأخرى، والمطمئنين من احتمالات ظهورها وانتشارها في مدنهم، تلك هي ظهور حيوانات مفترسة مائية وبرية في بعض المحافظات العراقية ولاسيما الوسطى والجنوبية منها. إذ تعد ظاهرة غريبة وفق القياسات العلمية، من حيث عدم ملاءمة مياه دجلة والفرات، فضلا عن بيئة المدينة، لوجود مثل هذه الكائنات في القرن الواحد والعشرين، حيث اتساع رقعة العمران، وانحسار الأراضي الريفية والصحراوية عما كانت عليه في القرون السابقة.
من تلك الغرائب ظهور تمساح كبير الحجم في محافظة الديوانية، وقد أثار ظهوره حينها كثيرا من الظنون، وراح بعضهم يلقي التهم على جهات عديدة، منها دول إقليمية تهدف الى إثارة الرعب بين المواطنين. وفي محافظة ذي قار كان لأفعى سيد دخيل دوي هائل في أوساط المحافظة، فقد روع ظهورها أهالي المدينة، بعد أن شوهدت في مدارس ومساجد عدة، بنذير شؤم على أهالي سيد دخيل كافة. والبصرة هي الأخرى لم تخلُ من غرائب المخلوقات، فقد باتت تسرح وتمرح اسماك القرش في شط العرب، معرضة المدنيين الى خطورة الافتراس.
وتشتتت أصابع الاتهام -كالمعتاد- فأشارت الى الكويت والسعودية وأمريكا، ولو أردنا التقصي في ما أحدثته هذه البلدان خلال أعوام خلت، لتبين لنا أن ضررها يتعدى الحوت والغول والدايناصور بكثير.
وجميع هذه العجائب والغرائب يشتد أوار انتشارها بين الوكالات والفضائيات ثم يخبو فجأة، إذ يكمن خطرها على المواطن القريب منها، والذي بتماس مباشر معها، وبقليل من الحيطة والحذر بإمكانه الخلاص من شرها وضررها، وتفادي الخطورة التي قد تنجم عنها.
اليوم وقد مضت بضع سنين لم نرَ او نسمع ظهور مثل هذه الكائنات، إلا أن المخاطر والأضرار تحيقنا وتحيط بنا من كل صوب، ولعل “كورونا” أخطرها، كما أن كل المخاطر التي تنجم عن تلك المخلوقات مجموعةً، لا تعادل عُشر معشار ما ينجم عن أصناف وأنواع من البشر، لم نكن نعهدهم من قبل نحن العراقيين -كما لم نكن نعهد تلك المخلوقات- فقد ظهروا على الساحة العراقية، بين متاجر بهموم الشعب، الى مساوم بحقوقه، وبين ناهب لأمواله، الى بائع لثرواته وضاحك على مصائبه، الى آخرين اعتلوا كراسيَ حساسة، وباتوا يشكلون أضعافا مضاعفة من الأخطار التي تسببت بها تلكم المخلوقات، وعلى نطاق أوسع رقعة وأكثر شمولا، وليس بامكان القريب والبعيد الخلاص من شرورهم، ويزيدون على تلك المخاطر بتنوعها وحداثة أساليبها.
فنسمع بين الآونة والأخرى أرقاما من الدولارات لم نكن نتخيلها، قد ابتلعها أخطبوط ولا أحد يستطيع الإمساك به، او جثوم مسؤول (رفيع) وهو في حقيقة أمره )أضخم من الرفش) على مؤسسة بسيطرة تامة، لا على سير أعمالها وواجبات منتسبيها، بل على خزينتها ووارداتها، ولا أحد يقول له “على عينك حاجب” وصعودا الى مناصب أعلى في البلد، نجد هناك )كواسج ( تقتنص ذاك الأخطبوط الذي بات الإمساك به عصيا على الحكومة وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية. وباستمرار الصعود في سلم مناصب الدولة يبرز لنا حوت متوسط الحجم وظيفته صيد )الرفش) الذي مر ذكره، واستبداله بآخر أكبر حجما، ليلتهم بدوره سحتا أكثر وأموالا أكبر، وكلها قطعا من (چيس الشعب (وكلما ارتقينا في ذلك السلّم نجد حيتانا أكبر، وقد نصل الى الحوت الذي يضع جميع هذه الوحوش في (جيب الخردة).
[email protected]