في الذكرى الأربعين للحرب “العراقية-الإيرانية” .. معهد أميركي يرصد الألغام في الطريق الوردي الواصل “طهران” بـ”بغداد” !

في الذكرى الأربعين للحرب “العراقية-الإيرانية” .. معهد أميركي يرصد الألغام في الطريق الوردي الواصل “طهران” بـ”بغداد” !

وكالات – كتابات :

أجرى معهد (المجلس الأطلسي) الأميركي قراءة معمقة لتعقيدات مسار العلاقات وتداخلها، بين “إيران” و”العراق”، منذ الثمانينيات حتى الآن، بما في ذلك الحرب بينهما، التي جذبت الحضور العسكري الأميركي بقوة إلى المنطقة، والمتلاشي الأن بعد 40 سنة، وثم خلال سقوط نظام “صدام حسين”، والمرحلة التي جاءت من بعده، برعاية أميركية وإيرانية، والتي أخلت بالتوازن الطائفي في المنطقة برمتها.

أسباب الشماتة في إيران !

وتقرير المعهد الأميركي جاء لمناسبة ذكرى الحرب “العراقية-الإيرانية”، وهو يذكر بأنه عندما غزا “العراق”، “إيران”، في 22 أيلول/سبتمبر العام 1980، لم يُشعر الكثيرون في المنطقة والعالم بأسره بمشاعر الأسف، ناقلاً عن دبلوماسي عربي في “الأمم المتحدة” قوله، في ذلك الوقت؛ أنه: “سعيد” برؤية “العراق” يحاول: “تدمير أسطورة الثورة الإيرانية”، التي أطاحت بالنظام الملكي الإيراني قبل عام؛ وأثارت مخاوف من حدوث تغيير مماثل في النظام بين الممالك ومشيخات الخليج.

أما في “واشنطن” نفسها، فُيذكر التقرير بأن إدارة “جيمي كارتر”؛ كانت تشعر باليأس في محاولات إطلاق سراح: 52 دبلوماسيًا أميركيًا احتجزوا كرهائن في “طهران”، لمدة عام تقريبًا، ولم يكن هناك في “واشنطن” مشاعر حب: لـ”عراق صدام حسين”، وإنما كان هناك شعور بأن: “إيران تستحق العقاب والعزلة على المسرح الدولي”.

وأشار التقرير إلى أن هذا الوضع ساهم في: “ميل الولايات المتحدة نحو بغداد، كما فعل معظم العالم، خلال الصراع الدموي: 1980-1988”.

زعزعة التوازن الطائفي في المنطقة..

والآن، يقول التقرير، أن “إيران”، بعد نحو 40 سنة، صعدت كقوة مهيمنة في المنطقة؛ في ظل تأثيرها الكبير في: “لبنان وسوريا واليمن والعراق”. وأضاف أنه، في العام 2003، حققت “الولايات المتحدة”، خلال أسابيع؛ ما فشلت “إيران” في تحقيقه خلال ما يقرب من عقد من الحرب، أي الإطاحة بنظام “صدام حسين”، وهو ما أدى إلى زعزعة التوازن الطائفي في الشرق الأوسط؛ الذي كان يميل للسُنة منذ فترة طويلة، كما أضعف الروابط بين “واشنطن” وشركائها التقليديين في العالم العربي.

وفي الوقت نفسه، فإن: “الثيوقراطية الإيرانية؛ التي فشل صدام وداعموه في تدميرها، ظلت راسخة محليًا؛ حتى وإن كانت لا تتمتع بشعبية”.

وتابع التقرير أن: “الحرب (العراقية-الإيرانية)، أو الحرب المفروضة، كما يُسميها الإيرانيون، لم تُغير الحدود الإقليمية للبلدين، وكلفت أيضًا مليون شخص بين قتيل وجريح وخلفت دمارًا اقتصاديًا”، مشيرًا إلى أن “إيران” خسرت ما لا يقل عن ربع مليون شخص، وتعرض جنودها لهجمات بأسلحة دمار شامل، وخاصة الكيميائية، وهو ما ساهم في نشوء عقلية التفكير بين مسؤولي الأمن القومي الإيراني؛ بأن “طهران” بحاجة إلى أن تكون قادرة على ردع أي غزو من هذا القبيل في المستقبل.

ومن بين مجموعة متنوعة من الوسائل الإيرانية هذه، أشار التقرير؛ إلى تطوير برنامج الصواريخ (الباليستية) وخلق الجماعات الشيعية بين الجيران؛ خاصة في: “لبنان” و”العراق”، في حين ساهمت الحرب في تقوية تحالف “إيران” مع “سوريا العلوية”، التي كان نظامها البعثي منافسًا لنظام “صدام”. وتابع أن “إيران” استأنفت برنامجها النووي، الذي كان قد بدأ العمل به في عهد الشاه “محمد رضا بهلوي”، وهو البرنامج الذي يُشكل مصدر قلق متزايد للمجتمع الدولي.

إيران تستفيد من نقاط ضعفها..

وأشار التقرير إلى أن “إيران” كانت تاريخيًا دولة وحيدة إستراتيجيًا، فهي تُمثل أغلبية شيعية وفارسية في بحر يغلب عليه العرب السُنة والأتراك، لكنها حاولت الاستفادة من نقاط عيوبها.

وأضاف أن: “الحرب (العراقية-الإيرانية) جذبت الجيش الأميركي إلى الشرق الأوسط بطريقة هائلة، والذي بدأ الآن يتضاءل فقط بعد أربعين عامًا”.

وتابع أن: “العداء بين الحكومتين، الأميركية والإيرانية؛ الذي تعمق خلال أزمة الرهائن، التي استمرت 444 يومًا، والحرب التي استمرت: 08 أعوام، ما زال مستمرًا، على حساب كلا الشعبين”.

كيف استحوزت على العراق ؟

أما في “العراق”، الذي إزداد العداء فيه تجاه “إيران”، منذ العام 2003، فإن من المفارقات فيه أن: “طبقته الحاكمة تم تنصيبها بشكل مشترك من قبل واشنطن وطهران، ولديها في الوقت نفسه قدرة محدودة على فصل نفسها عن جارتها القوية، حتى فيما هي تحاول الحفاظ على العلاقات مع محررتها، أي الولايات المتحدة”.

وأشار التقرير إلى أن تمنع الدول العربية، ولا سيما دول الخليج العربي، عن التعامل مع الحكومات العراقية، بعد العام 2003، أدى إلى تحقيق التقارب بين “العراق” و”إيران”، حيث قام البلدان بتطوير الروابط الدينية والاجتماعية والثقافية التاريخية، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، وشكلا تحالفًا قويًا بينهما.

ولفت إلى أنه عندما قام تنظيم (داعش) بغزو واحتلال ما يُقرب من ثلث أراضي “العراق”؛ وأصبح على مسافة من “بغداد” خلال صيف العام 2014، “كان الإيرانيون هم أول من ظهر، واضعين العديد من قدراتهم في تصرف العراق”.

وأشار إلى أنه مع فتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق، “علي السيستاني”، تمكن “العراق”، بمفرده، من تأمين المقاتلين المطلوبين، ولم يكن بحاجة إلا إلى الأسلحة والمستشارين العسكريين والمساعدات اللوجيستية الأخرى، فيما وفرت “إيران” الكثير من هذا في غضون أربع وعشرين ساعة، إذ كان من الضروري لـ”العراق” أن يمنع (داعش) من تحقيق مكاسب إضافية على الأرض إلى أن تتعافى القوات المسلحة العراقية من الهزيمة الأولية التي مُنيت بها، وعندها بدأ تحالف دولي بقيادة “الولايات المتحدة” عملياته، في آب/أغسطس العام 2014، مع توفير “واشنطن” دعمًا جويًا حاسمًا.

فرص أميركية لـ”طهران” !

وبعدما أشار تقرير المعهد الأميركي إلى؛ وجود فصائل نشأت خلال الحرب مع (داعش)، والعديد منها مرتبط بـ”إيران”، لفت إلى أن جميع الأطراف تسامحت مع هذه الحقيقة الأمنية، حتى هزيمة (داعش)، في العام 2017، وأنه منذ ذلك الحين، فإن العديد من الأصوات داخل وخارج “العراق”، تطالب بحل هذه الجماعات المسلحة أو الإندماج تحت قيادة القوات المسلحة العراقية، وأن السنوات القليلة الماضية برهنت على أن التكلم بهذا الاقتراح أسهل من تنفيذه، مضيفًا أن اغتيال “واشنطن”، لقائد (فيلق القدس)، الجنرال “قاسم سليماني”، ونائب قائد (الحشد الشعبي)، “أبومهدي المهندس”، في أوائل العام 2020، أدى إلى انتشار أكبر للجماعات المسلحة.

ومنذ العام 2003، يُشير التقرير إلى أن العلاقات الاقتصادية بين “العراق” و”إيران”، كانت تتحرك في مسار تصاعدي، حيث أن التبادل التجاري بينهما؛ يبلغ: 12 مليار دولار سنويًا، وهناك خطة لزيادته إلى: 20 مليار دولار قريبًا.

وتابع أنه بالتزامن ما بين الذكرى الأربعين للحرب؛ مع مراسم إحياء “أربعينية الإمام الحسين”، فإن البلدين أعلنا عن خطة للتنازل عن قيود التأشيرة وزيادة عدد الحجاج الإيرانيين المسافرين إلى “العراق”، وهي خطوة ستُفيد أيضًا العراقيين الذين يزورون “إيران” للترفيه والحج ومن أجل الرعاية الصحية.

وختم تقرير المعهد الأميركي؛ بالقول أنه: “بعد أكثر من أربعة عقود على بداية الحرب المروعة التي شكلت حياة ورؤية جيل للعالم، يبدو أن العراق وإيران قد وضعا الماضي وراءهما وانتقلا إلى علاقة جديدة”. وأضاف: “لكن الطريق إلى الأمام لا يخلو من الألغام الأرضية، وميزان القوى يميل لصالح إيران، بحيث لا يسمح بتحالف صحي، كما أن أبتعاد إيران المستمر عن الولايات المتحدة؛ يجعل عملية التوازن هذه، في بغداد، أكثر صعوبة”.

وخلص إلى القول أن: “الإيرانيين ربما يتمتعون بموقفهم المنتصر على المدى القصير، لكن العواقب طويلة المدى قد تكون وخيمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة