وكالات – كتابات :
ضمَّت “رؤى معتز خضر”؛ أبناءها الثلاثة إلى حضنها بينما كانوا يحتشدون جميعًا في منزل مليء بالغرباء في مدينة “الموصل”، في “العراق”. وكانت قوات التحالف بقيادة “الولايات المتحدة” تُشن ضرباتٍ جويةً فوق رؤوسهم مع وصول المعركة ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، (داعش)، إلى ذروتها، عام 2017.
بهذه الكلمات افتتحت المراسلة، “بيشا ماجد”، المقيمة في مدينة “إسطنبول”، تقريرها الذي نشره موقع (ذي إنترسبت) الأميركي، والذي تحدثت فيه عن تجاوزات الجيش الأميركي بحق المدنيين، موضحةً أن الجيش الأميركي نادرًا ما يعتذر عن مثل هذه الانتهاكات، فضلًا عن أن يعترف بها أو يُقدم تعويضاتٍ للمتضررين منها.
قتل دون معرفة القاتل !
تواصل “بيشا”: أصابت قنبلة المنزل، الذي أوت إليه، “رؤى” وأبناؤها؛ وتمكَّنت هي وابنتاها من تحرير أنفسهن من الركام، ولكن ابنها، “أحمد يحيى”، البالغ من العمر أربع سنوات؛ قضى نحبه تحت الركام. وكان “أحمد” واحدًا من بين: 09 آلاف إلى 11 ألف مدني قُتِلوا في معركة “الموصل”، التي استمرت عامًا كاملًا.
ولم تعرف “رؤى”، كغيرها من ضحايا القصف في “العراق”، مَنْ الدولة المسؤولة عن الغارة الجوية التي قتلت ابنها. وقالت “رؤى”، لموقع (ذي إنترسبت): “حتى لو عرفت، فماذا بوسعي أن أفعل ؟.. ابني رحل ولن تنفعني معرفة مَنْ فعلها”.
وشنَّت “الولايات المتحدة”، في أيامها الأخيرة في “أفغانستان”؛ غارةً جويةً بطائرة مُسيَّرة أسفرت عن مقتل: 10 أشخاص، في “كابول”، بينهم سبعة أطفال. وأدَّى الإهتمام الإعلامي بهذه الغارة إلى اعتراف نادر بالذنب انتُزع من (البنتاغون) انتزاعًا، وربما يؤدي إلى تقديم تعويضات مالية للناجين. ولكن القوانين العتيقة المعقَّدة للغاية، في “الولايات المتحدة”؛ تجعل من المستحيل على الأجانب تقديم طلب تعويض في حال قُتل أحد أقربائهم في معركة، أي إن جميع الوفيات غير المشروعة في الخارج لا يشملها قانون التعويضات. وعلى مدى أربع سنوات، بعد معركة “الموصل”، في 2017، لم تقدِّم “الولايات المتحدة” أي تعويض لأسرة مدني واحدٍ قُتل هناك.
والأمل الوحيد للناجين هو التعويض: “التعاطفي” من الجيش الأميركي، الذي لا يعترف معه بمسؤوليته عن القتل. والعجيب أنه حتى هذه التعويضات نادرة جدًّا أيضًا؛ إذ لم يُسجَّل أيٌّ منها، عام 2020. ويختبيء حلفاء “الولايات المتحدة”، المنخرطون في عمليات القصف، خلف ستار العمليات المشتركة للتنصل من المسؤولية. بل إن “المملكة المتحدة” ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ مرَّرت قانونًا يحدُّ من المدة الزمنية التي يستطيع فيها المدني المطالبة بحقه. وكل هذه الأنظمة تجعل من الصعب على المدنيين أن يأملوا في الحصول على أي نوع من العدالة نتيجة فقدهم أحباءَهم في هذه الغارات.
الغارات الجوية بديلًا للجيوش البرية..
يُلفت التقرير إلى أن “الولايات المتحدة” وحلفاءَها الأوروبيين؛ قد خفَّضوا، في السنوات الأخيرة؛ من أعداد قواتهم البرية المنتشرة في الخارج، فيما يُسمى الحرب على الإرهاب، واعتمدوا على الضربات الجوية، بينما يُنفِّذ شركاؤهم المحليون العمليات البرية. وهذا الاعتماد المتزايد على الضربات الجوية التي تحجب هوية القوة العسكرية التي تقتل، تجعل من الصعب على المدنيين الحصول على تعويض عن فقدان أحد أفراد أسرهم. وفي حين أن التعويضات المادية لا يمكن لها أبدًا أن تُعيد من نحب إلى الحياة، ولكنها على الأقل تحمل اعترافًا بأن ضررًا ما قد ارتُكب في حق هؤلاء المدنيين، وتُعين أولئك الذين تضرروا بشدة على تكاليف الحياة.
وعلى سبيل المثال، نفَّذ التحالف بقيادة “الولايات المتحدة”: 34,781 غارةً جويةً على “العراق” و”سوريا”، منذ 2014، وتقدِّر “مجموعة مراقبة الهجمات الجوية”، (إير وورز-Airwars)، أن عمليات التحالف أدَّت إلى مقتل ما بين: 8,317 إلى: 13,190 مدنيًا؛ بينهم: 3,715 حالةً جرى التحقق منها. واعترف التحالف بمقتل: 1,417 مدنيًّا فقط، وتُظهر مراجعة (ذي إنترسبت)، للسجلات العامة؛ أن شخصًا واحدًا فقط قُتل أفراد عائلته في “العراق” قد حصل على تعويض رسمي.
وفي المرحلة الأولى من حروب 11 أيلول/سبتمبر، دفعت “الولايات المتحدة” وحلفاؤها تعويضاتٍ وصلت إلى: 32 مليون دولار على الأقل للمدنيين الذين تضرروا في “العراق” و”أفغانستان”، حتى عام 2007. بينما دفعت “المملكة المتحدة” أكثر من: 20 مليون جنيه إسترليني في صورة تعويضات عن الانتهاكات التي حدثت أثناء الوجود البري البريطاني في “العراق” من: 2003 إلى 2009.
ولكن مع انخفاض أعداد القوات البرية في هذه المناطق، توقف حتى هذا التدفق المتواضع للتعويضات.
تعويضات التعزية..
يُشير التقرير إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها المطالبة بالتعويض في “الولايات المتحدة”؛ تتم بموجب “قانون المطالبات الأجنبية”. وقد وُضِع هذا القانون إبان الحرب العالمية الثانية لتعويض المدنيين المتضررين من الجيش الأميركي. ولكن حُظِر التعويض بسبب الإصابة أو الوفاة أثناء القتال، بعد ذلك. فمثلًا، في حادث وقع، عام 2006، قتل الجنود الأميركيون ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات و16 و18 سنة. ولأنها كانت حادثة غير قتالية؛ إذ أطلق الجنود قذائف (الهاون) تجاه الأطفال ما أدَّى إلى وفاتهم، قدمت “الولايات المتحدة”: 35 ألف دولار تعويضًا لأحد أقارب هؤلاء الأطفال. بيد أنه بدون وجود قوات على الأرض، لا يعلم المتضررون إلى أي جهة يقدمون شكواهم. وصحيحٌ أن لـ (البنتاغون) موقعًا إلكترونيًّا يوفر عناوين بريد إلكتروني للإبلاغ عن الضحايا المدنيين، إلا أنه لا يذكر أي تعويضات، ناهيك أنه على المتضرر أن يتمكن من الدخول إلى شبكة “الإنترنت” أولًا كي يجد تلك العناوين.
وتُقدم “الولايات المتحدة” أحيانًا بعض الأموال على سبيل التعزية أو: “الهِبة”. وهذه ليست تعويضات قانونية أو اعترافًا بالمسؤولية، كما لا يمكن للمدنيين المطالبة بها، بل يمنحها الجيش وفقًا لتقدير قادته. ولكن في عام 2020، ومع أن “الكونغرس” قد وافق على مبلغ: ثلاثة ملايين دولار: “للهِبات”، لم يقدم (البنتاغون) ولا دفعة واحدة منها. وتدَّعي “وزارة الدفاع” أن القوات الأميركية قتلت 23 مدنيًّا، عام 2020، جميعهم في “أفغانستان”، بينما تقدِّر (إير وورز) عدد الضحايا: بـ 102 شخصٍ على الأقل.
إضافةً إلى ذلك، توضح إرشادات (البنتاغون) الجديدة، الصادرة عام 2020، أنه يجب استخدام هذه الهِبات بوصفها وسيلةً لتوثيق العلاقات بين القوات الأميركية والسكان المحليين. أي إن شروط تقديم هذه الأموال لا تدور حول وجود حالة وفاة غير مشروعة من عدمها، بل هل ستساعد هذه الدفعات “الولايات المتحدة” أم لا. تقول “آني شيل”، كبيرة مستشارين في منظمة “مركز المدنيين في الصراع”: “ما رأيناه في هذه السياسة هو أن الجيش الأميركي يرى، في هذه الهِبات؛ حقًّا أداةً لمكافحة الإرهاب. وهذا يعني أن هذه المدفوعات استُعملت في البلدان التي كانت القوات البرية الأميركية بحاجة للتعامل مع السكان فيها، ومنها أفغانستان”.
وفي عام 2007؛ كان أكثر من: 165 ألف جندي أميركي منخرطين في القتال في “العراق”، فكانت هناك حاجة لتقديم هذه الأموال، أما الآن فهناك: 2,500 جندي فقط متواجدون في القواعد العسكرية؛ بمنأى عن العراقيين والهجمات الانتقامية، ما يعني غياب الحافز لتقديم الأموال عندما تشتد غارات “الولايات المتحدة” والتحالف الجوية.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية؛ عندما كانت القوات البرية الأميركية لا تزال في “أفغانستان”، قدمت “الولايات المتحدة” حوالي مليوني دولار من أموال الهِبات هناك. أما في “العراق”؛ حيث كانت العمليات جوية في معظمها، تُشير التقارير إلى أن “الولايات المتحدة” قدمت: 14 دفعةً فقط؛ منذ بدء العمليات ضد (داعش)، عام 2014. وفي عام 2019، تلقى 06 عراقيين فقط أموال هِبات مقابل: 605 أشخاص في “أفغانستان”. وتتراوح دفعات الهِبات بين: 2,500 و05 آلاف دولار، بينما صدرت دفعة من هذه الأموال، عام 2019، تبلغ: 131 دولارًا فقط.
ولا تُقدم سياسة “الولايات المتحدة” أي وسيلة واضحة للمدنيين المتضررين للمطالبة بالتعويض، ليس هذا فقط؛ بل كما أشارت “آني”: “حتى المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا؛ ناضلت من أجل الحصول على مكان محدد تُرفع إليه قضايا التعويض أو المطالبات بأموال الهِبات دون جدوى؛ ولذلك من الصعب تخيل كيف يكون حال المدني في تلك البلاد التي يخيم عليها حزن الفَقْد ولا يدري ماذا يفعل”.
قانون التقادم..
وألمح التقرير إلى اختلاف السُبل القانونية للتعويضات لدى حلفاء “الولايات المتحدة” الأوروبيين؛ إذ إن المطالبات المالية في “المملكة المتحدة” تتبع المباديء التوجيهية لاتفاقيات “جنيف”، والتي بموجبها لا يمكن لأي شخص رفع دعوى مدنية عن الموت غير القانوني إلا إذا تمكن الشخص من إثبات أن الضرر اللاحق بالمدنيين؛ كان غير متناسب مع المكاسب العسكرية من أي عملية أدَّت إلى مقتلهم.
يقول “مارك لاتيمر”؛ من مركز “وقف إطلاق النار لحقوق المدنيين”، وهي منظمة تدعو إلى تعويض المدنيين: “هذا يعني في الأساس أنه ما لم تكن هناك قضية صارخة، فمن الصعوبة بمكان إثبات أنها كانت غير قانونية، وبالتأكيد، من دون الوصول إلى عملية صنع القرار أو وثائق صنع القرار، فمن الصعب للغاية إثبات ذلك”. ويضيف: “وهذا أحد أسباب أن القضايا الناجحة كلها مرتبطة أساسًا بالانتهاكات أثناء الاحتجاز”.
وفي أواخر نيسان/أبريل الماضي، وضعت “المملكة المتحدة” حواجز قانونية أكثر أمام دفع التعويضات، إذ أقرت قانون العمليات الخارجية، وهو قانون يضع حدًّا زمنيًّا صارمًا من ست سنوات لأي شخص يرغب في رفع دعوى مدنية ضد القوات المسلحة البريطانية بسبب الأفعال المرتكبة في الخارج. وأطلق القانون سباقًا مع الزمن للمدنيين الذين قد يكون لديهم إدِّعاءات مشروعة، وهو سباق لا عِلم لهم به.
وترى الكاتبة أن “الولايات المتحدة” وعديدًا من حلفائها؛ يستخدمون عمليات التحالف بوصفها ذريعةً للتنصل من المسؤولية عن وفيات المدنيين التي تحدث أثناء العمليات ضد (داعش) في “العراق” و”سوريا”، ذلك أن الغارات الجوية التي تنفذها دولة بمفردها تُنسَب إلى التحالف بأكمله، لكن التحالف ينص على أن الأعضاء غالبًا ما يتبادلون المعلومات الاستخباراتية وينسِّقون فيما بينهم بشأن الضربات الجوية. ويؤدي هذا إلى تعقيد إنشاء سلسلة المسؤولية، وفي حين أن التحالف قد يقول إن هناك مسؤولية مشتركة عن الضربة، فإنه ليس لديه آلية لمعالجة الضرر الذي ينجم عنها، تاركًا الأمر للدول الأعضاء بصورة فردية لتحمل المسؤولية.
تذكر “سحر محمدلي”، التي عملت لأكثر من عقدين من الزمان لصالح منظمة “مركز المدنيين في الصراع”، أنها أسدت المشورة لأعضاء التحالف و(البنتاغون) لوضع إجراءات تشغيل موحدة مشتركة في المدة؛ التي سبقت الحرب ضد (داعش). وقالت للموقع: “قالوا لا، أعني المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا، الجميع قالوا لا”.
استثناء نادر..
وأشار التقرير إلى أن القضية العلنية الوحيدة التي حصل فيها مدني على تعويض عن غارة جوية للتحالف؛ حدثت في “هولندا” بعد أن أقرت الحكومة الهولندية بأن طيارًا هولنديًّا يتحمل المسؤولية عن غارة جوية غير مشروعة. وفي تلك القضية، كان الضحية، باسم “رازو”، الذي فقد زوجته وابنته وشقيقه وابن أخته نتيجةً لقصف غير قانوني بالقرب من “الموصل”، في عام 2015، موضوع تحقيق متعمق أعدَّته صحيفة (نيويورك تايمز)؛ عن الخسائر المدنية خلال عمليات التحالف ضد (داعش). وكشف التحقيق أن معلومات استخبارية غير صحيحة أدَّت إلى قصف منزل “رازو”.
ولم يتمكن “رازو”، في البداية؛ من لقاء المسؤولين الأميركيين، ولكن بعد ضغوط من صحيفة (نيويورك تايمز)، التقى به المسؤولون الأميركيون لإصدار اعتذار وعرضوا مبلغًا تافهًا، بحسب تعبير الكاتبة، قدره: 15 ألف دولار على سبيل “الهِبة”، وهو ما رفضه “رازو” بوصفه إهانة.
وفي المقابل، أعطت “هولندا”، “رازو”، ما يقرب من مليون يورو. ورغم الاعتراف بأن أحد طياريها شنَّ الضربة، لم تقبل “هولندا” المسؤولية عن الإجراء؛ وصنَّفت التعويض على أنه: “عرض طوعي”. وتوضح “ليزبيث زيغفيلد”، المحامية التي مثلت “رازو”، في “هولندا”: “كان هذا فقط؛ لأنهم لم يرغبوا في إحداث سابقة”، مشيرةً إلى أنه كان سيكسب القضية إذا ذهب للمحكمة.
ضغط الإعلام..
وتستدرك الكاتبة موضحةً أن قضية “رازو” كانت استثناءً نادرًا. وفي معظم الحالات، يظل المدنيون مثل: “رؤى خضر”؛ غير مطلعين على الأمر، بينما يكافحون مع تداعيات الموت والدمار الذي لحق بهم، دون أدنى فكرة عمن يتحمل المسؤولية، ولذلك لا يحصلون على أي تعويضات.
وتنشر بعض الدول تقارير عن الضربات الفردية، لكن المعلومات غالبًا ما تكون غامضة. ويُعد سلاح الجو الملكي البريطاني أكثر شفافية من عديد من أعضاء التحالف، وقد أصدر السلاح الملكي تقارير تفصيلية عن عملياته ضد (داعش). ومع ذلك، تقدم التقارير البريطانية أوصافًا غير محددة لمواقع الغارات الجوية.
ونوَّهت الكاتبة إلى أن “وزارة الدفاع” البريطانية رفضت إعطاء بيانات دقيقة عن الموقع لأيٍّ من غاراتها؛ عندما اتصل بها (ذي إنترسبت)، قائلةً: “من منطلق سياستها العامة، لا تنشر وزارة الدفاع إشاراتٍ محددةً لشبكة الضربات الجوية لسلاح الجو الملكي البريطاني. وبالمثل، فإننا لا نحصل عادةً على أسماء أو تفاصيل الضحايا من العدو أو المدنيين على الأرض”.
ونوَّهت الكاتبة إلى أن التحالف لا ينشر مواقع محددة للضربات الجوية، وهو ما يسهِّل على الدول التي تُشارك في القصف الإدِّعاء بأن غاراتها لم تقتل مدنيين. ورفضت: “المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا” الاعتراف بأي خسائر مدنية خلال معركة “الموصل”، وهو إدِّعاء يرى الخبراء أنه سخيف.
يقول “كريس وودز”، مدير منظمة (إير وورز): “لا يمكنك قصف المدن والبلدات؛ دون وقوع أضرار مدنية كبيرة، فهذا غير ممكن، وأي مُحارِب يدَّعي خلاف ذلك هو في حالة إنكار تام ويقدم صورةً زائفةً تمامًا لشعبه”.
استثناءات ملحوظة..
وأوضح التقرير أن هناك عدة استثناءات ملحوظة أجبر فيها الضغط الشعبي، بعض أعضاء “التحالف” على التحقيق في مقتل المدنيين، لافتًا إلى أن “الولايات المتحدة” تقِر بوقوع قتلى أكثر من غيرها في التحالف، لكن هذا الإقرار لا يؤدي بالضرورة إلى إنصاف المدنيين.
وكشفت وسائل الإعلام الهولندية أن “هولندا” كانت مسؤولة عن غارة جوية قتلت ما لا يقل عن: 70 مدنيًّا في بلدة “الحويجة” العراقية، في عام 2015. وقد تسبب هذا الكشف في فضيحة كبيرة في “هولندا”، الأمر الذي أجبر المشرِّعين على تناول القضية في البرلمان. وأعلنت “هولندا” عن تمويل بعدة ملايين يورو لإعادة إعمار “الحويجة”، لكن لا يزال: 50 مدنيًّا على الأقل من البلدة؛ يسعون بنشاط للحصول على تعويضات.
وتُمثل “ليزابيث”، المحامية الهولندية، المدنيين الذين أصيبوا أو فقدوا أقاربهم بسبب هجوم “الحويجة”، وتأمل أن يحصلوا على تعويضات، لكنها تعتقد أن الدور الهولندي في محنتهم لم يكن ليخرج إلى النور أبدًا لولا جهود وسائل الإعلام.
وتضيف: “هذا هو الوضع المحزن؛ إذ لا يتحمل أحد المسؤولية عن أي شيء، ولا يوجد تحقيق في الخسائر المدنية على الإطلاق. وهذا هو بالضبط ما يفعله التحالف خلف ستار هجماتهم المنسَّقة: الكل مسؤول ولا أحد يتحمل المسؤولية. لن يكون هناك تحقيق في الحقائق على الإطلاق، ناهيك عن الاعتراف بالمسؤولية”.
مَنْ يقصف لا يدفع تعويضات..
في 17 أيلول/سبتمبر 2021، اعترفت “الولايات المتحدة” بأن ضربتها بطائرة مُسيَّرة في “أفغانستان” أسفرت عن مقتل: 10 مدنيين، ووصفتها بأنها خطأ مأساوي. وجاء هذا الاعتراف بعد تدقيق إعلامي مكثف لم تحظَ به قضايا مثل قضية “رؤى خضر”، والتي لا تتوقع بأن قتل ابنها سيحصل على مثل هذه المعاملة.
وعلى حد علمها، لم يحقق أحد في ملابسات وفاة ابنها، ولم يتواصل معها أحد. وفي جميع الاحتمالات، لا أحد سيفعل ذلك. وتعرف “رؤى”، ذلك مشيرةً إلى أن: “مَنْ يقصف لا يدفع تعويضات”، حسب ما يُختم التقرير.