يعرف المجتمع المدني بأنه جملة المؤسسات السياسية /الاقتصادية /الاجتماعية /الثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقًا لما هو مرسوم ضمن برنامجها. المجتمع المدني مجموعة من التنظيمات الأهلية والشعبية المستقلة عن الدولة والحكومة والأفراد، تتكون من هيئات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وإيدولوجية ، تدافع عن مصالح الشعب المشتركة ومصالح الأمة والإنسانية قاطبة. وتسعى كذلك لخدمة أهداف المجتمع الأهلي ماديا ومعنويا من أجل الرفع من مستوى التجمعات البشرية وتحقيق حاجياتها وإشباع رغباتها وتوفير الرفاهية المطلوبة والتنمية المستدامة.يمثل المجتمع المدني ساحة الصراع الحقيقية التي تنجذب إليها وتتفاعل فيها قوى التغيير من اجل التحكم والاشراف على أجهزة الدولة، عبر تجاوز الروابط البدائية، العائلية، العشائرية، القبلية، الدينية، الطائفية، باتجاه إقامة علاقات جديدة بين الافراد والجماعات على أساس المصالح المشتركة والايديولوجيات الجامعة بحيث تفرز خطابا” وطنيا” واستراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والمزيد من الضمانات لحقوق النسان، فهي فضاء للحرية يركز على حق الفرد والمجتمع والمواطن.
يمثل العنصر الأول للمجتمع المدني بفكرة “التطوعية” أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإداري الحر أو الطوعي، وبهذه الطريقة تتميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التنظيمات. أن المجتمع المدني منظم: وهو بهذا يختلف عن المجتمع التقليدي العام بمفهومه الكلاسيكي. حيث يشير العنصر الثاني إلى فكرة “المؤسسية” التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريبًا، والتي تشمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. العنصر الثالث يتعلق “بالغاية” و “الدور”: التي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي. آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءًا من منظومة مفاهيمية أوسع تشتمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية…الخ.
إن الأصل في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إنها علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار، وليست علاقة تناقض أو خصومة، فالمجتمع المدني ما هو إلا أحد تجليات الدولة الحديثة التي توفر شرط قيامه عن طريق تقنين نظامٍ للحقوق ينظم ممارسات كافة الأطراف والجماعات داخل المجتمع. كما أن المجتمع يعتمد على الدولة في القيام بوظائفه الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من خلال ما تضعه من تنظيمات. فالدولة والمجتمع المدني متلازمان، لا دولة من دون مجتمع مدني ولا مجتمع مدني من دون دولة، بل إن المجتمع المدني هو وليد قوة الدولة ومن أجل موازنة قوتها. فلم يتطور المجتمع المدني في الغرب لتقويض الدولة، لقد كان المجتمع المدني والدولة القوية حصيلة التطور المتوازي. كما أن الدولة تستطيع أن تسهم في تقوية المجتمع المدني أو في تطور مجتمع مدني صحي من خلال وضع قوانين واضحة قابلة للتطبيق لعمل هذا المجتمع، وأيضًا تقديم حوافز له. وعلى الصعيد المقابل فإن منظمات المجتمع المدني تصبح أكثر فعالية في المشاركة في عملية صنع السياسة، إذا كانت الدولة تتمتع بسلطات متماسكة قادرة على وضع السياسات وتنفيذها. يعتبر المجتمع المدني من الركائز الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار وتفعيل التنمية البشرية الحقيقية. ويسمى هذا المجتمع بهذا الاسم، لأنه يتخذ طابعا اجتماعيا مدنيا وسلميا مستقلا عن الدولة والحكومة وعن كل المؤسسات الرسمية والعسكرية، على الرغم من كونه يتكامل مع المؤسسات الحاكمة تنسيقا واستشارة واقتراحا. يشكل المجتمع المدني مكانة مركزية في فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فمشاركة منظمات وهيئات المجتمع المدني هي بمثابة تفعيل وتجسيد للمقاربة المندمجة التشاركية، وقبل أن نتحدث عن وزن هذه المنظمات نقف أولا عند تحديد لمفهوم المجتمع المدني والسياق العام لظهوره، وقوته داخل المسار التنموي وعلاقته بالدولة المركزية في إطار مفهوم الحكومات الجيدة.
وأهم ما يناضل من أجله المجتمع المدني هو مطالبته المستمرة للتقليص من هيمنة الدولة وإعطاء دور أكبر للمجتمع المدني من خلال مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والمواطنة والديمقراطية والتسامح والاختلاف الخلاق، و أن المجتمع المدني هو ذلك النسق السياسي المتطور الذي تتيح صيرورة تما سكه مراقبة المشاركة السياسية، والذي يقوم عند فلاسفة الأنوار على نظرية التعاقد بين الفرد والمجتمع، وأن السلطة تستند لمبدأ الحرية، فهو مجتمع متحرر من بطش السلطة ( سلطة الكنيسة آنذاك) التي تقوم على مبدأ التفويض الإلهي، هذه السلطة كانت تعاقب كل من يخرج عن طريقها وإحراق كتبهم ومؤلفاتهم، وأنكرت أي دور للعقل وإبداعه وابتكاراته في بناء المحتمع.
في هذا الإطار، وفي ظل صعود الإسلاميين إلى السلطة في دول الربيع العربي، لابد للمجتمع المدني أن يكون قوة ضاغطة لمنع كل شكل من أشكال “أسلمة” قطاعات المجتمع والاقتصاد والسياسة، وفتح نقاش عريض حول إشكالية المدنية والدينية بدل النقاش حول العلمانية ، فما دمنا متفقين على المضمون (فصل السلطات، ديمقراطية المؤسسات، المواطنة كمشروع مجتمعي) فلا إشكال في الاصطلاح علمانية، مدنية للدولة الحديثة. في هذا الأفق، على المجتمع المدني أن لا يكون طرفا في اللعبة السياسية بل منهجا لمقاربة مفهوم السلطة ، تأصيلا للممارسات الغير الخطابية داخل سياق الممارسات الخطابية التي هي ممارسات سلطوية بالأساس، بعبارة أخرى، يصبح المجتمع المدني بمثابة عنصر تكوين وتأطير وتوعية من جهة، وعنصر مراقب لسياسة الدولة وليس جزءا من سياستها، إذ إن من الوظائف الأساسية للمجتمع المدني لسلطة الحكومة.
ومن مقومات المجتمع المدني الاستقلالية عن كل الضغوطات الخارجية الرسمية أو شبه الرسمية والتخصص في الأعمال والمشاريع التي تنفع المجتمع البشري بصفة خاصة والمجتمع الإنساني بصفة عامة، واحترام الشرعية القانونية والتنظيمية للجمعيات والهيئات المدنية. أي لايمكن لجمعية أو هيئة أو منظمة مدنية أن تشتغل إلا في ضوء القانون واحترام مبادئ الدستور وكل القوانين المنظمة لمؤسسات الدولة، لكي لايستغلها ضعفاء النفوس لتمرير أهوائهم الإيديولوجية وارتكاب الأفعال المشينة التي تضر بالمصلحة العليا للدولة أو بمصلحة الشعب أو بمصالح الأعضاء الذين ينتمون إلى هذه المؤسسات غير الحكومية.
من بين منظمات المجتمع المدني التي تعتبر الركيزة والأساس هناك الجمعيات والتي تشكل جذور نشأة وتطور المجتمع المدني، باعتبارها تستند إلى فكرة التطوع والدفاع عن المصلحة العامة، والتي بدونها “لا يرقى إلى مستوى المجتمع المدني، وتغلب عليه سمة التبعثر أكثر، لأنه غير متعقل في ضمير الأفراد، بمعنى لا يمتلكون المؤهلات ليتصوروا الجماعة التي ينتمون إليها .” ولا ينضج ويتطور المجتمع المدني إلا في المجتمعات التي تؤمن بمبادئ الديمقراطية ورفض العلاقات البيروقراطية التي تنتفي مع مرتكزات هذا المجتمع حيث العلاقات السائدة داخله هي علاقات أفقية، فنسيج الجمتمع المدني أصبح اليوم له مكانته البارزة في تحقيق التنمية المحلية ، والعمل على تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي والحد من الفقر.