22 ديسمبر، 2024 2:02 م

عرس انتخابي أم مأتم الانتخابي ؟

عرس انتخابي أم مأتم الانتخابي ؟

لو كان للشعوب الأخرى عرسها الانتخابي فإننا على موعد قريب مع مأتم انتخابي في 10/10 القادم.

مأتميتها متأتية من إصرار قوى الإسلام السياسي الفاسدة والأطراف المتحاصصة معها على تمرير هذه الانتخابات رغم أنف الشعب.

فالذي يطبخ لنا هو عملية نحر شرعية للديمقراطية, عملية نحر لها قوانينها الملفقة مهيئة ومصاغة بشكل تضمن نجاح الجهات التي فصلت هذه القوانين على مقاسها, تحميها أسلحة الدولة والخارجة عليها بنفس الوقت, لاسيما وان الدورات البرلمانية السابقة واداء البرلمانيين, حازا على درجات عالية من الفشل في مجالات التشريع والرقابة البرلمانية على الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وأجهزتها.

وهذا بسبب أن الحركات الإسلامية بعيدة عن الإيمان بالديمقراطية وقيمها وقواعدها وقوانينها, وإنما يعتبرونها سلماً للتسلق إلى سدة الحكم وفرصة للإثراء والاستحواذ ليس إلا, ولم يكن في اعتبارهم لحرية الرأي والاعتقاد والمساواة في الحقوق مكان في كل تجاربهم في مختلف البلدان.
وكذلك الأمر مع أحزاب الإقطاع السياسي المتحاصصة معها, ولكن من منطلقات استبدادية أخرى.

وبعيدًا عن الخوض في الأمور النظرية من تعريفات مفهوم الديمقراطية التي طال البحث فيها, فالاهم منها الامور المتعلقة بمخرجات العملية الديمقراطية في ضمان حرية وأمان وظروف حياة كريمة للمواطنين ودولة مؤسسات, وهي التي تأملها العراقيون ولم يروها منذ استفتاء الدستور عام 2005 وما أعقبه من انتخابات تشريعية متعددة..

ولأنهم فاشلون بجذر تكعيبي وبمتوالية هندسية, عراة من الانجازات ولا حتى بتوفير أبسط متطلبات الحياة الكريمة للمواطن العراقي من ماء وكهرباء وعمل يؤمن له ولعائلته سد الرمق, تراجعت شعبيتهم الانتخابية.

بات منتجو ومعممو المآتم والمصائب والحرمانات من أكاسرة الفساد يشعرون بمستوى المقت الشعبي لهم ولما يمثلونه من قيم وأفكار وممارسات, ولخطر مقاطعة شعبية عامة للانتخابات كانوا يعولون على غياب وعيها لاستمرار استفرادهم بالسلطة وامتيازاتها والتهرب من استحقاقات المحاسبة الشعبية على سنوات فشلهم الطويلة, لذا أصبحوا لا يتحملون أي تبشير بمقاطعة هذه الانتخابات… وتنامى نزقهم وغيظهم حد قيام أجهزة أمنية حكومية باعتقال ناشطين يمارسون هذا الحق الدستوري المعارض الخالص.

وفي سعيهم لإعطاء زخم للمشاركة الشعبية في الانتخابات أصبحوا يتوسلون لذلك بمختلف الطرق ومنها اللجوء إلى القديمة منها باغداق نفس الوعود السابقة التي لم ينجزوها طوال فترة تحكمهم بالدولة, كما لم تعد كومة العقد التاريخية وكذلك القومية في شعاراتهم السابقة مؤثرة في وجدان المواطن العراقي بعد أن أسقطتها انتفاضة تشرين المجيدة, وكذلك الأمر بالنسبة للتحايل على المواطن بتقديم وجوه جديدة من الصف الثاني والثالث من منتسبيها, ظناً منهم بأنها ستعبر على نباهته.

المقاطعة الشعبية الواسعة التي بدأوا يدركون عواقبها, وتراجع المشاركات المعارضة الأخرى التي ستفقدهم الشرعية المعنوية التي أضفته, سابقاً, مشاركة قوى وأحزاب رافضة لنهجهم الطائفي والمكوناتي بالعموم, وبعد استخدام مختلف أساليب التهديد والاغتيال للناشطين الشباب ممن تجرأوا على ترشيح أنفسهم كبدائل, دفعهم أخيرا إلى بذل اقصى الجهود لعودة المفسوخة عقودهم من منتسبي الحشد الشعبي والذي يبلغ عددهم 30 ألف عنصر, لما قد يشكلوه من قوة انتخابية ضاغطة اضافة إلى افراد عوائلهم, تمكن أحزاب السلطة من رفع نسب المشاركة في الانتخابات واعطائها صفة الشرعية, مستخدمين كذلك الضغط على موظفي الدولة الذين يعدون بالملايين في المؤسسات المدنية والعسكرية في الدولة, وخصوصاً ممن عينوا بالواسطة والتوصية عن طريقهم ليكونوا قوتهم الانتخابية المؤثرة, رغم أن هذه الفئات تضررت, كما سائر المواطنين, من سياسات غياب برامج اقتصادية تضمن لهم حياة مستقرة.

الثغرة القانونية التي يعاني منها القانون الانتخابي العراقي الذي لم يحدد حداً معيناً لنسبة المشاركة الشعبية فيها للاعتراف بشرعيتها القانونية, أصبحت بمثابة حبل النجاة للفاسدين من فقدان السلطة بسبب احتمالات المقاطعة الشعبية الواسعة, ومفتاح استمرارهم في الحكم رغم الإرادة الشعبية.

ولان العثور على ميليشيا صديقة للبيئة الانتخابية, أمراً مستحيلاً, في الوقت الذي تمور به الساحة باشكال وارناك من الميليشيات التي لا تحتمل وجود منافس, والفشل في تهيئة البيئة المناسبة لإجراء انتخابات تتسم بالحيادية وتكافؤ الفرص, أصبحت المقاطعة موقفاً شعبياً.

ونحن نسمع صدى الانتصار الانتخابي المغربي, نستحضر قول الروائي أحمد المديني في روايته ” وردة للوقت المغربي ” : ” سرعان ما أصبح الأنين هو النشيد اليومي ” الذي أثمر, أخيراً رفضاً عارماً أطاح بعروش الأسلام السياسي… فأنى للذي احتل عقله وقلبه ودورته الدموية شعار ” اريد وطن ” أن يتنازل عن الحلم بثورة وسنبلة ؟!!