لقد كان الهدفُ الأولُ للثورة السورية، منذ انطلاقتها قبل أكثر من عشر سنوات ونصف، هو: إسقاطُ حكمِ بشار بكل أركانه، ومؤسساته، وشبيحته (بلطجيته)، واقتلاعهم جميعاً من جذورهم، وبناءُ نظام جديد، يُؤَّمن للناس الحرية الكاملة، في اختيار من يحكمه.
ولكن – للأسف العميق – تسلطَ على قيادة الثورة، أوباشُ الناسِ وأراذلُهم، وحثالاتُهم، وأشرارُهم، وسفهاؤُهم، وفجارُهم، وممن ليس في قلوبهم، مثقالُ ذرةٍ من ضمير، ولا خلق ولا دين ولا قِيَمٍ، وممن تسيطر عليهم عقليةُ التجارة، وممن يعملون في حساب الربح المادي، دون مراعاة، ولا اهتمام للآلاف المؤلفة من الأرواح البريئة، التي تُقتل بسببهم، وممن يهمهم الوجاهةَ، والبروزَ أمام وسائل الإعلام، والظهورَ بمظهر القائدِ، والرئيس! علماً بأنهم أغبى من الحمير.
تشكيل الفصائل المسلحة
وتشكلت خلال مسيرة الثورة! تشكيلاتٌ مقاتلةٌ كثيرةٌ، بعدد حبات رمل بادية الشام، وفصائلٌ مسلحة عديدة بعدد حصى سورية. حيث كان كل من هب ودب، وممن يُتقن شيئاً من فن الحرب، حسبما تعلمه من أستاذته أثناء الخدمة العسكرية الإجبارية، وممن لا يُتقن من فنون الحرب شيئاً.
الكل أخذ يقوم بتشكيل مجموعة مسلحة، قد لا يزيد عددها على عدد أصابع اليد الواحدة، أو عدد أصابع اليدين معاً، بذريعة مقاتلة جنود نظام بشار. والبعضُ كان صادقاً في نيته، والبعضُ الآخر كان كاذباً، منافقاً، متاجراً بأرواح السوريين.
والمصيبةُ الكبرى! والداهيةُ الدهياءُ! أنه لم يكن يوجد أي رابط ، أو أي علاقة، أو أي تنسيق، أو أي تعاون بين هذه التشكيلات الكثيرة – إلا قليلاً جداً منها – في بداية نشوئها على الأرض السورية.
ثم بعد فترة من الزمن، أخذت بعض التشكيلات، تندمج مع بعضها البعض، وتكون تشكيلاً جديداً، تحت مسمى جديد. وكان بعضها يحمل أفكاراً دينية صحيحة، وبعضها كان يتبنى أفكاراً دينية متشددة، وبعضها الآخر كان يحمل أفكاراً وطنية، أو قومية، أو علمانية، أو يسارية. والبعضُ الرابعُ، لم يكن لديه أي أفكار، ولا عقائد، سوى السلب، والنهب، والمتاجرة بالسلاح، والتهريب، وسواها من الأعمال الخسيسة الدنيئة.
وللحقيقة والتاريخ! نقول: بكل اعتزاز، وفخر، أن أكثر تلك التشكيلات، والفصائل المسلحة – إلا قليلاً منها – قد أبلت في بداية الثورة، بلاءً حسناً، في القتال ضد المليشيات الأسدية، والشيعية، والإيرانية، التي دخلت منذ بداية الثورة للدفاع عن حكم بشار.
وبالرغم من بعض الانكسارات، والهزائم التي مُنيت بها تلك التشكيلات، والانسحابات الاضطرارية – بدون أوامر خارجية – من المناطق التي كانت تسيطر عليها، مثل بابا عمرو في حمص، ثم القصير التابع لحمص، ثم بعدها الزبداني وداريا في دمشق، إلا أن المد الثوري والقتالي، كان مشتعلاً ومتأججاً بشكل كبير في كل أنحاء سورية، واستطاعت تلك التشكيلات، من تحرير مساحاتٍ واسعةٍ من سورية، تزيد عن 70% من المساحة الكلية لسورية.
الاحتلال الروسي
وبالرغم من دخول روسيا في 30/9/2015 سورية، وبدءِ احتلالها الفعلي لها، ومجيئها بعددها وعتادها، وقضها وقضيضها، وأسلحتها الفتاكة المدمرة، وقيام طائراتها الفتاكة بغاراتها الجوية اليومية، وإلقائها أطناناً من حممها المتفجرة، على المدنيين الأبرياء، واستخدامها لمئات من أسلحتها الجديدة في سبيل تجربتها، إلا أنها لم تتزحزح المقاتلين الأشاوس، عن أماكنهم، ولم تحدث أيُ انسحابات من المناطق المحررة في تلك الفترة ولمدة عام كامل.
إلى أن تدخل طرف آخر، لم يكن في العير ولا في النفير، فبدأ بعرض إغراءات مادية على أفراد من المقاتلين، ذوي النفوس المريضة، والضمائر الميتة؛ فتركوا أماكنهم في الرباط والثغور، حول حلب التي كاد المقاتلون أن يدخلوها، ويحرروا مركزها، ويسيطروا عليها، وانضموا إلى جيشه، الذي كان يعمل على السيطرة على المناطق الشمالية، بذريعة القضاء على الإرهاب.
ثم جاءت الطامةُ الكبرى، بعد أن أتم سيطرته على الشمال، صدرت الأوامر، إلى بقية المقاتلين المنهزمين نفسياً، الضعفاء عقلياً، صغار الأحلام، المهازيل، الواهنين، المستخذين، الذين لا يكادون يفقهون حديثاً، وكانوا ما يزالون يقاتلون في حلب، بالانسحاب منها، وتسليمها على طبق من ذهب لحضرة بشار، مع العلم أن بعض المقاتلين المؤمنين الصادقين، استمروا في القتال حتى استُشِهدوا وفازوا بجنة عرضها السماوات والأرض. وقد شهد شاهدٌ من أهله حديثاً، على ما حصل في ذلك الوقت البئيس، الكئيب، التعيس.
انكشاف خبيئة المقاتلين
وقد أثبتت تلك الأحداث الأليمة، الحزينة، المرعبة، مقدارَ هزالة أولئك المقاتلين، وخسةَ نفوسهم، وسوءَ تربيتهم، وحقارة أعمالهم، ونذالة أخلاقهم، ودناءة سلوكهم، وخُبْثَ طويتهم، ومرضَ قلوبهم.
وأظهرت أيضاً مقدارَ خيانتهم الله، ورسوله، والمؤمنين، والشهداء، ومدى استخفافهم بالناس، الذين تشردوا، ونزحوا عن ديارهم، في أيام البرد، والصقيع، والثلج.
فويلٌ لهم! ثم ويلٌ لهم! من عذاب الله الشديد، وويلٌ لهم من معصية أوامره ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) ﴾ الأنفال.
والتاريخُ سيسجل كل شيء، ولن يرحم الخائنين، المدبرين، المنهزمين! كما لن يرحم الذين شجعوهم على الخيانة، وحرضوهم عليها لقاء، دريهمات قليلة، ولقاء لُعَاعة من الدنيا.
ومن بعد ذلك! استمر مسلسلُ الانسحابات من المناطق المحررة، وتسليمُ الأسلحة بكافة أنواعها، وأشكالها، الثقيلة والخفيفة بنفس الطريقة، إلى أن استقر المقاتلون في إدلب وما حولها، وألقوا بأحمالهم، وأثقالهم إلى الأرض، وقعدوا مع القاعدين، ومع الخوالف، وأخلدوا إلى الحياة الدنيا – إلا قليلاً منهم – واستكانوا، واستسلموا للإغراءات المالية، وخضعوا وخنعوا للأوامر الخارجية، التي تريد القضاء على الثورة، وإخماد لهيبها، بأي شكل من الأشكال.
وللأسف الشديد! فقد تحقق لتلك الجهات الخارجية الأجنبية، كل ما خططت له، وكل ما تريده.. لأنها وجدت مقاتلين، لا يملكون وازعاً من دين، ولا رادعاً من ضمير، ولا يعرفون رباً، ولا أهلاً، ولا وطناً، ولا يملكون أي مشاعر إنسانية! إنهم يرون بأم أعينهم، كيف النساءُ، والأطفالُ، والرضعُ، والبهائمُ الرتعُ، والمستضعفون يُقتلون يومياً على أيدي المليشيات الروسية، والإيرانية، والشيعية، والأسدية، ولا يَرِفُ لهم جفنٌ، ولا تهتزُ شعرةٌ في جسدهم، ولا يحزنون، ولا يألمون، ولا تأخذهم الغيرة والحمية للدفاع عنهم!.. لأنه أصبحت قلوبُهم قاسيةً، كقلوب بني إسرائيل قديماً ﴿ ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ فَهِیَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةࣰۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ البقرة 74.
مسيرةُ المقاتلين، وحقيقةُ هدفهم
ومن هذا العرض التاريخي لمسيرة الثورة، ومسيرة المقاتلين، الذين بعضهم! تطوعوا للقتال في سبيل الدفاع عن الحرمات، والأعراض، وكانوا فعلاً مخلصين، وصادقين، وأفضى قسم منهم إلى ربهم، وكسبوا لقب الشهداء بحق وصدق. وبعضهم الآخر! وهو الأغلب، تجندوا للقتال في سبيل الطاغوت، وفي سبيل الحصول على المال، وفي سبيل الدفاع عن تراب الدول الأجنبية، التي شكلتهم لحسابها، ويأخذون منها رواتبهم، وهؤلاء! كما وصفهم العميد رحال، في مقابلة تلفزيونية مع أورينت حينما سأله المذيع: لماذا لا يتحركون لنصرة درعا؟ فأجابه: بأن مهمتهم الأساسية هي: السطو على أموال هذا، أو ذاك، والقيام بالسلب، والنهب، والمتاجرة كما تقوم مليشيات الأسد بالضبط، وأخلاق هؤلاء وأولئك متشابهة، لا يعرفون شرفاً، ولا كرامة، وهم أجراء، وخدم عند من يمنحهم قراريط من المال.
يظهر لنا بشكل واضحٍ، وجليٍ، أن المقاتلين في الشمال – إلا قليلاً منهم – ليس لديهم هدفُ إسقاط حكم بشار، ولا حتى الحفاظُ على الأرض التي يجلسون عليها، فهم أدنى، وأحقر، وأتفه، وأوهن، وأضعف، وأقل شأناً، من أن يقدروا على الدفاع عن أرضهم، بل حتى عن أنفسهم.
فلو قررت العصاباتُ الروسية، والأسدية شن حرب شاملة عليهم؛ لإعادة جميع الأراضي إلى سيطرة بشار؛ لولوا الأدبار من أول طلقة مدفع؛ أو استسلموا بدون قيدٍ ولا شرطٍ.
صفات المقاتلين
إن هؤلاء المقاتلين! متبرٌ ما هم فيه، وباطلٌ ما هم فيه يعملون، ويحبون العاجلة، والاستمتاع في الحياة الدنيا، كما تستمتع الأنعام، ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً.
إن هؤلاء المقاتلين! قد طابت لهم الحياة الدنيا، فأخلدوا إلى الأرض، والتصقوا بها، وجفت في عروقهم كلُ معاني الرحمة، والمودة، وكلُ معاني الشهامةِ، والمروءةِ، بل حتى كلُ مشاعر الإنسانية، قد خرجت من نفوسهم، وتحولوا إلى هياكل عظمية، وعضلية تتحرك كالروبوتات، فلا أملَ فيها، ولا خيرَ فيها، ولا يمكن أن يُنتظر منها، أن تتحرك حركةً واحدةً خارج ما هو مُخطط لها، وغير ما هو مرسوم لها أن تعمله.
ولا شك! أن هناك مقاتلين صادقين، وطيبين، ويتحرقون لوعةً، وأسىً لهذا الوضع المأساوي، ويتلهفون، ويتشوقون إلى من يقودهم بصدق، وأمانة في الطريق المستقيم، لتكملة مشوار الثورة، ولديهم الاستعدادُ الكاملُ للتضحية بأرواحهم في سبيل الله، وفي سبيل نصرة المظلومين، واقتلاعِ بشارٍ وجنوده من جذورهم، وتحريرِ البلاد من المحتلين.
ولأجل هؤلاء! وغيرهم من السياسيين، والمفكرين، وكل النخب السورية، طرحنا مشروعاً رائداً، وعملاقاً، يجمعهم كلهم في تجمع واحد، وفيه الخيرُ، كلُ الخير لبلدنا، وأهلنا، فمن يُقبل عليه، يَسعد في الدنيا والآخرة، ومن يتولى، ويُعرضُ، ويَستنكفُ، فاللهُ غنيٌ عنه، وسيبوءُ بإثمهِ، وإثمِ من يتولى أمرَهم، ويخسرُ شرفَ المساهمةِ في تحقيق النصرِ القادمِ بإذن اللهِ، وسيتحسرُ، ويندمُ ولات ساعةَ مندمِ، وسَوْفَ (يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) المائدة 54.