20 ديسمبر، 2024 8:17 ص

من يحكم العراق وشعبه … بغداد أم اربيل  ؟ – 1

من يحكم العراق وشعبه … بغداد أم اربيل  ؟ – 1

على مر العصور و الأزمان , وفي كافة  الأمصار و البلدان , العواصم هي مصدر القرار للانسان , في ذلك لا يختلف اثنان , في العراق , يشير واقع الحال الى أن اربيل هي من تحكم وتتحكم في العراق وشعبه  !  بغداد , العاصمة التاريخية العريقة  , مدينة العلم و الأدب و الفن , مدينة العز والفخر و الانتصارات , مدينة المجد و الخلود  و النخوة لمن ينتخيها , مدينة التآخي و الكرم اللا محدود , بغداد الأديان و الطوائف و القوميات و المذاهب المتنوعة و المتعددة , المدينة الأسطورة هذه تشيح اليوم بوجهها عن أهلها وعن زوارها أيضا خجلا مما أصابها من وهن وضعف و تشويه و على يد أبنائها و ما هم  بأبنائها .
اما اربيل …  فتصدمك بايجابياتها و سلبياتها و الحديث عنها حديث لا يخلو من مشاعر حزينة و مبهجة في آن واحد  , قبل دخولك هذه المدينة , الشعور بالغربة  يصدمك و يستفزك عند نقطة تفتيشية , حيث يتوجب حصولك على الفيزا , و كأنك تنتقل بين دولة و اخرى و ليس بين مدينتين عراقيتين , التفتيش لدواع أمنية أمر مقبول بل  و مطلوب لسلامة الجميع  , لكن تحديد الاقامة في اربيل بأيام معدودة أجراء غير لائق , ان لم يكن اهانة  … وهذه صفحة من صفحات التحكم بالعراقيين . 
اربيل … ذات الشارع الواحد قبل التسعينات , أصبحت الآن مركز  الاستقطاب و محط الأنظار وقبلة السياح , لاستقرارها الأمني و لنظافة شوارعها العديدة و لكثرة فنادقها الجميلة و لتنوع مطاعمها الفاخرة  , اضافة الى  طيبة ونقاوة قلوب أهلها ,  كل هذه الملامح الجميلة لا يمكن ان تخطئها العين في اربيل … لكن العين لا تخطيء أيضا ملامح  اخرى … تبعث على الأسى … منها   : العلم العراقي , رمز الوطن , تتعب عيناك بحثا عنه دون ان تجده  ,  وتجد بدلا عنه علم الأقليم يرفرف في كل مكان , النكسة الاخرى التي تواجهك هي عدم وجود من يفهم اللغة العربية .. خاصة الشباب … الاحباط الآخر .. انك لا تجد أي كلمة عربية على أي معلم أو جدار  أين ما اتجهت او ذهبت , الذي تشاهده اللغة الكردية و تحتها اللغة الانكليزية , هنا ينتابك شعور انك غريب , و انك لست في العراق بسبب  اختفاء العلم العراقي ,  وعدم أمكانية التفاهم باللغة العربية , وعدم العثور على أي كلمة عربية  أينما ذهبت أو اتجهت  , حيث تردد مع نفسك أن الساسة الاكراد ربما قد أخذوا عهدا على أنفسهم  بقطع كل الروابط التاريخية التي كانت تربط العرب والاكراد  على  مدى مئات السنين , رغم ان فنادق ومطاعم و أسواق و مولات و مشافي وحتى تاكسيات اربيل مصدر رزقها و ازدهارها هم العراقيين العرب بالدرجة الأساس , و لو توقف العراقيين العرب عن الذهاب الى اربيل لمدة شهر واحد فقط  , لتوقفت ربما العديد من  هذه المرافق عن العمل وأعلنت افلاسها وسرحت المئات والالاف الذين يعملون فيها .
الساسة الكرد , و بمساعدة  و تغطية من قبل قوات الاحتلال  الامريكي , أرادوا و لا زالوا يريدون ان  يقلبوا التاريخ و الجغرافية رأسا على عقب  , و زاد الطين بلة عدم اكتراث الساسة الشيعة على التمدد الكردي داخل أراضي العرب في ما سمي  زورا وبهتانا  ( مناطق متنازع عليها ) ونسي , أو تناسى على الأصح و الأدق , الساسة الاكراد أن دهوك كانت قضاء تابع للموصل قبل سنين معدودة , و لم يكن هناك مناطق أو أراضي متنازع عليها و لا هم يحزنون , الساسة الاكراد ذهبوا بعيدا و بعيدا جدا في انتهازيتهم و استغلالهم لفراغ الدولة من مقومات عسكرية و مدنية بعد انهيار النظام السابق , فاندفعوا في كل الاتجاهات لتحقيق أقصى ما يمكن من مكاسب غير مشروعة , في سلوك اقل ما يقال عنه انه قرصنة … بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى … بموجب أي تخويل أو عرف يزحف الاكراد طولا و عرضا في أراضي العراق كي ينصبوا سيطرات يرفعون عليها علم الأقليم مدعين أن ما بعد هذه السيطرات أراضي متنازع عليها , و حتى هذه الأراضي المتنازع عليها ( هذا اذا سلمنا جدلا أنها فعلا أراضي متنازع عليها ) لا يسيطر عليها الا طرف واحد هو الطرف الكردي , اذ لا وجود لأي تواجد عربي رسمي باعتباره الطرف الآخر المتنازع معه على هذه الأراضي , عندما يسيطر طرف واحد على أراضي ( متنازع عليها ) و لا يسمح للطرف الآخر بأي تواجد عليها بأي شكل من الأشكال , فهذا يعني ان هذه الأراضي ليست متنازع عليها بل … مستولى عليها … و عبارة  ( متنازع عليها ) ليست سوى تغطية على عملية الاستيلاء الكامل على هذه الأراضي و من قبل طرف واحد , و الدليل الذي ما بعده دليل , اتفاق الساسة الاكراد مع شركات نفط أجنبية للتنقيب واستخراج النفط في قره قوش وسهل نينوى و مناطق اخرى مما يسمى مناطق ( متنازع عليها ) !!  رضيت بغداد أم لم ترضى  , عندما يجد المرء مالا سائبا , لم يستطع أصحابه حمايته لأسباب خارجة عن ارادتهم  , فليس من الأخلاق الاستيلاء عليه و تسميته مال متنازع عليه أو أراضي متنازع عليها و لا فرق هنا بين المال و الأرض فكلاهما ثمين , لكن الأرض تكون أغلى و أكثر ثمنا خاصة اذا كان النفط يجري تحتها انهارا . وهذا وجه آخر من أوجه التحكم في ثروات البلد .                           الاكراد استثمروا أيضا , كما سبق ذكره , التأييد اللا محدود الذي وفره لهم الساسة الشيعة  , فأصبحنا نسمع عبارات مثل مظلومية الشيعة و الاكراد و التحالف الستراتيجي بينهما , هذا التحالف الستراتيجي الذي طبلوا و زمروا له كثيرا لم يكن القصد منه محاربة عدو خارجي  ( اسرائيل مثلا أو تركيا او ايران ) ,   بل عدو داخلي عراقي هم ..السنة العرب , هذا الموقف الاقصائي للسنة من قبل بعض الساسة الشيعة  , وجد هوى و قبول من الساسة الاكراد لانه يخدم مخططاتهم باستنزاف و حلب العراق ,  وبعد مرور الأشهر و السنين اكتشف الشيعة متأخرين أن ما سمي بالتحالف الستراتيجي كان في الحقيقة خداع ستراتيجي من قبل الساسة الاكراد لهم , ( ممكن خداع الجميع بعض الوقت , و ممكن خداع البعض طول الوقت , لكن غير ممكن خداع الجميع طول الوقت )   وخير  برهان على هشاشة التحالف الستراتيجي , , ما حصل من سجالات و مناكفات بين محسن السعدون عن التحالف الكردستاني و ياسين مجيد عن التحالف الوطني  حيث وصف كل طرف زعيم الطرف الآخر بالدكتاتور , و هو وصف لا يخلو من الصحة في كل   الأحوال  . اما الجائزة الكبرى التي حصل عليها الساسة الاكراد بعد سقوط النظام , فهي كتابة دستور مفصل بالكامل لمصالحهم  على حساب مصالح العراق , و كانت النية واضحة لدى الطرفين الكردي و الشيعي بابعاد السنة عن المشاركة الفعالة في كتابة الدستور عن طريق تقليل عدد أعضائهم في اللجنة المكلفة بكتابة  هذا الدستور , قام الاكراد بوضع المواد التي تخدم مصالحهم , وتكرس   هيمنتهم على البلد , وكذلك فعل الشيعة , لكن الاكراد حصلوا على امتيازات و مكاسب اكثر من الشيعة , منها :
1. كتابة مادة تؤكد و توضح ان للاكراد اقليم اسمه اقليم كردستان .
2. كتابة مادة تفيد بان الحكومة المركزية تشارك الاقليم في النفط و الغاز من الحقول المكتشفة حاليا فقط , اما ما يكتشف من نفط و غاز مستقبلا فهو من حصة الاقليم  حصريا و لا يحق لبغداد المطالبة به .
3.  اقرار مادة تفيد بان اي خلاف في أي مسألة من المسائل                                                                 
بين المركز و الاقليم فأن القول الفصل يكون للاقليم و ليس للمركز .
4.  اي تعديل على اي فقرة من فقرات الدستور لا يمكن ان يتم اذا رفض من قبل ثلثي سكان ثلاث محافظات , و لما كانت المحافظات الثلاثة  ( اربيل و دهوك و سليمانية ) بيد الاكراد , وهذا يعني ان لا تعديل في الدستور ضد مصالح الاكراد سيحصل مستقبلا .
      هنا يقع اللوم , على الساسة الشيعة في لجنة كتابة الدستور مثل همام حمودي , رئيس اللجنة , و نوري المالكي احد أعضائها و آخرين , الذين ارتكبوا خطأ فادحا بعدم السماح للسنة بالمشاركة الفعلية  في كتابة الدستور  , مما تمخض عن دستور مليء بالالغام , حيث المشاكل القائمة الآن بين بغداد و اربيل لها أول وليس لها آخر , و ليست مجافات للحقيقة القول ان صبر أهل الجنوب , خاصة البصرة , قد بدأ ينفذ عندما وجدوا أن ملايين نفطهم تقدم للاكراد على أطباق من الفضة و الذهب سنويا و بشكل يزيد عن استحقاقهم الحقيقي , و بالمقارنة هم لا يحصلون الا على الفتات  , هنا بدأت مطالبة سكان الجنوب بوضع حد لهذا الظلم و المهزلة الذي  وضع الحكومة الشيعية في بغداد في موقف محرج أمام سكان الجنوب  مما دفعها الى محاولة وضع حد للجشع الكردي وهذا بدوره أدى الى بروز المشاكل بين اربيل و بغداد , و ربما سيرد طرف كردي على هذا الكلام و يقول ان سبب تخلف الجنوب ليس الاكراد بل الساسة الشيعة في سدة الحكم الذين لا يشبعون من نهب مليارات البلد , وهذا الكلام صحيح مئة بالمئة  , لكنه و في نفس الوقت لا يعطي مبررا كي يحصل الاكراد على أكثر من استحقاقهم حسب نسبة السكان .   هذا الدستور  جعل مجموعة صغيرة من الساسة الاكراد يحكمون و يتحكمون بثلاثين مليون عربي , و كأن الاكراد هم القومية الاولى و العرب القومية الثانية , وان الاكراد هم الاكثرية و العرب هم الاقلية  و ليس العكس .  … كثيرا ما يتردد من أن الساسة الاكراد أذكياء لأنهم استطاعوا أن يسيطروا على العراق أرضا و شعبا , لكن في الواقع أن هناك من سمح  لهم بذلك … اضافة الى الظروف الشاذة التي عاشها العراق بعد الاحتلال الامريكي  .
 
   و الآن ننتقل الى وجه آخر من أوجه التحكم بالعراق و شعبه من قبل الساسة الاكراد , و هذا الوجه هو سياسة العراق الخارجية , وزير خارجية العراق كردي ( عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني و خاله مسعود البرزاني رئيس الاقليم ) , العراق بلد عربي من الوزن الثقيل بامكانياته البشرية و الاقتصادية و يحتاج الى وزير قادر على عكس هذه الامكانيات
لصالح البلد , ومن أولويات السياسة الخارجية  هو الحفاظ على مصالح الوطن عن طريق اقامة علاقات متينة مع دول الجوار و بقية دول العالم , و اذا القينا نظرة على علاقات العراق مع الجوار و العالم تحت قيادة الوزير الدائم  هوشيار زيياري ومنذ عشر سنوات ولليوم , سوف نجد التالي :  علاقات مقطوعة بالكامل مع البعض … علاقات ابرد من الثلج مع البعض الآخر … وعلاقات  مبنية على استغلال العراق مع البعض الثالث كما حصل في قضية خور عبد الله مع الكويت . و علاقات مع دول اخرى لا تقدم ولا تؤخر في ميزان مصلحة العراق , و بكلام آخر ليس هناك حرص جاد في الدفاع عن مصالح العراق , ربما لان الساسة الاكراد لا يريدون بغداد قوية تشكل تهديدا لمصالحهم كما يتخيلون . و مؤكد ان مصلحة الأقليم تتقدم على مصلحة العراق عند الوزير هوشيار , فالاقربون أولى بالمعروف , خاصة اذا كان الخال العزيز هو رئيس الأقليم .
ملاحظة : اين ما ورد نقد في المقال للاكراد , المقصود هو  بعض الساسة الاكراد وليس عموم جماهير الاكراد , و اين ما ورد نقد للشيعة , فالمقصود بعض الساسة الشيعة وليس عموم جماهير الشيعة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات