خاص: إعداد- سماح عادل
من الصعوبات التي تواجه النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات هو يقينهن أن النقد غير مجد، وأنه يظلم الكتابات الجادة سواء التي كتبها الرجال أو كتبتها النساء، واقتناعهن أن النقد يعاني من مشكلات كثيرة منها الاعتماد على الذائقة، وعدم الركون لمنهج صحيح، وتقليد النظريات الغربية.
لكن مع ذلك تؤكد بعض الكاتبات أن عليهن مواجهة تلك الصعوبات بشجاعة، وأن الاجتهاد في تحدي تلك الصعوبات، التي تعتبرها بعض الكاتبات مجرد صعوبات اجتماعية، هو التحدي الحقيقي والرهان لتصل نصوصهن إلى الناس.
لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
- هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
- هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
- هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
- هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟
المساواة مطلب حقوقي..
تقول الكاتبة الفلسطينية “صابرين فرعون”: “أظن أن الذهن الصافي يحسن من إنتاجية الكاتبة ويمنحها القدرة على التركيز وتفريغ مكنوناتها في جسد النص الذي تصنعه بهدوء وتركيز. فهل هناك وقت مناسب للتفرغ للكتابة وهل هناك معيقات؟ أجل النص الجيد يحتاج لنفس طويل وبحث وسرد حكائي ومخيلة وذاكرة فوتوغرافية تعلق فيها الصور وتتعالق مع التصوير والتشبيهات الأدبية.
فعل الكتابة عند المرأة الأكاديمية يختلف عن غيرها من الكاتبات، فالنص الجيد يتشكل في مسودة ثم تُجرى له عمليات فلترة وتدقيق وتحرير قبل دفعه للنشر، بعكس المُدوِّنة التي يلتبس على الجمهور القارئ كيف يصنفها، ومعظم هؤلاء لا تبحث في جودة أو وقع الكلمة بقدر ما تبحث عن شهرة بين دفتيّ كتاب أوهمها ناشر أو ناقد بالتعجيل في نشره، لتلحق ركب الشهرة والمردود المالي الذي يعود به نشر يفقد قراءه، في عالمنا الذي وإن قرأ لن يكلف نفسه عناء البحث والتأمل.
ناهيك عن أن الكاتبات وخاصة الأمهات الجديدات واللواتي يربين أكثر من طفل يغرقن في تعلم وتطبيق أساليب التربية الحديثة والعناية بالأطفال والأزواج، وتتلقفهن الأعمال المنزلية فيفقدن شغف مواصلة الكتابة في تلك الفترات ويقمن بتأجيل مشاريعهن الكتابية إلى أمدٍ غير مسمى . أشفق على هذه الشريحة من النساء اللواتي لا يقدرن هبة أمومتهن ويدعين عدم القدرة على برمجة الوقت والتفرغ لتصفية الذهن وتفريغ طاقة الكبت في تحقيق الذات والإنجاز.
أرى أن المرأة العاملة في مجتمعاتنا العربية عملية وأكثر طموحاً من الكاتبة الأم؛ فهي تقدر قيمة الوقت بل وإن بعضهن يلتحقن بورشات الكتابة الإبداعية ويشتغلن على اكتساب المهارات والأساليب وإثراء المتون بالمسكوت عنها في مناحي الحياة. لذلك، فالتفرغ مسألة نسبية تعتمد على شخصية وتفكير المرأة الكاتبة في التعامل مع ظروفها”.
وتضيف: “وصم المرأة الكاتبة بأنها بطلة نصها من القضايا التي تثير الجدل خاصة في المجتمعات المُنغلقة على فهم دور كتابة المرأة في تعرية زيف التدين، وكشف عقلية القبيلة والذكورية، والعنف ضد المرأة ناهيك عن تدخل الأهل فيما يصلح للنشر من قبل المرأة يولد الاندفاعية في الطرح أحياناً، ويضع الكاتبة المرأة في موقف الدفاع والرد، بينما تتأنى أخريات ويحولن طاقة التأسي للكتابة وإخراج أقبح وأجمل ما في الفضح والكشف والتنوير”.
وتواصل عن المقارنة بين النصوص: “النص الجيد لا يُجنس أو يوضع في إطار جندري، فالمقارنة لا تتم بين جنسين مختلفين، وفاقد الشيء لا يعطيه. ليس من العدل أن يتم المقارنة بين مشهد يصف ولادة طفل ومشاعر حمل والدته له لأول مرة بناءً على أن الكاتب الرجل قام بكتابة وتصوير المشهد من خلال بعض المشاهدات، وأما الكاتبة عاشت التجربة وإن خانها اللفظ لن تحرفها بوصلة الأمومة في كتابة المشهد بدموع القلب والعين. المساواة بين الرجل والمرأة مطلب حقوقي في كل زمان، وشرط التحقق لتتم المساواة أن تحصل بين نفس الجنس ثم بين الجنسين”.
وتؤكد عن انتقاد الجرأة: “من طبيعة المرأة الالتفات للتفاصيل والإسهاب في الوصف، ما يجعلها تقف على شفير هاوية، متنقلة بين الجرأة والإباحية، متمردة على المجتمعات الأبوية. بعضهن امتداد للجاريات في نظام الحرملك يبحثن عن الإمتاع الحسي للقراء وقاموسهن اللغوي امتداد عميق لنساء البشتون في كتابة النص الأيروتيكي المباشر. بينما تخاف الأخريات من النقد اللاذع والاتهامات التي تطال شرف الكاتبة. بين قيد وحرية واختلاف زاوية الرؤيا يصبح الممنوع متبوع، والتابع لا محل له من الإعراب”.
وعن النقاد تقول: “يظلم المهتمون بالنقد والنقاد النص الجيد بغض النظر عن جنس صاحبه، فتلعب الذائقة في اختيار الكتب وتقديمها للقارئ العربي وقراءة عمل واحد وتعميم الأسلوب والفكرة وتقييم الكاتب من خلال ذلك العمل الوحيد في إحباط الكاتب واكتئابه من الاستمرارية في دفع المسودة للنشر”.
الخروج من قوقعة المظلومية والتباكي..
وتقول الكاتبة العراقية “منتهى عمران” عن وجود صعوبات تشغل الكاتبة عن التفرغ للكتابة: “بلا شك، وعادة المرأة أن تفني ذاتها لأجل أسرتها حتى وإن كانت ظروفها جيدة، تبقى مشغولة بهم”.
وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف تقول: “مؤكد، تؤثر الصعوبات التي تمنع الكاتبة من التفرغ على إنتاجها الإبداعي، سواء كما أو كيفا”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال تقول: “المقارنة الإبداعية لا يجب أن تتدخل بها ظروف الكاتب أو الكاتبة، ولكن المقارنة الاجتماعية في أسباب تراجع الكتابة عند النساء عنها عند الرجال تخضع للظروف والفرص المتاحة لكليهما”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم تقول: “حسب نوع الجرأة ومدى خدمتها للنص الإبداعي، أحيانا تستخدم الجرأة للفت الانتباه لا أكثر، بينما في أحيان أخرى تستخدم لتوصيل فكرة أو هدف مهم. وفي كل الأحوال البيئة الشرقية لا تتحمل جرأة النساء”.
وعن الشعور بأن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب تقول: “بصراحة لا أشعر بذلك على العكس هناك من يدين النقاد بسبب الاحتفاء المبالغ به بالكاتبات. وبالنهاية الإبداع يفرض نفسه سواء أكان للكاتب أو الكاتبة. وعلى المرأة أن تخرج من قوقعة المظلومية والتباكي فوسائل النشر والكتابة أصبحت متاحة للجميع لمن تملك شغف الكتابة حقا. الأمر متعلق فقط بالظروف الاجتماعية التي تحكم وتقيد المرأة وهذه حلولها تحتاج إلى الكثير من الجهاد في مجتمع تربيته الذكورية تقلل من قيمة المرأة الإبداعية”.
كل الكتابات مظلومة..
وتقول الكاتبة السودانية “سارة حمزة الجاك”: “صعوبة التفرغ تواجه الكاتبات والكتاب علي السواء تحت ظل حكومات فقيرة الخيال لا تعترف بدورهم ككتاب وكمثقفين، وهنا تتفاقم الأزمة عندما تكون كاتبة عليها من الأعباء الكثير الذي لا يقع علي كاهل زميلها الكاتب، رغم ضيق هذه الشقة مؤخرا إلا أنها موجودة”.
وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف تقول: “بلا شك فالتفرغ يساعد في زيادة ساعات القراءة والتحليل والسفر وغيره من مجددات مصادر الكتابة لديها، وهو المنوط به تطوير أدوات تلقيها وهضمها وبالتالي إعادة إنتاجها في أعمال جديدة.
أما من ناحية الكم فالتفرغ يساهم في زيادة إنتاجها وبالتالي تعرضها للنقد الإيجابي المطور للكيف أيضا”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة تقول: “لا أشعر بالظلم لأن لكل مجتهد نصيب وعلي الكاتبات التغلب علي هذه الظروف وعدم الركون لها، وأن لا تكون هي شماعة لتقديم أعمال ضعيفة، وإن قل الإنتاج أو تباعدت فترات إصدار الأعمال”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم تقول: “دفن للرؤوس تحت الرمال فما نعيشه في الواقع تجاوز حد ما يكتب، الكاتبة التي تعي دورها تفهم أن الواصمون سيسكتون يوما ما وهي ستؤدي رسالتها مرتاحة البال”.
وعن الشعور بأن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب تقول: “كل الكتابات مظلومة لأن مناهج النقد قديمة وغير مواكبة لما ينتج”.