خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في زيارة رسمية لمدة يوم واحد على رأس وفد وزاري كبير، إلا أنها ذات وقع مختلف هذه المرة، يزور رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، العاصمة الإيرانية، “طهران”، وهي الثانية من نوعها منذ توليه “الكاظمي”، منصب رئيس الوزراء، والأولى منذ وصول الرئيس الإيراني المتشدد، “إبراهيم رئيسي”، إلى الحكم في “إيران”.
أثناء لقائهما، أعلن الرئيس الإيراني، “إبراهيم رئيسي”، ورئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، أنه تم الاتفاق على إلغاء التأشيرات بين “العراق” و”إيران”.
وقال “رئيسي”، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع “الكاظمي”: “أخطرني رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بإلغاء التأشيرات بين البلدين؛ وهو ما يصب في المصلحة المشتركة”.
وأضاف: “علاقتنا مع العراق ليست علاقة جوار؛ بل متجذرة ووطيدة، ونعتقد أنه بالرغم من إرادة أعداء البلدين يمكننا تعزيز العلاقات”.
بدوره؛ قال “الكاظمي”؛ إن: “موقفنا ثابت تجاه علاقتنا مع إيران”، كما تم مناقشة: “ملفات اقتصادية كخط السكك الحديد والتبادل التجاري وزيادته بما يخدم مصالح الشعبين”.
وأضاف “الكاظمي”؛ أن “العراق” يطمح لبناء أفضل العلاقات مع دول الجوار.
وحسب شبكة (السومرية نيوز) العراقية، قال “الكاظمي”، قبل مغادرة “العراق”، إن: “الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، وفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات، والتركيز على عمق العلاقة بين البلدين الصديقين”.
وأضاف “الكاظمي”؛ أن: “العراق نجح في الاضطلاع بدور محوري في المنطقة؛ عبر تعزيز الشراكة الإستراتيجية وفق مباديء دعم الاستقرار، والتعاون، والصداقة؛ من أجل ترسيخ أسس السلام والإزدهار”.
الأمن والطاقة والعلاقات بين السعودية وإيران..
وقال مصدر في مجلس الوزراء، رفض الكشف عن اسمه، إن “الكاظمي” سيبحث، خلال زيارته “طهران”؛ مسائل: “الأمن والطاقة والعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران”.
وتربط “العراق” و”إيران” علاقات وثيقة على المستوى الرسمي، فيما يعارض كثير من العراقيين ما يعتبرونه اتساع نطاق النفوذ الإيراني في البلاد.
ويعتمد “العراق” بشكل كبير على الواردات الإيرانية، خصوصًا ما يتعلق بالطاقة الكهربائية. وتواجه “بغداد” نقصًا حادًا في الطاقة، الأمر الذي دفعها نحو الاعتماد على “إيران”، التي تؤمن ثلث ما تحتاجه من الغاز والكهرباء.
لكن “إيران” أوقفت مطلع الصيف صادراتها إلى “العراق” لعدة أيام؛ لعدم تسديد “بغداد” ديونًا لـ”طهران” مقابل الحصول على الطاقة، وتصل لنحو ست مليارات دولار.
يحاور ساسة طهران عبر أوراق ضغط..
تعليقًا على تلك الزيارة، يرى الخبير في الشؤون الإقليمية، “ماهر جودة”، أن الوزن العراقي الحكومي يختلف عما كان عليه سابقًا عند تسلم “الكاظمي” رئاسة الوزراء، وهذا ما سيعزز من قدرة الأخير في معادلة كفة الحوار بين “طهران” و”بغداد”.
وتوقع “جودة”؛ أن: “يعرض رئيس الوزراء، خلال زيارته لطهران، ملفات مهمة في مقدمتها الانتخابات العراقية وضرورة إبعاد الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران عن صندوق الاقتراع”.
وأضاف “جودة”؛ أن: “الكاظمي سيُحاور ساسة طهران عبر أوراق ضغط؛ تحصل عليها بحكم الإستراتيجية التي اعتمدها في إدارة الدولة، والتي أكسبته قدرة وقبول كبيرين على المستويين الداخلي والخارجي”.
تثبيت حدود الصراع الدولي..
من جانبه؛ كشف مسؤول دبلوماسي مطلع أن زيارة “الكاظمي” الثانية إلى “طهران”؛ ستركز على موضوعات مختلفة، بينها تثبيت حدود الصراع الدولي داخل “العراق” وتداعياته الإقليمية، ولكن وفق توازنات الحاضر.
وأضاف المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، أن: “موضوع الانتخابات وملف الغاز الإيراني وحجم التبادلات التجارية بين البلدين؛ سيكون في حقيبة الكاظمي الدبلوماسية التي يحملها معه إلى طهران”.
عراق ما بعد قمة بغداد..
وفيما تبدي أوساط عدة اعتراضها على أي تحرك باتجاه “طهران” خشية أن يطيل أمد بقائها في البلاد، يؤكد آخرون أن “العراق”، وعقب “قمة دول الجوار”؛ بات يتحدث مع “إيران” بموازين وثقل متقارب، إن لم تكن أكبر.
تغيير بوصلة العراق السياسية..
ويؤشر المحلل السياسي، “إحسان عبدالله”؛ على متغيرات كبيرة طرأت على المشهد العراقي بشكل تدريجي انتقلت بها البلاد من منطقة: “الإشتعال إلى الإشتغال”.
موضحًا أن: “حكومة الكاظمي؛ استطاعت إنجاز عمل كبير بتغيير بوصلة البلاد السياسية وإعادة توجيهها نحو الأفق الوطني والفضاء الدولي، بعيدًا عن التمذهب والطائفية التي كانت تحدد مسارها من قبل”.
ويستدرك بالقول: “التحركات نحو المحيط الإقليمي والدولي والنجاح في كسر الحواجز الوهمية بين العراق ودول الخليج تحديدًا، أكسب البلاد موقعًا وبُعدًا جديدًا انعكس على تحقيق نجاحات ليست بالسهلة”.
وكان “العراق” قد استضاف، في ختام الشهر الماضي؛ قمة إقليمية جمعت قادة ورؤساء دول الجوار والمنطقة، في “بغداد”، وشهدت حضورًا عربيًا كبيرًا تسيد طاولة الحوار المشترك.
وأضاف “عبدالله”؛ إن: “قمة دول الجوار؛ أعطت الغطاء الشرعي والجدار الحصين للعراق في التحرك نحو حلحلة قضاياه العالقة، من بينها التدخل الإيراني والتركي في شؤونه”.
وتابع: “الكاظمي؛ وخلال الزيارة الثانية لطهران؛ لن يكون خجولاً في وضع اليد على الجرح ولفت إنتباه إيران إلى أخطائها وتدخلاتها في العراق، بحكم التأييد العربي تحديدًا، والدولي على وجه العموم، الذي حصده جراء سياساته المعتدلة والواعية”.
محاولة لتهدئة الأوضاع محليًا وإقليميًا..
كما أن زيارة “الكاظمي” تلك؛ تأتي بعد ساعات من تصعيد “طهران” ضد الأحزاب الكُردية الإيرانية، شمالي البلاد، وهو ما جعل المحلل السياسي العراقي، الدكتور “عادل الأشرم”، يرى أن “الكاظمي” يحاول تهدئة الأوضاع محليًا وإقليميًا، خاصة قبل الانتخابات، فهو يلاحظ تصعيدًا واضحًا ومكشوفًا من قبل “طهران”، باتجاه الأحزاب الكُردية الإيرانية المرتبطة بالأحزاب الكُردية العراقية.
مضيفًا أن “الكاظمي” رأى في التصعيد، الذي تقوم به “إيران” بين الحين والآخر؛ يُمثل حالة انعكاس خطيرة على الجانب الكُردي العراقي الذي يُعد جزءً لا يتجزأ من العملية الانتخابية، حيث يطمئن الأكراد لـ”الكاظمي”؛ أكثر من غيره من الرؤساء السابقين، وبالتالي هناك علاقات تربط “الكاظمي” مع الأحزاب الكُردية، علاوة على ذلك فإن رئيس الوزراء يعلم حجم وثقل “إيران” في “العراق”، لذا هو لا يريد أن يخسر أي طرف في تلك المعادلة.
وأوضح المحلل السياسي؛ أن “الكاظمي”، من خلال تلك الزيارة؛ يطمح إلى “طهران”، إلى إقناع الجانب الإيراني بألا يصعد باتجاه الأحزاب الكُردية خوفًا من انعكاس ذلك على الانتخابات المقبلة، المقرر لها العاشر من تشرين أول/أكتوبر المقبل، التي يراهن عليها “الكاظمي” كثيرًا، خاصة وأنه يحظى بدعم عربي ودولي ودعم إيراني وتوافق حزبي، فالأحزاب التابعة لـ”إيران” هي من جاءت بـ”الكاظمي”، لكن مع ذلك هناك اتجاه عربي داعم لـ”الكاظمي” ويحاول أن يخترق الساحة العراقية من خلال “الكاظمي” والأحزاب الشيعية الموالية لـ”إيران”، المعادلة الحالية في “العراق”: “غريبة”، فهناك اهتمام عربي كبير بتلك الانتخابات ويتم الترويج لها في القنوات العربية، وقد ترجمت تلك التوجهات من خلال “مؤتمر بغداد”، الذي جمع كل تلك الأطراف المختلفة فيما بينها، لكن الجميع اتفق على “الكاظمي”.
إيران المحرك الأساس في الانتخابات..
وأكد “الأشرم” أن “الكاظمي” يعلم جيدًا مدى تعقد وتشابك المصالح في “العراق”، إقليميًا ودوليًا، لذلك هو يُسرع بترقيع أي فجوة تظهر هنا أو هناك قبل أن تكبر وتتسع وربما تؤثر كثيرًا على ما هو موجود من حالة توافق تجاهها، من أجل ذلك ذهب “الكاظمي” إلى “إيران” لبحث الكثير من الملفات، من بينها ملف تصعيد “طهران” ضد الأحزاب الكُردية الإيرانية في “كُردستان”.
أما بالنسبة لعلاقة “طهران”، بالانتخابات العراقية، قال “الأشرم”: “بكل تأكيد، الكاظمي، يعلم جيدًا علاقة إيران بالانتخابات؛ وأنها المشرف الحقيقي عليها من جانب النتائج، فلا يمكن أن تمرر النتائج أو اختيار رئيس للحكومة، إن لم يكن هناك قبول من طهران، وبالتالي لن تفرز تلك الانتخابات جديدًا؛ وستجد إيران بعدها أنها المحرك الرئيس والفاعل والأساس في تلك الانتخابات”.
تقديم ضمانات لطهران..
بدوره؛ قال عضو (الميثاق الوطني) العراقي، “عبدالقادر النايل”، إن زيارة “الكاظمي”، بهذا التوقيت الحساس؛ إلى “إيران”؛ تهدف إلى عدة مشاريع أهمها، المشروع الإستراتيجي الإيراني الذي يُريد “الكاظمي” تحقيقه إلى “إيران”، والتعهد لهم بتنفيذه للحصول على دعمهم إلى ولاية ثانية، ولاسيما أن “إيران” تعتقد أن تسويق “الكاظمي”، لولاية ثانية؛ يمكن الحصول عليه من “أميركا”، باعتباره أخف الأسماء المرشحة وسهل تمريره، ولكنها تبحث عن ضمانات من “الكاظمي” لتنفيذ مشروعها الرئيس؛ هو الربط السككي من “ميناء الخميني” إلى “ميناء اللاذقية” السوري، وصولاً لـ”البحر الأبيض المتوسط”، ولا يمكن إتمامه دون الأراضي العراقية من: “البصرة” إلى “القائم”، غرب “الأنبار”، الملاصقة للحدود “السورية-العراقية”، وهذه أبرز أسرار زيارة “الكاظمي”، لـ”إيران”.
وأضاف أن “الكاظمي” وقّع، قبيل الزيارة؛ على إجراءات تنفيذية لمشروع الربط السككي، لأن المعلومات الدقيقة أن “إيران” كانت غاضبة على وعود “الكاظمي” الشفهية، حول إتمام مشروع “الشام الجديد”، مع: “الأردن” و”مصر”، الذي سيُشكل، إن تم، ضربة قاسية لـ”إيران” ومشروعها الخطير في الربط السككي؛ الذي يريد تحويل مشروعها السابق نحو “الهلال الإيراني” في المنطقة، إلى الحزام السككي على مستوى أكبر وعالمي، لأنه سيؤسس إلى الوصول إلى شمال إفريقيا وأوروبا، وهذا ما دفع الفرنسيين إلى إقامة “مؤتمر بغداد” لإجراءات تفاهمية مع “إيران”، التي وعدت/ “فرنسا”، بالمساعدة الفعالة في إفريقيا وتجنيد مقاتلين من الميليشيات وإرسالهم إلى إفريقيا لمواجهة النفوذ التركي هناك، مقابل دعم (حزب الله) اللبناني في تشكيل حكومة “لبنان” وتخفيف الإجراءات الاقتصادية على “لبنان”، لذلك “الكاظمي” يريد التعهد لـ”إيران”؛ بأنه سيعمل على إفشال مشروع “الشام الجديد”، وتنفيذ الربط السككي؛ مقابل ولاية ثانية له في “العراق”.
ورقة لإقناع الأكراد بدعم “الكاظمي” لولاية ثانية !
وأشار عضو (الميثاق الوطني)؛ إلى أن المواضيع الأخرى المتعلقة بقصف الأحزاب الكُردية، شمالي “العراق”، هي ورقة يُريد “الكاظمي” إقناع الأكراد بدعمه لولاية ثانية، وإن نفذتها “إيران” سيكون تكتيك لدعم “الكاظمي” قبيل الانتخابات، وفي الحقيقة هي مجرد مرحلة مؤقتة ستعود “إيران” بعدها للتجاوز على سيادة “العراق”، وقصف “إقليم كُردستان”، بعد تحقيق غايتها من ذلك، وليست من الملفات التي يهتم بها “الكاظمي” مطلقًا، لكن حاجة الانتخابات القادمة جعلته يطرح هذا الموضوع لكسب الورقة الكُردية.
واختتم بقوله: “الكاظمي” يلعب دورًا خطيرًا في هذه المرحلة، من حيث إزدواجية التعامل تمهيدًا لتهدئة الأوراق الإقليمية والدولية، قبيل الانتخابات، وذر الرماد في العيون، من خلال الكلام والوعود المعسولة للدول العربية و”أميركا”، لكنه بحقيقته يعمل بجد لصالح “إيران” ومشروعها الخطير في المنطقة.