تداولت بعض القنوات الفضائية ما أدلى به مسؤول أوربي عن المبالغ التي يتم تحويلها من قبل مسؤولين عراقيين الى البنوك السويسرية، وشبهها، حيث قال :
يتم تحويل 800 مليون دولار أسبوعياً الى البنوك السويسرية مِنْ قِبَلِ مسؤولين عراقيين ..!!
ويتزامن هذا الاعلان مع اعلان (أممي) آخر يقول :
ان هناك 6 ملايين عراقي هم تحت خط الفقر ..!!
والسؤال الآن :
كيف يكون خُمْسُ العراقيين تحت خط الفقر ، وقد بلغ معدل تصدير النفط العراقي الى الخارج ما يقرب من 3 مليون برميل يومياً ؟!
أين تذهب هذه الأموال اذن ؟
وكيف تبقى الملايين الستة تحت خط الفقر ؟
ان هذا اللغز الكبير، يفسره هروب الملايين من الدولارات العراقية يومياً الى البنوك الأجنبية .
وعلى الوطنية ، والنزاهة ، ألف تحية وسلام ..!!
وعن الملايين الرازحين تحت خط الفقر أقول :
تحت خَطِّ الفقر باتُوا
وَبِداءِ القهر ماتوا
حظهم من ثرواتِ
الوطنِ (الغالي) الفُتاتُ
مَثَلُ الظامئِ يجري
في أراضِيهِ الفراتُ
أيُّ طعم لحياةٍ
هي في المعنى مماتُ ؟
(رباعيات الصدر)
قد يقال :
ان الرقم المذكور لتحويلات بعض المسؤولين العراقيين الى الخارج مُبالغٌ به للغاية ، ذلك ان ملياراتٍمن الدولارات -بناء عليه-يتم تحويلها شهرياً الى الخارج ، وهو أمر بعيد.
أقول :
لقد أظهرت تقارير دولية، تَصَدُر بعض المسؤولين العراقيين، قائمةَ أثرياءِ العالم ،وأنهم احتلوا المرتبة السادسة ..!!
ولو افترضنا ان الارقام المذكورة قد بولغ بها، فان تحويل مليون واحد من الدولارات أسبوعياً الى الخارج، من قبل مسؤولين عراقيين، هو بمثابة الكارثة لأنها خيانة وطنية فضلاً عن كونها جريمة كبرى .
ان مما يُضعف التفاعل المطلوب بين المواطنين والمسؤولين، ظهور هذه الارقام باستمرار، مع غياب الاجراء الرادع الذي يحفظ للدولة حرمتها وهيبتها، ويحفظ للمواطنين حقهم في ثروتهم الوطنية .
لماذا تتسرب ملايين الدولارات الى حسابات فئة اعتادت على امتصاص الدماء ، والولوغ بمستنقعات الخيانة ، ولا تتسرب الى إنعاش الملايين من العراقيين الذين هم تحت خط الفقر ؟
الآن وبعد عشر سنوات من سقوط الصنم، بدأنا نسمع ان موازنة عام 2014 لا مكان فيها لبعض الكماليات (من أثاث وشِبْهِهِ) بعد أنْ كان تأثيثُمكاتبِ كبار المسؤولين، يستنزف الأرقام الضخمة من الثروة الوطنية ..!!
انه اجراء متأخر كثيراً، وهو يثير الاستغراب ، حيث ان التوقيت جاء قبيل موسم الانتخابات العامة، المزمع اجراؤها في نيسان من العام القادم ، فهل كان التوقيت عفوياً ؟!!
ان هناك آفتين تعملان على الفتك بالعراق والعراقيين .
الآفة الاولى :
العمليات الأرهابية التي شملت الشرائح العراقية بأسرها ،ولم تفرق بين (جامع) و (حسينية) و(كنسية) ، ولابين شيعي وسني، أو عربي وكردي وتركماني ، ولا بين شبكي وايزيدي … وما زالت تحصد الأرواح ، وتشيع الذعر في الأوساط العامة ، وبدأت وتائرها تتصاعد في الآونة الأخيرة حتى انها بلغت في ليلة واحدة (مساء الخميس 17/10/2013) أكثر من 60 شهيداً و(178) مصاباً في بغداد وحدها، وهذه هي حصيلةُ ليلةٍ من ليالي (العيد) الذي انقلب الى (مأتم) كبير ..!!
انّ ماخُصص في الموازنة العامة (للأمن) يكفي لامتلاك أحدث الأجهزة والمعدّات الكفيلة بالحدّ من (المفخخات) و(المفرقعات) والأعمال التخريبية الاجرامية، التي يقوم بها أعداء الله والوطن، من التكفيريين والمتحالفين معهم من أيتام الدكتاتورية البائدة ،
ولكن التخصيصات في معظمها، تشق طريقها الى جيوب محترفي القرصنة، ولا يشترى بها الاّ الاجهزة الفاسدة، وتستمر دورة الاجهاز على الارواح دون هوادة .
الآفة الثانية :
آفة الفساد المالي والاداري ، والنهب المنظم للثروة الوطنية، بعد ان أَمِنَ المختلسون على أنفسهم، من العقاب والملاحقات القانونية فهناك كتل سياسيّة تستميت في الدفاع عن أعضائها حتى لو كبسوا بالجرم المشهود..!!
ان العراق لم يشهد في تاريخه القريب والبعيد، عمليات سطو ونهب للثروة الوطنية، كما شهده خلال العقد المنصرم، وما زالت تلك العمليات مستمرة ومتواصلة لحد الآن .
وما لم تعالج الآفتان المذكورتان فاننا لن نشهد في (النفق المظلم) أية اضاءات مطمئنة ..!!
ومن المفيد ان ننقل هنا قصتين عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، لنتبين كيف تكون نزاهة الحاكم الوطني :
الاولى :
جاء في كتاب (قراءات) لعبد الخالق ناصر شومان ص 124-125 مايلي :
(في بداية الستينات برز اسم عادل شعلان الموهوب بالرياضيات، بعد ان استضافه كامل الدباغ في برنامجه (العلم للجميع) فانهالت التبرعات عليه من الشركات ومن التجار والمواطنين…..، وجاء تلفون من وزارة الدفاع بان الزعيم عبد الكريم قاسم أمر بتكريم عادل شعلان بجهاز تلفزيون، وهي هدية قيّمة في وقتها وفي اليوم التالي ذهب عادل شعلان الى وزارة الدفاع لاستلام هدية الزعيم وحين عرف الزعيم بان عادل شعلان قد حضر شعر بالاحراج أمام مدير مكتبه وقال لمن معه :
أليس بالامكان تأجليه الى نهاية الشهر كي استلم راتبي وأعطيه الهدية }
انه لم يكن يملك ثمن التلفزيون …!!!
وانه كان يقدّم الهدايا من راتبه الخاص ..!!
والآن :
مَن هو المسؤول الذي لايملك ان يشتري التلفزيون الاّ اذا قبض راتبه الشهري ؟!!
الثانية :
ان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، يوم كان آمِر أحد الافواج الموجودة في منطقة (سواره توكه)، اضطر الى ان ينام في العراء وسط البرد ، وقد اصيب بمرض (البيتروتايفوئيد) وأُرسلَللعلاج على حساب الدولة لبريطانيا، وكان علاجه مُكْلفاً وطويلاً، بما جعل صديقه الملحق العسكري العراقي في لندن آنذاك (حسن مصطفى) ان يستمر بالصرف عليه حتى تجاوز المبلغ المقرر بأكثر من ستمائة دينار عراقي .
وعندما عاد الى بغداد، أصدر رئيس أركان الجيش أمراً بتحميله المبلغ الاضافي وقطعه بالأقساط من راتبه .
وقد شعر الزعيم أنَّ في ذلك غبناً له، فهو مريض من جراء الخدمة … فكتب العريضة تلو الأخرى …ولكن لم تحصل الموافقة على اعفائه من المبلغ الاضافي .
وعندما أصبح رئيساً للوزراء قدّم طلباً الى مجلس الوزراء – الذي هو رئيسه – يُعيد فيه شرح قضيته، ويطالب باعادة المبلغ الذي دفعه من دون وجه حق اليه .
وحين وافق مجلس الوزراء على اعادة المبلغ المذكور اليه كتب :
(يُفتح حساب في مصرف الرافدين باسم جيش التحرير الفلسطيني ، ويوضع هذا المبلغ كبداية فيه ) مذكرات أمير الحلو ص195-196
ثم وقّع
أقول :
حتى هذا المبلغ الذي استعاده لم يضعه في جيبه ، بل تبرع به الى جيش التحرير الفلسطيني .
اننا اليوم نجد حاجةً للتذكير بمثل هذه القصص والمواقف الوطنية بعد ان شاعت (ثقافة) الاستحواذ على المال العام، وابتكار الوسائل الشيطانية لابتزاز الأموال، دونمّا وازعٍ ولا رادع، وسرت (العدوى) من (المصابين) بتلك الامراض الخطيرة الى ان لوّثت (الكثيرين) …. وأصبحت ظاهرةً ملموسة تقض مضاجع الوطنيين المخلصين .