منذ تخصصت بعلم التغذية العلاجية في عام 1992، وأنا أعالج أشخاص مصابين بمختلف الأمراض وخصوصا الأمراض المزمنة. وفي السنوات الأخيرة بدأت بعلاج إضطراب طيف التوحد والمشاكل السلوكية الأخرى بواسطة الغذاء (حمية غذائية خاصة) وكذلك بمكملات غذائية معينة، والتي أثبتت فعالية كبيرة في علاج حالات إضطراب طيف التوحد وفرط الحركة ومشاكل سلوكية أخرى.
في العديد من منشوراتي العلمية السابقة كنت أدعو دائما للتخلي عن “الأربعة الكبار” التي تمثل معظم النظام الغذائي لكم، وهي: السكر والمنتجات التي يستعمل فيها، الحليب ومنتجاته، الزيوت المهدرجة، وأخيرا الدقيق (الطحين) الأبيض، وقد شرحت بالتفصيل أسباب دعوتي تلك. ولكن بعد أن بدأت أعالج إضطراب طيف التوحد والمشاكل السلوكية الأخرى باستعمال حمية غذائية خاصة، وقعت تحت يدي مؤخرا دراسة علمية نشرت عام 2005 حيث أظهرت نتائج تلك الدراسة أنه عندما تناولت أنثى تبلغ من العمر 4 سنوات مصابة بالتوحد حليب الإبل لمدة 40 يومًا، وإن صبيًا يبلغ من العمر 15 عامًا مصابا هو الآخر بالتوحد تناول حليب الإبل لمدة 30 يومًا، كما وتناول عدد قليل من الأشخاص الذين يبلغون العشرينات من العمر حليب الإبل لمدة أسبوعين، إختفت أعراض التوحد لديهم تماما، وأصبح المرضى أيضًا أكثر هدوءًا وأقل تدميرًا للذات.
وفي دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية من قبل مركز أبحاث وعلاج طيف التوحد في مستشفى الملك خالد الجامعي حيث تم تقييم التغييرات في الخصائص السلوكية في 65 طفلا (60 ذكور و 5 إناث) من المصابين بالتوحد والذين تتراوح أعمارهم من 2 إلى 12 سنة. تم تقييم الأعراض السلوكية من خلال مقياس تقييم التوحد في مرحلة الطفولة (CARS) ، ومقياس الاستجابة الاجتماعية (SRS) ، وقائمة مراجعة تقييم علاج التوحد (ATEC) قبل وبعد أسبوعين من العلاج بحليب الإبل. تم الكشف في النتائج عن فروق ذات دلالة إحصائية في اضطراب طيف التوحد بعد أسبوعين من استهلاك حليب الإبل ، ولكن ليس في مجموعة الدواء الوهمي. وخلصت الدراسة إلى أن حليب الإبل يمكن أن يكون تدخلًا علاجيًا واعدًا جدًا في علاج إضطراب طيف التوحد.
وقد وجد أيضًا أن المستويات العالية من المغنيسيوم والزنك وفيتامين E في حليب الإبل تزيد من إنتاج الغلوتاثايون، مما يساعد على تقليل الإجهاد التأكسدي لدى الأشخاص المصابين بالتوحد. حيث من المعروف أن المغنيسيوم يقلل من الإجهاد التأكسدي ويعزز امتصاص فيتامين E و C، بينما يزيد الزنك من مستويات الغلوتاثايون الكلية.
ومنذ ذلك الحين ولحد الآن بدأت بوصف حليب الإبل للمصابين بطيف التوحد وفرط الحركة وما شابهها من المشاكل السلوكية الأخرى حيث أثبتت نجاحا باهرا لا يصدق في علاج تلك الإضطرابات. وعند عدم العثور على حليب الإبل، فوصف المغنيسيوم والزنك والسيلينيوم وفيتامين E سيكون بديلا جيدا لحليب الإبل في علاج تلك الحالات إضافة للحمية الغذائية الخاصة بي والتي أستعملها باستمرار في علاج تلك المشاكل الصحية.
وإضافة لعلاج الحالات أعلاه بتناول حليب الإبل، أظهرت الأبحاث أن حليب الإبل يُستخدم أيضا في الشرق الأوسط لعلاج مرض السكري والوقاية منه ومكافحته، وهو ما لمسته أيضا في علاجي لحالات مرض السكري من النوعين 1 و 2، وهو أمر لا يمكن قوله عن حليب البقر أو حليب الماعز أو حليب الأغنام ومعظم بدائل الحليب الأخرى إن لم يكن كلها. وعلى عكس جميع أنواع الحليب الأخرى، لا يسبب حليب الإبل ارتفاعا في نسبة السكر في الدم. وبهذا فإني أدعو مرضى السكري من النوعين 1 و 2 لشرب حليب الإبل ومنتجاته باستمرار بدلا من جميع أنواع الحليب الأخرى.
إنه ليس من المستغرب بعد أن حليب الإبل مليء بالعناصر الغذائية التي تساعدكم على تلبية العديد من المدخولات اليومية الموصى بها لبعض المعادن والعناصر الغذائية الرئيسية والمهمة لصحتكم. علما أن حليب الإبل له أيضًا فوائد أخرى جديرة بالملاحظة، فهو يشبه حليب الأم كون إن تركيبة حليب الإبل هي الأقرب إلى تركيبة حليب الأم مقارنة بانواع الحليب الأخرى، مما يجعل من الآمن إطعام حليب الإبل للرضع والأطفال أيضا.
وإضافة لذلك، فإن حليب الإبل بديل رائع للأشخاص الذين يعانون من حساسية الحليب أو عدم تحمله، فإن كنتم تعانون من حساسية لحليب البقر أو حليب الحيوانات الأخرى، ومصابون بعدم تحمله، فإن حليب الإبل يعد خيارًا رائعًا لأنه يفتقر إلى بروتين الكازين A1 ولاكتوغلوبيولين الموجود في حليب البقر وحليب الحيوانات الأخرى كحليب الماعز وحليب الأغنام.
كما إن حليب الإبل مهم جدا لصحة القلب والدم، حيث تمنح الدهون الأحادية غير المشبعة الموجودة في حليب الإبل فوائد مشابهة لما يمنحه زيت الزيتون. إضافة إلى أن حليب الإبل يحتوي أيضًا على الكازين A2 بيتا، والذي يختلف عن الكازين A1 الموجود في حليب الحيوانات الأخرى ومنتجاتها، حيث ثبت أن الكازين A2 بيتا مسؤولاً عن التأثيرات الوقائية على القلب والجهاز المناعي.
فإلى جميع الزملاء الذين يعالجون التوحد ومشاكل السلوكيات الأخرى، وكذلك إلى جميع العوائل التي لديها مصابون بطيف التوحد وغيره من المشاكل السلوكية كفرط الحركة، أنصح باستعمال حليب الإبل أو تناول المغنيسيوم والزنك وفيتامين E عند عدم توفر حليب الإبل وأن يتخلوا تماما عن استعمال جميع أنواع الحليب الأخرى لعدم فائدتها في علاج تلك الحالات.
ملاحظة: لعلم القراء الأفاضل، أنني أعرف بالضبط، واعتمادا على المعلومات المستقاة من عشرات البحوث المنشورة، أن هناك جرعات معينة لكل عمر مريض ومتى وكيف يجب ان تعطى مع نوعية الحليب (إن كان طازج، مغلي، دافي، أو غيره) إضافة للمكملات الغذائية التي يجب ان تعطى معه. وسأترك هذه التعليمات الدقيقة لحين ما يأتي الوقت للكشف عنها عند افتتاح مركزنا للإستشارات الغذائية والصحية وعلاج طيف التوحد والمشاكل السلوكية الأخرى، بإذن الله.
مع أمنياتي للجميع بالصحة الدائمة
بروفيسور متخصص بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية ومستشار بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية والتغذية العلاجية
[email protected]
بريطانيا في 10 أيلول/سبتمبر 2021