في بغداد وتحديداً في عصر هارون الرشيد وما تلاه ، شهدت بغداد انجازات علمية كان يمكن ان تكون بداية للثورة الصناعية .
الكيمياء شهدت تطورات مهمة ، والرياضيات والفيزياء .
وشهد علم الميكانيك الدقيق تطوراً هاماً ، وتُعتبر الساعة التي ارسلها هارون الرشيد نموذجاً لافتاً لذلك التطور..
وتم اختراع البطارية وكذلك الفكرة الاولى للمحرك البخاري الذي اصبح لاحقاً، نواةً واساساً للثورة الصناعية عندما اخترعه جيمس وات في القرن الثامن عشر.
لماذا حصلت تلك الاختراعات في بغداد وفي ذلك الوقت تحديداً؟
السبب هو توفر الفائض الاقتصادي لدى الدولة التي شجعت العلماء والباحثين من كل مكان على القدوم الى بغداد من اجل المكافأة ودفعت لهم الاموال لتشجيعهم .
مصدر ذلك الفائض هو الاموال التي كانت تُجبى لمركز الخلافة التي توسعت وفرضت انواع من الضرائب على السكان في كل مكان..
قرأت ذات مرة قولاً لكارل ماركس ( لستُ متأكداً منه) يقول فيه :
كان يجب ان تحصل الثورة الصناعية في بغداد بسبب توفر كل عناصرها هناك..
قرأت الكثير عن هذا الموضوع وتوصلت الى قناعة مفادها ، ان الثورة الصناعية لكي تقع ، يجب توفير البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاضنة لها!!
بمعنى آخر، تغيير اسلوب الحكم وتداول السلطة وآلية اتخاذ القرارات
واحترام القانون واحترام الحقوق والتخلي عن نظام الحكم الفردي المستبد لصالح صيغة اكثر ديمقراطية
واحترام العقل والفكر الحر المستقل وتحطيم فكرة الأجماع ( هذه العبارة التقطتها من نص الدكتور الراحل حسين سرمك في نقده وتحليله لاعمال الفنان مصدق الحبيب)..واطلاق العنان للافكار الفردية المستقلة والجديدة التي لاتلتزم بالإجماع.
تلك التغييرات كانت تحدياً لنظام الحكم ودعوة الى التغيير الجذري من أجل تنمية المجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية …
لكن نظام الحكم فضّل السيطرة والاستمرار في نظام الحكم التقليدي على مصالح الأمة، لذلك انقلب الحكام على العقل وحاربوا المبدعين والمفكرين المستقلين..
في اوربا حصل التغيير المطلوب وتم تقليص دور الكنيسة والملك واقامة الدولة الوطنية ، لذلك حصلت الثورة الصناعية.
لم يأتِ ذلك كله في ليلة وضحاها ، بل جاء نتيجة جهود الفلاسفة والمصلحين التنويريين والسياسيين الاذكياء والمخلصين الذي عملوا على أقامة القاعدة الفكرية للنظام الجديد..