وكالات – كتابات :
خلص معهد (كارنيغي) الأميركي للدراسات؛ إلى أن لدى رئيس الحكومة العراقي، “مصطفى الكاظمي”، ثلاثة أهداف رئيسة من وراء تنظيم “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”: أولاً تطبيق سياسة: “صفر أعداء”، وثانيًا: “إحتواء إيران”، وثالثًا تعزيز فرصه كمرشح توافقي لرئاسة الحكومة، فيما بعد انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2021.
“الكاظمي” وسياسة “صفر أعداء”..
وبعدما أشار تقرير المعهد الأميركي؛ إلى أن الهدف من التجمع الفريد لرؤساء دول وممثلي جيران “العراق”، الى جانب إظهار الدعم لـ”العراق” في مواجهة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، هو الإقرار بجهود حكومة “الكاظمي” في تعزيز الحوار الإقليمي.
لكن بالنسبة إلى “الكاظمي” نفسه؛ فقد حققت القمة ثلاثة أهداف، بحسب (كارنيغي).
أولاً: كانت القمة تتويجًا لجهوده لإعادة وضع “العراق” عند تقاطع العلاقات الإقليمية – أو كما يُفضل “الكاظمي” أن يصفها، كـ”جسر بين دول المنطقة”.
وأشار (كارنيغي) إلى أن “الكاظمي”؛ منذ أن قاد جهاز المخابرات، طور شبكة واسعة من العلاقات مع زعماء الشرق الأوسط وكبار المسؤولين، وحقق نجاحًا كبيرًا في أداء دور الوسيط النزيه المسهل للحوار، خاصة بين “إيران” وخصومها الإقليميين.
وأوضح التقرير؛ أن سياسة: “صفر أعداء”؛ كانت النهج الذي ميز أسلوب تعامل “الكاظمي”، مع العلاقات الإقليمية.
واعتبر المعهد الأميركي؛ أن “الكاظمي” ليس أول رئيس حكومة في “العراق”؛ دعا إلى “عدم الإنحياز” إلى أي من المحاور الإقليمية، لكن سمعته: “كشخص معتدل وبراغماتي وغير طائفي، أقل تأثرًا بإيران من اسلافه، أكسبته مصداقية أكبر”.
إلا أن السياسة الإقليمية التي يطبقها “العراق”؛ نفذت في ظل حقائق قاسية، إذ أنه دولة هشة تقع بين ثلاثة منافسين إقليميين هم: “إيران وتركيا والسعودية”. ومن خلال السعي بشكل استباقي لتخفيف الخلافات بين هذه القوى، يعتقد “الكاظمي” أن بإمكان “العراق” أن يخلق لنفسه دورًا إقليميًا أكثر إيجابية من مجرد أن يكون ساحة للصراع لجيرانه.
تدشين لعلاقات قوة إقليمية صاعدة..
وبعدما أشار (كارنيغي) إلى تراجع الدور الأميركي وتقدم “إيران” و”تركيا” لملء الفراغ الناشيء، أوضح المعهد الأميركي؛ أن القمة كانت تجسيدًا لهذا التراجع الأميركي في المنطقة والحاجة إلى هيكل مؤسسي جديد يعكس علاقات القوة الصاعدة إقليميًا، والتي يوجد فيها مقعدان على الطاولة لكل من “إيران” و”تركيا”.
ولفت المعهد إلى أن ذلك يمكن أن يكون بداية للبحث عن إطار جديد للمفاهيم الإقليمية يتغلب على الانقسامات السابقة المحددة بمصطلحات مثل: الطائفية، (السُنة مقابل الشيعة)، أو الإيديولوجية، (الإسلاميون مقابل العلمانيون)، أو الجيوستراتيجية، (المؤيدة للغرب مقابل المعارضة للغرب).
أما الهدف الثاني لـ”الكاظمي”، فهو إحتواء “إيران”، بحسب (كارنيغي)؛ الذي أوضح أنه بالنظر إلى نفوذ “إيران”، من خلال شبكتها من القوى الحليفة محليًا والقوات شبه العسكرية؛ والتي لا مثيل لها من جانب أي قوة إقليمية أخرى، فإن “الكاظمي” يبحث عن وسيلة لكبح هذا النفوذ، وإنما من دون إثارة عداء “طهران”.
وأوضح المعهد الأميركي؛ أن: “مثل هذا العداء لن يُزعزع استقرار حكومة الكاظمي فحسب، بل قد يُبدد أية آمال قد تكون لديه للبقاء في منصبه بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، في 10 تشرين أول/أكتوبر”.
ولهذا، يحاول “الكاظمي” أن يبرهن للإيرانيين أن مقاربته هي التي ستحقق مكاسب حقيقية لـ”طهران” وتكسر عزلتها، وليس نهج حلفائها الإيديولوجيين والمذهبيين، وأن “إيران”، بقبولها لوجود قيادة في “بغداد” ليست متحالفة إيديولوجيًا مع نهجها: “الثوري” المعادي لـ”أميركا”، بإمكانها أن تؤمن لها قناة فعالة تربطها بلعالم العربي؛ وتنال بذلك اعترافًا إقليميًا بدورها ومصالحها.
توازن القوى..
وأشار (كارنيغي) إلى أن هذا يرتبط بالهدف الثالث لـ”الكاظمي”؛ المتمثل بتعزيز فرصه في البقاء في منصبه بعد الانتخابات، مضيفًا أن “الكاظمي” لا يخوض الانتخابات، وهو يقدم نفسه على أنه لاعب محايد وأن مصلحته الأساسية تتمثل في ضمان حصول انتخابات حرة ونزيهة، وهي: “إستراتيجية للحفاظ على فرصه في أن يكون مرشحًا توافقيًا لمنصب رئيس الحكومة”.
ولفت إلى أنه: “في ظل غياب إنجاز داخلي كبير للكاظمي؛ يمكن أن يوسم به سياسيًا ويجعله لا بديل له، فإنه يسعى إلى لفت الإنتباه إلى نجاحاته في السياسة الخارجية”، مشيرًا أيضًا إلى أن الحكمة الشائعة في “العراق”، منذ العام 2005، أنه لا يمكن لأحد أن يكون رئيسًا للحكومة في “العراق”، إذا عارضت “الولايات المتحدة” أو “إيران” ترشيحه.
وختم (كارنيغي) تقريره؛ بالقول إن تعيين رئيس الحكومة المقبل؛ سيتأثر بالتأكيد بالسياق الإقليمي وتوازن القوى، وأن “قمة بغداد” أظهرت أن “الكاظمي” يطمح إلى إعادة تشكيل التوازن من خلال إبعاد أجندة حكومته بأمان عن أجندة “طهران”، مع قيامه أيضًا بدور تسهيل إندماج “إيران” المتزايد في النظام الإقليمي الناشيء.