هل اعدت أمريكا العدة لتحل فرنسا محلها في العراق بعد قرار انسحابها منه في 31 ديسمبر الجاري ؟ يبدو كذلك ، فالحضور القوي للرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” في العراق ومشاركته الفاعلة في مؤتمر التعاون والشراكة الذي عقد مؤخرا في بغداد لرؤساءو قادة دول الجوار ، وعلاقاته المتشعبة مع القوى السياسية العراقية وبشكل خاص مع قادة الكرد اهلته لكي يمثل دور الحاكم المدني الجديد في العراق على غرار الحاكم المدني الأمريكي “بول بريمر” الذي حكم العراق بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 ، فالرجل يتمتع بمقبولية لدى جميع العراقيين وأيضا لدى الإيرانيين ، الطرف الأصعب في المعادلة العراقية..
وقد يعتمد في مهمته الجديدة على الكرد الذين سيتعاظم دورهم في المرحلة القادمة في تحديد الملامح السياسية للعراق ويتحولوا الى بيضة القبان كما كانوا من قبل (2003)عندما ساهموا مع الأمريكيين في تأسيس الدولة العراقية الجديدة.
فالعلاقة بين الكرد وفرنسا تاريخية رغم انها هي الطرف الثاني مع بريطانيا في اتفاقية “سايكس بيكو” المشؤومة التي قسمت الشعب الكرد بين أربعة دول ظالمة سامتهم سوء العذاب! ، ولكن ربما شعر بعض قادة فرنسا بشيء من تأنيب الضمير او العار وهذا ما استبعده تماما وبدأوا بالتودد للكرد ومد يد المساعدة لهم عند الشدائد والمحن التي عاشوها على يد هذه الدول التي تسمى ظلما وعدوانا ب”الإسلامية!”. وكان الرئيس الأسبق”دانيال ميتران” اكثر القادة الفرنسيين توددا للكرد ، ففي لقائه مع “البارزاني” حمله رسالة الى الشعب الكردي ؛ أبلغ الشعب الكردي بأنَّ لديهم صديقاً فرنسياً وهو فرانسوا ميتران وما دمت هناك سوف أدعمكم ولكن إن رحلت فسوف يدعمكم الشعب الفرنسي.” وصرح في برلمان كردستان ان(كردستان وطني) ، ومن جانبه اطلق الكرد لقب”ام الكرد” على زوجته “دانيال ميتران”عرفانا بالجميل.
ولا ننسى ان فرنسا هي التي “أسهمت في إصدار قرار فرض منطقة حظر طيران عام 1991” لمنع النظام البعثي من اجتياح المنطقة الكردية وارتكاب مجازر بحق الشعب الكردي على غرار عمليات القصف الكيمياوي والانفال التي ذهب ضحيتها مئات الالاف من الأبرياء..
“وعندما فرضت حكومة”حيدر العبادي” حصارا شاملا برا وجوا على الشعب الكردي عقابا له على الاستفتاء الذي اجراه عام 2017 للخروج من هيمنة العراق وهو حق كفلته كل الشرائع السماوية والارضية ، ساعدته فرنسا في الضغط على الحكومة العراقية لتخفيف حصارها الجائر ومن ثم رفعه فيما بعد ، وقد لبى الرئيس”مانويل ماكرون” نداء رئيس حكومة الإقليم آنذاك “نيجيرفان بارزاني”الذي شد الرحال الى فرنسا عبر الطريق البري التركي بسبب حظر الطيران لطلب المساعدة ، وكان له دور بارز في رفع الحصار ، وقد أشاد “بارزاني” بالموقف الفرنسي واثنى على الرئيس “ماكرون” ووصفه بالصديق ..
وعندما التقاه في أربيل عقب انتهاء اعمال المؤتمر المنعقد في بغداد رحب به وقال ؛ ”يسعدني أن أرحب بصديقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أربيل. إنني أتطلع إلى مناقشة العلاقات الثنائية والانتخابات العراقية وغيرها من القضايا الملحة مع الرئيس ماكرون. ولا زلت ممتنا لدعم فرنسا المستمر لإقليم كوردستان والعراق”.
بدوره شكر “ماكرون” صديقه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على الحفاوة الكبيرة التي لاقاها وقال في تغريدة له ؛ “أردت أن أنهي زيارتي إلى العراق في اربيل، عزيزي نيجيرفان، شكرا على هذه الاستضافة”.