هذه أهزوجة المساءات الغائمة في مدينتنا, وأكثر مَن يرددها البنات الصغيرات , في لعبة جماعية ممزوجة بالضحكات والقهقهات العالية.
“يا ربي بس مطرها .. وبلل درب محبوبي….دزيتله بالخفية….أرباطعش مكتوبي”
ولا أجد تفسيرا للرقم (14) , إلا أنه من مضاعفات الرقم السحري (7).
وتمضي الأهزوجة بمقاطعها وأنغامها الشجية , وحركات البراءة والبهجة والسرور.
ولا أدري هل إنها من الموروثات القديمة المتصلة بالمطر , حيث كانت النسوة يؤدين رقصات إستنزال المطر , أو ما تسمى برقصات الإستسقاء.
وقد وجدت الآثار والرسومات في سامراء التي تشير إلى هذا الطقس قبل أكثر من خمسة آلاف سنة.
فالمطر من أساسيات الحياة وضروراتها , في مكان كسامراء , حيث كانت ميدانا للصيد على مدى العصور , وحتى أواخر الستينيات من القرن العشرين , حيث تم القضاء على الغزلان والقطا والحبارى وحتى الأسماك.
والدنيا تريد المطر, ولا توجد أمة لا تحب المطر , لأنه مورد رزقها وعنوان عطائها , وحبيب أرضها , فالأرض لا تنجب شيئا إن لم يلقحها المطر.
وعلى مدى عقود القرن العشرين , ولا يزال العراق يشكو من قلة المطر ومن المطر!
وما تعلم كيف يتعافى من الجفاف , ولا كيف يستثمر في المطر.
وفي الحالتين , تكون الإستجابة ذات عناوين تذمر وإستياء وتعوذ وإستغاثة!
إذا غاب المطر , تشاكت الناس , وتثاغت المواشي , وهرع الناس إلى صلوات الإستسقاء!!
وإن نزل المطر , عمت الفوضى والتهكم , والإستغاثة من أخطاره.
“هجم بيوتنا المطر”
“جتنه مزنة بهذلتنا”
“أعوذ بالله من هالمطرة”
وغيرها من الألفاظ السلبية .
وحتى في أشعار إبن المعتز , وهو في سامراء , الكثير من الأبيات التي تشير إلى التشاؤم من المطر!
وهذا يعني أن متوالية العداء ما بين المطر والناس متواصلة منذ قرون , وما تمخضت الأجيال المتعاقبة , عن آلية إيجابية للتفاعل مع المطر.
فلا قدرات لإنشاء مشاريع إروائية , ولا أفكار عن إقامة بحيرات إصطناعية , ولا خزانات مطرية , ولا زلنا لا نفهم إلا بالتخلص من المطر , والرغبة في المطر , لازلنا نفكر بالمجاري وشبكات تصريف المياه المطرية , التي هي نعمة وطاقة وإضافة إقتصادية , نحاول أن نبددها كما نبدد النفط , ونحيل موارده إلى دخان.
لقد حيرنا المكان والزمان!
“يا ربي بس مطرها”
لو “يا ربي لا تمطرها”؟؟!!
ترى أين العيب , فينا أم في المطر؟!!