لم يشكل قرار زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بالعودة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة مفاجأة، فالاعلان عن التراجع كان متوقعا في اية لحظة لاسباب يعرفها “القاصي والداني” ولعل في مقدمتها المنهج الذي يتبعه السيد الصدر بتقلب المواقف التي لو اردنا حسابها بشكل دقيق قد نحتاج للعديد من المقالات والقصص بفصول مطولة وتبريرات اغلبها بعيدة عن الواقع.
لكن.. في التحرك الاخير للسيد الصدر نجد ان العديد من النقاط نحتاج الوقوف عندها..
اولا… اعتقد السيد الصدر بان قرار المقاطعة للانتخابات سيدفع بعض القوى السياسية لتأييده وبالتالي يحقق هدفه بتاجيلها بعد الحصول على معلومات من اعضاء وقيادات في تحالف سائرون بان حجم التيار الصدري لن يتجاوز الثلاثين مقعدا في الانتخابات المقبلة، ليكون تاجيلها الانتخابات من خلال المقاطعة هو الحل لمنع احراج السيد الصدر الذي كان يتحدث عن مائة مقعد وحجز منصب رئيس الوزراء.
ثانيا:. اصيب السيد الصدر بخيبة كبيرة بعد رفض المجتمع الدولي وبعثة الامم المتحدة تأجيل الانتخابات وتأكيدها من خلال رئيسة بعثتها في العراق جينين بلاسخارت على ضرورة اجراءها في موعدها، إضافة إلى الموقف الايراني والامريكي الذي اعلن في اكثر من مناسبة تأييده لإجراء الانتخابات في موعدها، وهو ماجعل زعيم التيار الصدري يشعر بانه خسر ورقة الضغط الخارجية لتأجيل الانتخابات.
ثالثا:. تحركات زعيم دولة القانون نوري المالكي من خلال استقباله للسفير الامريكي في بغداد وبعدها زيارته لاقليم كردستان واجتماعه بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الذي ابلغ السيد المالكي حرفيا… “اتفقوا ونحن معكم”، وهو ماجعل السيد الصدر يدرك بانه اصبح وحيدا من خلال تخلي جميع القوى السياسية التي كان يسعى للتحالف معها بعد الانتخابات لتشكيل الكتلة الاكبر وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الامر الذي طرح العديد من التساؤلات عن امكانية حصول زعيم دولة القانون على ولاية ثالثة في حال استمرار غياب السيد الصدر عن الانتخابات.
رابعا:. ادرك زعيم التيار الصدري بان اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة من دون تياره سيجعله يخسر جميع الامتيازات التي حصل عليها في حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي والمتمثلة بمناصب وزارية والامين العام لمجلس الوزراء ومديرين عامين ووكلاء اصبح لديهم سيطرة واضحة على اكثرية الوزارات والمؤسسات، فاحدى الدوائر سبعة من مديريها ينتمون للتيار الصدري كما ابلغنا نائب عن ائتلاف دولة القانون.
خامسا:. ردة فعل المرجعية الدينية حينما زار السيد الصدر منزل المرجع السيد علي السيستاني لحضور مجلس عزاء في ذكرى عاشوراء، ورفض المرجع استقباله واقتصر اللقاء على شخصيات مقربة فقط التي تجاهلت شروطه في العودة للعملية السياسية وهي تاجيل الانتخابات ومواجهة سلاح الفصائل المنفلت، حينما ابلغه المقربون من المرجعية بان تلك القضايا تناقش مع القوى السياسية ولا دخل للمرجعية فيها، ما جعل يشعر بخسارة الورقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الضغط على القوى السياسية، وبالتالي التفكير في ايجاد “ذريعة” مناسبة للتراجع عن قرار المقاطعة.
سادسا:. وثيقة الشرف التي “تحجج” السيد الصدر بها للعودة للمشاركة في الانتخابات لم تكن سوى “ذريعة” وجد فيها السيد الصدر ضالته للتراجع عن قراره السابق بدلا من الوقوع في الاحراج امام جمهوره وبقية “عباد الله”، فجعلها سببا للعودة، متجاهلا بان هذه الوثيقة ليست الوحيدة التي وقعتها زعامات القوى السياسية ولعل اقربها في العامين 2013، و2018، ولكن النتيجة واحدة، في حين تتحدث احصائيات غير رسمية بان عدد مواثيق الشرف التي اعلنتها القوى السياسية منذ العام 2003، حتى الان وصلت إلى ثلاث مئة وسبع وثمانين وثيقة وضعت جميعها على الرفوف ولم نسمع بتطبيقها على ارض الواقع.
الخلاصة… ان تراجع السيد الصدر وظهوره بخطاب “تعبوي” لتحشيد جماهيره مع عرض لجميع المرشحين ونواب التيار الصدري من خلال الوقوف خلفه، يعكسان حقيقة واحدة، مفادها بان السيد الصدر ادرك خسارته الكبيرة وهو يحاول “التمسك” باخر خيوط اللعبة من اجل العودة “لكعكة” المناصب فالرجل لا يستطيع الوقوف متفرجا بينما يتقاسم الجميع المناصب والامتيازات التي ترفع من ارصدتهم في البنوك،.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه… كيف سيتعامل السيد الصدر في حال خسارته للانتخابات وضياع “حلمه” برئاسة الوزراء؟..