أجمعت وسائل الاعلام الغربية والمحلية على أن أمريكا تعرضت لهزيمة مذلة في أفغانستان بعد أطول حرب خاضتها استمرت لعشرين عامًا ضخت فيها أموالًا فلكية لبناء قوات أفغانية تحمي تواجدها في هذه المنطقة الحيوية من العالم والتي تقع بين أعدى أعداء أمريكا وهي روسيا والصين وإيران وكذلك الهند وان كانت أقل حدة من هؤلاء ولكنها تسعى لتكون نظيرا للصين وهذا ما يقلق أمريكا ايضاً.
وأعتقد أن السبب الرئيس لهذه الهزيمة هو استعلاء أمريكا خصوصًا بعد هجمات ١١ سبتمبر، وازدرائها لإرادة الشعوب وفرض رؤيتها وسياستها حتى وان كانت لاتنسجم وثقافة هذه الشعوب ودينها ومروثها الاجتماعي واسلوبها في العيش.
وبعد هذا الفشل الأمريكي المزلزل لإسرائيل وأوروبا ولعملائها في المنطقة اضافة للمؤسسات الأمريكية، اختبأ الجميع وأشاروا باصابع الاتهام لجو بايدن باعتباره هو من اتخذ قرار الانسحاب، على الرغم من قرار الانسحاب أتخذ في زمن ترامب والمفاوضات مع طالبان مضى عليها اكثر من عام.
وقبالة هزيمة أمريكا كان هناك نجاح واضح لسياسة قطر التي كانت تستضيف مكتبًا لطالبان منذ عشر سنوات، وخلال هذه الفترة شذبت قطر الكثير من تطرف طالبان وتشددها مع الطوائف والاديان الاخرى وكذلك القوميات الافغانية غير قومية البشتول التي تنتمي طالبان لها، اضافة للحريات العامة مثل حرية المرأة وحرية الصحافة وحقوق الانسان وغيرها، مما جعل جيرانها مثل إيران وروسيا والصين وباكستان والهند تتعامل معها بحذر وترقب بدلا من المواقف المسبقة والتي كان يغلب عليها طابع القطيعة والعداء.
وهذا النجاح القطري ليس بالامر اليسير فالمفاوضات لم تجري في القاهرة او بغداد باعتبارهما عواصم تاريخية وتحت الهيمنة الامريكية ولا الرياض باعتبارها زعيمة العالم السنّي كما تدعي ويحلوا لولي عهدها او ملكها الذي يسمي نفسه خادم الحرمين الشريفين.
ومن باب الإنصاف والموضوعية علينا أن نقر أن حكام قطر اكثر حنكة في السياسة من بقية حكام الخليج كآل سعود وال نهيان وحتى آل صباح واكثر ثقافة وقدرة على الحديث في وسائل الاعلام، مثل الامير السابق حمد ال ثاني ووزير خارجيته السابق كذلك حمد بن جاسم، فاستطاعا خلال فترة وجيزة ان يصنعا قناة الجزيرة والتي أماتت الاعلام العربي الذي كان سائدا منذ نشأته، وهو اعلام اثبت فشله وانهزامه في الحروب العربية مع الكيان الصهيونى ولم تبقى له من مهمة سوى تلميع صورة الحاكم ونشر اخباره كأستقبل وودع.
واستطاعت الدوحة أن تتخذ سياسة خاصة بها وخط يخالف أو يتقاطع مع سياسة آل سعود المعتمدة دوماً وابداً على التطرف والقبلية ونشر الارهاب منذ نشاة السعودية وحرب الاخوان وتكفير المسلمين، وعلى الرغم من ان ال ثاني وهابية في مذهبهم الا انهم اقل تشددًا من ال سعود فيسمحون للشيعة في قطر بممارسة طقوسهم ولم نسمع عنهم انهم اعتقلوا عالم دين شيعي او اعدموا خطيب منبر، وغير هذا تربطهم بإيران علاقة جيدة، ودعمهم للارهاب في العراق كان اقل حقدا وطائفية من بقية دول الخليج.
والعراق كدولة بامكانه الاستفادة من الدور القطري الذي لعبته في التجربة الأفغانية لان قوات الاحتلال الامريكي متواجدة في العراق كما كانت متواجدة في أفغانستان وأنا كمواطن عراقي اثق بأمراء قطر اكثر من حكومة عراقية يرأسها الكاظمي ومعظم اعضائها يتبعون الانفصالي برهم صالح او المتصهين مسعود البرزاني أو الحلبوسي ربيب ال الكربولي، على أقل تقدير إن حكام قطر ومعهم القواسم هم وحدهم من العرب الذين يحكمون دول الخليج وبقية حكام الخليج هي عوائل غير عربية بعضها من اصول يهودية وبعضها من اصول فارسية وبعضها من اصولها سندية، فلربما نذكرهم بنخوة العروبة فينتخوا للشعب العراقي، اما حكومة الكاظمي فلا يهمها سوى ادامة وجودها حتى لو تحالفت مع الشيطان وسلمت العراق قاعا صفصفًا كما فعل المقبور صدام .