لكل مواطن معاناته الخاصة مع واحدة أو أكثر من نقاط التفتيش [= السيطرات] المنتشرة في بغداد، التي يجب ان يخضع لضيمها يوميا وهو في طريقه إلى عمله أو مدرسته أو جامعته أو أي مكان آخر.
نعم، فالسيطرة تحولت إلى ضيم ومعاناة ومهزلة تستنزف وقت المواطن وراحته وصحته. فالمواطن لا يرى اية جدوى من وجود هذه السيطرات الخالية من اجهزة الفحص الحديثة والفعالة، سوى جهاز كشف العطور الذي بات محل تندر واستهجان العالم اجمع.
أما معاناتي الشخصية، ومعي عشرات آلاف اخرين، فهي مع سيطرة “28 نيسان” في الصالحية التي تتحكم بالطريق الرابط بين جسري السنك والجمهورية باتجاه منطقة علاوي الحلة. فبعد اغلاق مقتربات جسر الجمهورية المؤدية إلى ساحة الفارس العربي في المنصور وساحة النسور في المأمون، صار لزاما على العابرين من جسر الجمهورية استخدام نفس مقتربات جسر السنك. وكان يمكن لهذه المقتربات ان تتحمل هذا الزخم المضاعف؛ لولا سيطرة “28 نيسان” التي تغلق مسارين من مسارات الطريق الثلاثة وتبقي واحدا منها فقط لمرور آلاف السيارات القادمة من الجسرين، حولت حياة سالكي هذا الطريق (وأنا منهم) إلى جحيم حقيقي يبدأ مع ساعات الصباح ولا ينتهي إلا في ساعة متأخرة من اليوم.
يمتد الزحام من بداية جسر السنك حتى السيطرة المذكورة. ولا يمكن اجتيازها بأقل من ساعة في اوقات الذروة. ولكن الاحوال تفاقمت في الاونة الاخيرة، وبتنا نستغرق أكثر من ساعة ونصف. الأمر الذي يدفعنا إلى الترجل من سيارات النقل العام والسير من ساحة الخلاني إلى ما بعد السيطرة في مسيرة شاقة يسمّمها الدخان المنبعث من عادم السيارات المتزاحمة. ولا يملك المواطن سوى كَيْـل الشتائم على القادة الامنيين الاغبياء العاجزين عن استنباط طريقة ذكية وعملية لمحاربة الإرهاب غير اصطناع الزحام.
ولا اخفيكم سرا، فطالما انني لا امتلك سيارة شخصية؛ فإنني، اسوة بمئات غيري، عادة ما اختار السير على قدميّ من ساحة الخلاني إلى ما بعد السيطرة.
أما سرّيَ الآخر، فهو انني اخاف قوات الأمن من شرطة وجنود كثيرا. ولكن بعد ايام طويلة من المعاناة، استجمعت كل ما املك من شجاعة ومجازفة، وتوجهتُ نحو احد الجنود العاملين في السيطرة وأخبرته ان صف السيارات يبدأ من تقاطع معارض النهضة، ورَجَوْته ان يفتح مسارا اضافيا، فأقسم لي وأجابني بمنتهى الأدب والتعاطف بأن الأمر ليس بيده. وبعد يومين اعدت محاولتي وطلبت من جنديين آخرْين ان يفتحا ممرا اضافيا رحمة بمستخدمي الطريق. وما اثار استغرابي هو انهما كررا نفس جواب زميلهما وبنفس التفهم والتعاطف.
وهذا جعلني اتيقن ان جنود السيطرات الذين يشاركوننا دخان السيارات وغازاتها السامة وحر الصيف وبرد الشتاء وأوحاله، ليسوا هم المسؤولون عن معاناة المواطن، وأنهم، مثلنا، متيقنون من لا جدوى سيطرات الاستنزاف البشري. والدليل هو التفتيش السطحي الذي يجرونه على السيارات.
فالجندي يفتش اسفل السيارة والصندوق، وهو يدري جيدا ان الارهابي بات يخفي المتفجرات في كل مكان عدا المكانين المذكورين، لأنهما المكانان الوحيدان اللذان يفتشان في سيطرات بغداد العمياء. وأقول عمياء، لأنها بلا اجهزة كشف فعالة كما اسلفت أو كاميرات حديثة توثق كل السيارات المارة من خلالها، الاجراء الذي يوفر قاعدة معلومات ممتازة يمكن الرجوع إليها لكشف السيارات المارة في حالة حدوث أي خرق أمني. إن هذا النوع من الكاميرات شائع استخدامه في كل العالم، وهي تستخدم في استيفاء رسوم الطرق أو دخول مراكز المدن.
رافق صحفي اجنبي احد قادتنا الامنيين الاذكياء في جولة في بغداد قبل بضعة أشهر. وقد اخبره هذا القائد الهمام انه يستدل على جدية عمل كوادر السيطرات من خلال الزحام الذي يسببونه في الشوارع. ان هذا التصريح يكشف لنا عن السبب الحقيقي وراء معاناتنا، فأحيانا يفتح ممرين لعبور السيارات، ويخف الزحام كثيرا. وبمجرد ان يحصل ذلك، يسارع كادر السيطرة نحو اغلاق احد الممرات ليعود الزحام على أشده، إرضاء للآمر الأعلى الذي يريد ذلك.
مأساتنا الكبرى هي في الغباء والكسل الفكري اللذيْن نعالج بهما امورنا. وهذا ليس مقتصرا على الشأن الأمني، بل يمتد لكل مفاصل حياتنا.
اود ان اذكر الرئيس نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة، ان اغلب قادتنا الامنيين هم انفسهم الذين اقنعوا الرئيس السابق صدام حسين بأنهم سيسحقون الجيش الأميركي على اسوار بغداد، وأنهم سيسقطون طائرات الشبح ببندقية البرنو. وحين جاءت ساعة الحقيقة، هربوا وتركوا الجنود هائمين لا يلوون على شيء. وسقطت بغداد بأسرع مما سقطت أم قصر. ارجوك ايها القائد العام لا تثق بهؤلاء، فالمُـجرَّب لا يُـجَرَّبْ.
ان الخيار الستراتيجي الصحيح هو في الاعتماد على كوادر متعلمة تؤمن بالتكنولوجيا وتحترف التعامل مع ادواتها ومعطياتها، ابتداء من الجندي والشرطي وانتهاء بالضباط والقادة.
ملاحظة: لمزيد من التفاصيل والصور عن سيطرات بغداد، اقترح الاطلاع على الرابط ادناه:
http://anahabobi.blogspot.com/2013/07/blog-post_25.html